هل يورط السيسي الجيش للعمل كمرتزقة في سوريا وليبيا بعدما غير عقيدته العسكرية ؟

- ‎فيتقارير

هل سيصل بِنَا الذل والهوان أن يتحول جيش مصر إلى مرتزقة تحارب لحساب أمريكا في سوريا على يد الانقلابي “السيسي”، بعدما غير عقيدة الجيش من محاربة العدو الصهيوني إلى “محاربة الإرهاب” الداخلي ، الذي حدده في قمع الجيش أي محاولة احتجاج داخلية بدعاوى حماية “الدولة” التي يختصرها في شخصه ونظامه، وأرسل قوات إلى اليمن وأخرى إلى ليبيا بمقابل مادي من السعودية والإمارات؟

منذ تأكيد صحيفة وول ستريت جورنال نقلا عن “مسئولين أمريكيين بارزين”، أن ترامب يسعى لمشاركة مصر عسكريا في سوريا ضمن قوة عربية لتغطية الانسحاب الأمريكي، وأن مستشاره للأمن القومي اتصل فعلا برجل السيسي “عباس كامل” ليطلب منه ذلك، والتأكيدات تتوالى بشأن صحة الخبر وسط تعتيم تام من إعلام الانقلاب.

فقد أكدت خارجية أمريكا صحة المعلومة، وأكدتها السعودية بل وأعلنت استعدادها للمشاركة بقوات في هذه القوة التي تطلبها أمريكا، كما رحبت الإمارات، ما يؤكد أن السيسي مطالب الآن بإرسال قوات مصرية إلى سوريا للعمل تحت إدارة شركة مرتزقة أمريكية.

ويعد هذا التطور أكبر ورطة يواجهها نظام السيسي بسبب ولائه لترامب أمريكا ، وولائه لبوتين روسيا، فلو استجاب الانقلاب للمطالب الأمريكية سيواجهه معضلة تتعلق بالعلاقات المصرية الروسية الجيدة، وخشية القاهرة من إغضاب موسكو التي لها اليد الطولى في سوريا، حال وافقت على الطلب الأمريكي، كما يخشى إغضاب ترامب أيضا في وقت تجري فيه مفاوضات حول المعونات الأمريكية لمصر .

وأخطر ما كشفته الصحيفة الأمريكية هو أن ترامب يسعى لسحب القوات الأمريكية في سوريا، على أن يحل محلها قوات عربية حليفة تحت قيادة شركة المرتزقة “بلاك واتر”.

ونقل تقرير وول ستريت جورنال عن “مسئولين أمريكيين بارزين” بحسب قوله، أن تلك القوات ستنشر في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا، وأن مستشار الأمن القومي المعين حديثا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتصل بالقائم بأعمال رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية عباس كامل “لمعرفة ما إذا كانت القاهرة ستساهم في هذا الأمر”.

وقالت الصحيفة أن الخطة تقوم على أن توفر مصر الجنود بينما ترسل الدول الخليجية الأخرى الأموال، إلا أن صحيفة وول ستريت جورنال قالت إن استعداد مصر لدعم جهود جديدة في سوريا “ليس واضحا حتى الآن”.

وسبق أن أعلنت حكومة السيسي عبر بيانات أصدرتها دعمها لنظام بشار الأسد في سوريا.

ونقلت الصحيفة عن خبراء قولهم إنه إذا لم ترغب مصر في إرسال قوات إلى سوريا، فبإمكانها المساعدة بطرق أخرى، مثل تدريب المقاتلين السوريين خارج بلادهم وتوفير الخدمات اللوجستية.

لماذا يورط السيسي الجيش في صراعات خارجية ؟

رسميا لم ترسل مصر قوات إلى الخارج منذ أن أرسلت أكثر من 30 ألف جندي للانضمام إلى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة العراق في حرب الخليج عام 1991 م بقرار من الرئيس السابق مبارك، بيد أنها أرسلت قوات إلى اليمن وإلى ليبيا دون إعلان.

إذ سبق للسيسي إرسال قوات لليمن دون أن يعلن ذلك، وهو ما تم كشفه عرضا خلال مناقشات في برلمان الانقلاب لتجديد عمل القوات المصرية في اليمن، كما أرسل قوات لليبيا لدعم حفتر بخلاف القصف الجوي بحسب خبراء مصريين.

كما أكد الدكتور محمود رفعت الخبير القانوني ورئيس المعهد الأوروبي للقانون الدولي، أنه يجري الآن بتعليمات من ولي عهد أبو ظبي تفاوض لإرسال المزيد من وحدات الجيش المصري إلى بنغازي في ليبيا.

وقال “رفعت” على حسابه على تويتر أن لديه معلومات عن اتفاق بين محمد بن زايد أثناء زيارته القاهرة مع السيسي على إرسال 2000 فرد جيش لليبيا لمشاركة قوات حفتر في غزو “درنة” وإخضاعها لسيطرة الانقلابيين في ليبيا ومصر، ويستند السيسي في تلبية هذا الطلب على معلومات تشير لانطلاق عمليات إرهابية من درنة إلى مصر، برغم أن من يسيطر على المدينة هي قوات من ثوار ليبيا طردت الداعشيين من المدينة.

وفي عام 2017 وفي حوار لصحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية، دعا السيسي إلى تسليح وتجهيز قوات اللواء خليفة حفتر الذي تتضارب الأنباء عن صحته ووفاته الآن، وقال: “إذا قدمنا أسلحة ودعمًا إلى الجيش الوطني الليبي، يمكنه القيام بالعمل أفضل من أي جهة أخرى، وأفضل من أي تدخل خارجي يمكن أن يقودنا إلى وضع يفلت منا ويؤدي إلى تطورات لا يمكن السيطرة عليها”.

والسؤال الأبرز هو : لماذا يرسل السيسي قوات مصرية إلى الخارج ويورط الجيش في مناطق صراعات مقابل مصالح وأموال ودعم من يساندهم له .

ويثير ذلك مخاوف من سعي السيسي إلى توريط الجيش في صراعات داخلية لشغله عن الأوضاع الداخلية، وقيامه بعمليات إعادة ترتيب لوحدات الجيش وتشكيل قوات خاصة تحمي نظامه اسمها قوات الانتشار السريع هدفها التدخل في الشئون الداخلية لا الخارجية، خاصة في ظل تغيير عقيدة الجيش العسكرية لتصبح حماية النظام في الداخل ومحاربة معارضيه بدلا من التصدي للعدو الرئيسي “إسرائيل”.

من “إسرائيل عدواً” إلى “صديق”!

وظهرت مؤشرات تغيير السيسي عقيدة الجيش لحماية نظامه منذ انقلاب 3 يوليه 2013 ومشاركة الجيش في قمع وقتل المتظاهرين، وتقديم مزايا لقادة الجيش تتعلق بالمزيد من إشراكهم في البيزنس الداخلي مقابل أرباح ضخمة، بخلاف صفقات السلاح وعمولاتها الكبيرة.

وفي حوار مع قناة “بي بي سي” البريطانية، 3 مارس 2016، قال السفير الإسرائيلي أن “العقيدة القتالية للجيش (المصري) قد تغيرت من اعتبار إسرائيل عدواً لصديق في محاربة الإرهاب”، مؤكداً أن هذا ما تؤمن به القيادة الحالية (السيسي).

وقال السفير الإسرائيلي حاييم كورن، “إن العدو الحقيقي لمصر هم الإخوان وليس بلاده”، وأضاف لها “حركة حماس” كعدو خارجيا، زاعما أن “الإرهاب هو التحدي الحقيقي للدولة المصرية”.

ما قاله السفير الإسرائيلي عن تغيير عقيدة الجيش المصري، أعاد فتح ملف خطير بدأت المناقشات حوله منذ انقلاب 3 يوليه 2013، يتعلق بتغيير عقيدة الجيش مقابل دعم انقلاب السيسي.

فقد عمدت الولايات المتحدة منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1979، وتخصيص معونة سنوية عسكرية (1.3 مليار دولار) واقتصادية لمصر، لتغيير عقيدة الجيش المصري من الحرب مع إسرائيل باعتبارها هي “العدو الأول والأساسي” لكي يكون العدو هو “الإرهاب”، ويشمل هذا “التيارات الإسلامية” في الداخل.

ويبدو أن هذا لقي هوى لدي السيسي ولكن بهدف تغيير عقيدة الجيش لحماية نظامه الداخلي، مع مشاركته الهدف الأمريكي المتعلق بمحاربة الإسلاميين باعتباره “مصالح مشتركة” بينه وبين الأمريكان.

وكان الهدف الأمريكي من تغيير عقيدة الجيش المصري القتالية، مرتبطا بكميات ونوعية السلاح التي تحصل عليها مصر، حيث حاولت واشنطن تقليص كميات السلاح الثقيل التي تطلبها مصر بموجب المعونة، والتي كانت توجه لحرب تقليدية مع العدو التقليدي التاريخي (إسرائيل)، وسعت واشنطن لإقناع الجيش بالتوقف عن اقتناء السلاح الثقيل مقابل أسلحة خفيف تتناسب مع “محاربة الإرهاب” والتصدي لمعارضي الداخل، لا إسرائيل.

وقد كشفت وثيقة دبلوماسية سرية سربها موقع ويكيليكس عام 2008 عن محاولات أمريكية خلال حقبة الرئيس السابق مبارك، لتغيير عقيدة الجيش، وخلاف بين واشنطن والقاهرة حول استخدام المساعدات العسكرية الأمريكية، وتوسيع مهام الجيش بطريقة تعكس التهديدات الإقليمية والعابرة للدول، مثل القرصنة وأمن الحدود ومكافحة الإرهاب.

غير أن الوثيقة قالت حينئذ أن “القيادة المصرية الهرمة قاومت جهودنا وبقيت مكتفية بالقيام بما سبق أن قامت به لسنوات، وهو التدريب على عمليات المواجهة الخارجية”، حتى جاء السيسي واستجاب للمطالب الأمريكية التي تلتقي مع مصالحه الشخصية في البقاء فرعونا جديد لمصر.

وفي أعقاب انقلاب السيسي 3 يوليه 2013، أعلن عبد الفتاح السيسي عن تشكيل ما أسماه “قوات التدخل السريع”، بدعوى “تعزيز قدرة الجيش على مواجهة التحديات التي تواجه مصر في الداخل والخارج”، و”للقيام بمهام “خاصة جدا”.

واعتبر مراقبون أن هذا التوجه الجديد يشير لأن القادة الجدد للجيش بعد الانقلاب قد بدأوا بالفعل في تغيير عقيدة القوات المسلحة من قتال إسرائيل إلى محاربة الإرهاب، أي التحول من اعتبار إسرائيل “عدو” إلى “صديق في محاربة الارهاب”.

وقد اعترف الدكتور محمد البرادعي نائب رئيس الجمهورية المؤقت السابق علنا، بأن الأمريكان ينفذون حاليا، تغييرًا في عقيدة الجيش المصري “لتصبح هي مواجهة العدو الداخلي أو الخارجي غير إسرائيل”، أو ما يسمي “الإرهاب”.

وفي أعقاب هذا التغيير للعقيدة القتالية للجيش، وقبل نهاية مارس 2015 أبلغ الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عبد الفتاح السيسي بانتهاء تجميد تسليم مصر المساعدات العسكرية التي كان قد تم حجزها عقب فض اعتصامات ميداني رابعة العدوية والنهضة في أغسطس 2013.

كما تلقت القاهرة عددا من طائرات الأباتشي المروحية، وتم شحن 12 طائرة مقاتلة إف 16، و20 من صواريخ هاربوون، وقطع غيار 125 دبابة من طراز M1A1، وعدد من الزوارق والقطع البحرية المتقدمة.

أيضا انعقد في القاهرة في الثاني من أغسطس 2015 ما أطلقت عليه القاهرة «حوار استراتيجي» بين الدولتين، رغم أنه انعقد لجولة واحدة فقط في صورة مباحثات ثنائية موسعة بين الطرفين، وسعت صحف مصر لوصفه بأنه انتصار للسيسي و”رضوخ أمريكي لسياسات السيسي”.

وبرغم سعي مسئولين عسكريين مصريين لنفي أي تغيير في العقيدة القتالية للجيش، تؤكد واشنطن أنها نجحت في مسعاها القديم لتغيير العقيدة القتالية للجيش المصري، وأنه ساعدها في ذلك تطورات الداخل المصري الذي أصبح معه تركيز الجيش المصري ينصب بالأساس على “مكافحة الإرهاب” خاصة في سيناء.

وأظهرت واشنطن ذلك بوضوح في بيانها بخصوص المساعدات لمصر والذي جاء فيه أن “الولايات المتحدة ستوجه مساعداتها باتجاه المعدات المستخدمة في محاربة الإرهاب وأمن الحدود وأمن سيناء والأمن البحري وصيانة نظم التسليح المستخدمة في مصر بالفعل”.

واستغل السيسي كلمة “الإرهاب” الذي سعت واشنطن لتغيير عقيدة الجيش لمحاربته ؛ ليقصد به التيارات الإسلامية ، وسعى لوسم جماعة الإخوان بأنها “إرهابية”، فيما سعى لتوريط الجيش في حروب خارجية مثل ليبيا أو سوريا بدعوى محاربة الإرهاب، وكلها تطورات تنهك هذا الجيش “خارجيا” وتضر بصورته “داخليا”، بعدما تورط في عدة مجازر داخلية.