أهل الدين لا يمدون أيديهم لأحد.. إلا في أيام السيسي!

- ‎فيتقارير

خطيب مسجد يتعامل معه زملاؤه من الأئمة بطريقة دونية لأنه يبيع العرقسوس، ما الذي دفعه إلى الجمع بين مهنة بيع العرقسوس المرهقة التي لا تأتي إلا بالفتات مع وظيفة عظيمة المقام وهى الخطابة ووعظ المصريين، بل وهل نجد قسيساً في كنيسة يحمل على صدره قارورة العرقسوس بعد انتهاء القداس، ويمشي في الشوارع والأسواق يضرب بالصاجات النحاس؟

يشتهر العرق سوس بأهميته البالغة والمتعددة ، ولكن تزيد هذه الأهمية فيما يخص المعدة، حيث يستخدم العرقسوس كمهدئ للمشاكل المعدية المعوية في حالات التسمم الغذائي وقرحة المعدة والحرقة ، حيث يحتوي على خصائص مضادة للالتهابات و تعزيز المناعة، كما يشتهر بأنه بات علامة مميزة على إهدار مكانة الخطباء والعلماء والدعاة في عهد السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.

يسرا والمنبر

في الوقت الذي تكرم عصابة السفيه السيسي الفنانة يسرا بإطلاق اسمها على شارع في مدينة الجونة، عرفانا بالجميل الذي قدمته للشعب من العري والابتذال ونشر الفن الهابط، في الجهة الأخرى يرن صدى الصاجات التي تعلن عن مروره بالمنطقة، فيبدأ كل ظمآن ومحب للعرقسوس في تهيئة نفسه لشراء كوب منه، “محمود عاطف”، الأربعيني الذي تجذبك طريقة حديثه البليغة أثناء بيعه للعرقسوس لزبائنه المعتادين، وتحدثه للغة العربية بطلاقة وهو ما أزاح الستار عن حقيقته، فهو خطيب يعمل بنظام “المكافأة”، وخريج كلية الشريعة والقانون.

اعتاد محمود منذ سن الحادية عشرة عندما كان المخلوع مبارك في الحكم على حمل قدرة العرقسوس والنزول لشوارع الجيزة آتيًا من صعيد مصر ليبحث عن مصدر رزق له يمكنه من الإنفاق على الدراسة، وعلى أسرته، ” ببيع العرقسوس من أيام ما الكوباية كانت ببريزة”، كلمات بدأ بها محمود عاطف حديثه عن ذكرياته مع تلك المهنة التي رافقته رغم تبدل الحال وتغير الظروف على مدار سنوات عمره.

فبعدما حصل على بكالوريوس الشريعة جامعة الأزهر، منعته جمهورية الجنرالات العسكرية من الحصول على وظيفة مستقرة بالتعيين لدى وزارة الأوقاف، ولكنه عمل كخطيب بنظام المكافأة، فأصبح يحصل على 135 جنيهًا في الشهر، وهو ما اضطره للاستمرار في عمله كبائع عرقسوس بعد عمله كخطيب في الصباح، في إهدار فاضح لكرامة دعاة الدين الإسلامي.

بعد الانقلاب

يتحدث محمود عن وضعه الحالي بعد انقلاب 30 يونيو 2013، فيقول إنه متزوج وله 4 أطفال، يعانى أحدهم من وجود مياه بيضاء على عينيه ومشكلة فى القرنية، وهو ما كلفه الكثير من الأموال لعلاجه على نفقته الخاصة، ويرى بعد تلك السنوات أن التعليم لم ينفعه فى شىء، فبعدما تخطى الأربعين من عمره لا يزال يحمل قدرة العرقسوس ويتجول فى المنطقة باحثًا عن الزبون الذى سيعطيه الجنيه مقابل الكوب الواحد.

تلمع عينيه وتبتهج ملامحه متحدثًا عن الوقت الذى يقضيه على المنبر قائلًا” لما بقف عالمنبر بحس إنى بين إيدين ربنا وبخاطبه، وبطلب كرمه”، وتتبدل ملامحه وينزل لأرض الواقع وكأنه يسترجع معاناته مع بيع العرقسوس ويقول” أول ما بشيل القدرة بفتكر التعب اللى بشوفه وأقول امتى ارتاح؟”

يشعر محمود وكأن حياته “مقسومة نصين” في زمن الانقلاب، نصف يظهر فيه كخطيب يتلقى احترام الجميع، ونصف آخر تتخلل تفاصيله لحظات تجوله فى المنطقة حاملًا قدرة العرقسوس التى أثرت على كتفيه مع مرور الوقت، وترحاب كبير يقابله محمود عند تعامله مع جيرانه، وزبائنه المعتادين، والذين يعرفون حقيقة عمله كخطيب فى المسجد بجانب بيعه للعرقسوس.

التعيين لدى وزارة الأوقاف فى أى وظيفة هو الحلم الذى يراود محمود بإستمرار حتى يضمن له عيشة كريمة تجنبه مشقة حمل قدرة العرقسوس طوال النهار للحصول على 60 جنيهًا فى نهاية اليوم تساعده على إعالة أسرته.