الإخوان بين السلمية والعنف.. حقائق وافتراءات

- ‎فيمقالات

تتواكب الذكرى التسعين لتأسيس جماعة الإخوان مع تحركات محمومة لحصار الجماعة دوليا وتصنيفها جماعة إرهابية، لشل حركتها، وتجفيف منابعها المادية والبشرية، وتخويف الناس من الانضمام إليها.

وازدادت سخونة التحركات مع وصول اليميني المتطرف دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة، وكذا مع تعيين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد في المملكة السعودية.

صحيح أن هذه التحركات بدأت بعد نجاح الثورات المضادة في الإطاحة بالإخوان من السلطة في مصر، وبعرقلة الثورة السورية والليبية، واليمنية، والضغط على الثورة التونسية، لكن ظهور ترامب وابن سلمان منحها دفعة قوية للأمام.

تعتمد هذه التحركات أساسا على كذبة كبرى تتهم الإخوان بممارسة العنف عبر مراحل تاريخية مختلفة سواء في مصر أو غيرها من الأقطار بهدف الوصول إلى السلطة، متجاهلة تماما أن الإخوان هم ضحايا استخدام العنف ضدهم لمنع وصولهم إلى السلطة بطرق ديمقراطية، وإسقاطهم من السلطة التي وصلوا إليها عبر صناديق الانتخابات سواء في مصر أو تونس وقبل ذلك فلسطين المحتلة.

وتستدعي هذه الجهات المتربصة بالإخوان بعض المواقف النظرية والعملية التي تمت في سياقات تاريخية معينة للتدليل على أصالة العنف في الفكر والممارسة الإخوانية، كما تستند إلى الكثير من الوقائع التي ارتكبتها جماعات مسلحة أخرى لتنسبها للإخوان في تضليل واضح للرأي العام المحلي والدولي ولصناع القرار الدوليين، لتدفعهم للتصنيف الإرهابي المطلوب، الذي تدفع السعودية والإمارات من أجله مليارات الدولارات للعواصم الكبرى النافذة، خاصة واشنطن وعواصم أوروبا.

لم ييأس النظام السعودي بعد فشل مسعاه مع المملكة المتحدة عام 2014، التي دفع لها المليارات في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز لتصنيف الجماعة “جماعة إرهابية”.

ولأن المملكة المتحدة دولة مؤسسات، فقد شكلت لجنة تحقيق في المزاعم السعودية برئاسة السير جون جينيكنز سفيرها السابق في الرياض، وبعد تحقيقات مطولة أعلنت نتائجها نهاية العام 2015، لم تستطع اللجنة تصنيف الجماعة “إرهابية”، لعدم توفر الأدلة، رغم توفر “مليارات الرشوة” السعودية مسبقة الدفع والمؤجلة.

وجدد النظام السعودي مساعيه مع تولي الأمير محمد بن سلمان لولاية العهد، الذي تم إقناعه من أبناء زايد في الإمارات ومستشاريهم في الولايات المتحدة ومعهم الكيان الصهيوني بأن الطريق الأسرع لتولي حكم المملكة في حياة والده يمر عبر رؤية جديدة عليه أن يطرحها تتضمن عمليات تحديث قسري للحياة الإجتماعية والدينية في المملكة تتنافى مع ثوابتها الدينية والعروبية، وتتضمن أيضا محاربة جماعة الإخوان المسلمين بلا هوادة واعتبارها عدوا رئيسيا للمملكة.

وكل ذلك تمهيدا لتطبيع كامل مع العدو الصهيوني بدأت بشائره بتصريحات الأمير محمد بـ”حق اليهود التاريخي في فلسطين”، وزيارات ولقاءات سرية مع مسؤولين إسرائيليين تم الكشف عنها مؤخرا، وبتدشين مشروع “نيوم” الترفيهي الضخم، الذي يضم نظريا السعودية ومصر والأردن، ولكنه سيضم حتما الكيان الصهيوني، بحكم الضرورات السياسية والجغرافية للمكان.

ومن الواضح أن قضية الإخوان لا تزال إحدى القضايا الرئيسة على أجندة الزيارة الطويلة للأمير ابن سلمان إلى الولايات المتحدة، التي يحاول خلالها تسويق وترويج مشروعه، وضمنه تصنيف الإخوان جماعة إرهابية.

ودفع الرجل مقابل ترويج هذا المشروع 200 مليار دولار بشكل عاجل، مع وعد برفعها إلى 450 مليار دولار خلال الفترة المقبلة، وهو ثمن ضخم يسيل له لعاب الرئيس الأمريكي وأركان إدارته، ويدفعهم لبذل أقصى جهد لتحقيق الهدف (التصنيف الإرهابي) الذي عجزوا عن تحقيقه عقب فوز ترامب مباشرة.

وكان أحد وعوده الانتخابية الكبرى لناخبيه، وسيسعى الآن لإعادة طرح الفكرة مصحوبة بوعود خلق وظائف جديدة من المليارات السعودية التي ستدفع لقاء هذه الصفقة.

وفي إطار تخويفه للغرب من الإخوان لدفعه لقبول تصنيفها جماعة إرهابية، زعم الأمير محمد أن الإخوان يريدون تحويل أوروبا لقارة إخوانية، خلال الأعوام الثلاثين المقبلة، مدعيا أن أي إرهابي مثل أسامة بن لادن، وأبو بكر البغدادي، هو بالأصل إخواني، متناسيا عن عمد أن هذين وغيرهما هما من نبت الحركة الوهابية التي ترعاها مملكته، والتي لا تزال تصدر هذا الفكر المتطرف والعنيف للعالم.

مزاعم وافتراءات

وبالتوازي مع التحركات الدبلوماسية السعودية وضغوطات اللوبي الصهيوني والإماراتي، ومليارات السعودية إلى واشنطن، تظهر أيضا كتابات في الصحافة العربية والغربية للتخديم على تلك الفكرة المركزية وهي اتهام الإخوان بممارسة العنف تسهيلا لعملية التصنيف المنشودة.

ومن ذلك ما كتبه في جريدة الشرق الأوسط (السعودية) الدكتور غازي حسين سفير العراق السابق لدى باريس تحت عنوان جذور النهج الإنقلابي لـ”الإخوان” يوم 5 نيسان/ إبريل الحالي.

بنى الدكتور غازي موقفه كغيره من الكتاب المناوئين للإخوان على حوادث تاريخية كان لها سياقها الخاص في ظل وجود احتلال بريطاني لمصر (مهد الإخوان) حيث أسست الجماعة التنظيم الخاص مطلع الأربعينات للمساهمة في مواجهة ذلك الاحتلال، كما كان لبعض القوى السياسية الأخرى تنظيمات عسكرية أو شبه عسكرية في ذلك الوقت مثل “القمصان الزرقاء” لحركة مصر الفتاة، و”القمصان الخضراء” لحزب الوفد، وكذا بعض التنظيمات العسكرية للحركات الشيوعية التي كان عدد من ضباط يوليو 1952 ينتمون إليها مثل خالد محيي الدين ويوسف صديق وأحمد حمروش.

بين التجني الواضح، والخلط الواسع تدور الكتابات المناهضة للإخوان ومنها المقال المذكور في الشرق الأوسط، حيث يشكك كاتبه في قناعة الإخوان بالشورى والديمقراطية، مستدلا بما وصفه بمؤامرات الانقلابات العسكرية والاغتيالات السياسية، ومستدلا كذلك بتصريح للمرشد السابق مهدي عاكف عن استعداد الجماعة لإرسال عشرة آلاف متطوع لدعم المقاومة اللبنانية عام 2006، وكذا ما وصفه بالاستعراضات شبه العسكرية خلال اعتصام رابعة عام 2013.

وأخيرا اتهام الإخوان بالمسؤولية عن ظهور التنظيمات المسلحة مثل الجماعة الإسلامية والجهاد أو حتى القاعدة وداعش.

تناسى الكاتب أن الإخوان كانوا دوما ضحية العنف سواء على يد الأنظمة العسكرية الحاكمة، أو حتى على يد جماعات العنف المسلح ذاتها كما حدث في مصر نفسها، أو في الجزائر، أو سوريا، أو اليمن، أو العراق، أو حتى فلسطين المحتلة وما حادث مسجد ابن تيمية عنا ببعيد.

وتناسى أنهم كانوا الضحية الأساسية للانقلاب العسكري على الديمقراطية في مصر، حين أطاح الجيش بالرئيس المنتخب محمد مرسي، وأنهى تجربة ديمقراطية وليدة شهدت انتخابات حرة لمجلسي الشعب والشورى ورئيس الجمهورية واستفتاءين دستوريين ، وفاز الإخوان في كل الاستحقاقات الديمقراطية عن جدارة واستحقاق، ولم يوقف تقدمهم سوى بندقية العسكر ومدرعاتهم.

وحتى قبل ثورة يناير 2011، فقد شارك الإخوان في ظل الهامش الديمقراطي المحدود في عهد مبارك في الانتخابات البرلمانية والنقابية والطلابية والمحلية، وفازوا في الكثير منها، ولم يوقف تقدمهم سوى التدخل الحكومي السافر بفرض الحراسة على النقابات، وبمنع فوز أيا منهم في آخر انتخابات قبيل ثورة يناير مباشرة (2010).

وسبق هذه الممارسات العملية مراجعة فكرية للموقف من الشورى، حيث اعتمد الإخوان مبدأ الشورى الملزمة، وليس المعلمة كما كانوا من قبل، وضمنوا ذلك في وثيقة تاريخية أصدرتها الجماعة بعد مشاورات داخلية وخارجية مكثفة في عام 1994، تضمنت مواقف متقدمة أخرى من المرأة والأقباط، والتعددية الحزبية التي كانت مرفوضة من قبل أيضا.

ولا يزال الإخوان يدفعون ضريبة باهظة ثمنا لدفاعهم عن الديمقراطية والإرادة الشعبية التي أنتجت أول رئيس مدني منتخب لمصر بعد 60 عاما من الحكم العسكري القمعي.

حوادث تاريخية

لا يمكن إنكار بعض وقائع العنف المسلح التي وقعت من بعض أفراد الإخوان منذ الأربعينيات، مثل قتل رئيس وزراء مصر الأسبق محمود فهمي النقراشي، وقتل المستشار الخازندار، وتبرأ مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا من مرتكبيها، ووصفهم بأنهم “ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين”.

ولم يشفع له حيث في عام 1949 على يد رجال الملك فاروق، وبطبيعة الحال لا يمكن إنكار وقوع العديد من الحوادث التي يصنفها معارضوا الإخوان بأنها أحداث عنف وقعت ضد جنود الاحتلال البريطاني في نواديهم الليلية وثكناتهم العسكرية في القاهرة ومدن القناة، ولكن هذه الحوادث كانت جزءا من حركة مقاومة وطنية مشروعة ضد الاحتلال البريطاني لمصر.

وشارك فيها فدائيون من قوى سياسية متنوعة بخلاف الإخوان. وهو ما يمكن أن ينطبق على تصريح المرشد السابق مهدي عاكف عن إمكانية إرسال 10 آلاف متطوع لدعم المقاومة في لبنان، وناهيك عن أن هذا التصريح لم يتجاوز حالته النظرية غير العملية، فقد كانت المقاومة اللبنانية -ودعمها- ضد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان عملا مشروعا أيضا وتحميه المواثيق الدولية.

يخلط معارضو الإخوان عادة بين الجماعة التي اختارت النهج السلمي، والتي اعتذرت عن بعض الممارسات العنفية الضئيلة والتي لم تتم بقرار رسمي منها ( مثل قتل النقراشي والخازندار) التي أعلن مرشدها الثالث عمر التلمساني أنها طلقت العنف بالثلاثة وأعلن مرشدها الحالي أن سلميتها أقوى من الرصاص، وبين جماعات أخرى مسلحة توجه جزءا من عنفها ضد الإخوان أنفسهم وتخرجهم من الملة مثل القاعدة وداعش، أو جماعات مصرية مسلحة مثل الجهاد والجماعة الإسلامية (التي طلقت العنف لاحقا) وهما تنظيمان ولدا بالأساس بعيدا عن جماعة الإخوان في الجامعات المصرية حين كان الإخوان لا يزالون في السجون.

ويتناسى هؤلاء الناقدون للإخوان أن الأفكار التكفيرية أوالمسلحة تتزايد طرديا مع غياب الديمقراطية، وحرية التعبير، كما تتناسب طرديا مع غياب الفكر المعتدل الذي تمثله جماعة الإخوان وبعض الجماعات الأخرى.

أما استدلال الكاتب بما وصفه بالاستعراضات شبه العسكرية في اعتصام رابعة عام 2013، فمن الواضح أنه انسياق أعمى خلف آلة الدعاية الانقلابية المصرية التي نشرت تلك الاتهامات، وحين تمكنت من فض الاعتصام لم تجد سوى ثماني قطع سلاح خفيف فقط، ولم يجد أي سلاح ثقيل كما أشاعوا من قبل (يمكن مراجعة البيان الرسمي الذي أعلنه وزير الداخلية آنذاك محمد إبراهيم يوم 14 آب/ أغسطس 2013)، وهذا العدد الضئيل من السلاح الخفيف لا يمكن أن يصبغ اعتصاما شارك فيه قرابة المليون مصري بـ”المسلح”.

تجريم الجماعة للعنف

لا يمكن أيضا إنكار وقوع ردود فعل مسلحة لبعض الوقت عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة، واللذين شهدا أكبر مذبحة للمصريين في التاريخ، لكن هذه الردود الانفعالية سرعان ما توقفت بفضل تدخل الجماعة، وتجريمها لقتل الأبرياء، سواء مدنيين أو عسكريين، وهو ما حفظ للجماعة نهجها السلمي، وجنب مصر حربا أهلية كانت لتأكل اليابس والأخضر.

وأكدت الجماعة على الدوم تبرأها من كل العمليات المسلحة التي وقعت في مصر على مدى الأعوام الخمسة الماضية سواء تلك التي حدثت في سيناء على يد تنظيم داعش، أو تلك التي حدثت في القاهرة وبعض الأماكن الأخرى على يد مجموعات مسلحة أخرى.

يتجاهل مناوئو الإخوان من النخب القومية والليبرالية التجارب الناجحة للإسلاميين في تركيا وتونس والمغرب على سبيل المثال، وفي أحسن الأحوال يصفونها بالاستثناء غير الأصيل، الذي يحتاج إلى وقت طويل لإثبات جدارته بـ” صكوك الديمقراطية” بل إن الأمين العام لجامعة الدول العربية يعلنها صريحة أن القوى الإسلامية المعتدلة هي التي تمثل الخطر الأكبر وليس الجماعات المسلحة.

ويؤكد خلال مقابلة مع صحيفة الأهرام المصرية “الحكومية”، أن “تعميم تجربة ما يسمى بالإسلام السياسي المعتدل في المنطقة، بحجة نجاحها في دولة مثل تركيا، لو سُمح بتحققه لأدى إلى سقوط عدة دول عربية، ودخول مجتمعاتها في ثقب أسود لن تخرج منه أبدا، وربما انهيار المنظومة العربية بالكامل”.

فمن يا ترى الذي يحتاج لإثبات إيمانه بالديمقراطية والتعددية؟؟!!

——-
نقلاً عن “عربي 21”

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها