اللعب بالنار فوق نفط الخليج

- ‎فيمقالات

من المعلوم، من الخليج بالضرورة، أن المياه الدولية والإقليمية وحركة السفن وناقلات النفط تخضع، في الظروف الاعتيادية، لرقابة على مدار أربع وعشرين يوميًا من الأقمار الاصطناعية الأميركية. وفي أوقات التوتر واستمطار سحب الحرب، تتضاعف هذه الرقابة إلى الحد الذي تعرف فيه واشنطن اسم وشكل أي طائر يحلق فوق سفينة، أو تمساح يسبح تحتها.

من هنا، يصبح محسومًا أن إدارة دونالد ترامب تعرف بالتحديد من الذي استهدف ناقلتي النفط في بحر عُمان، كما تعلم، يقينًا، خفايا استهداف الميناء الإماراتي وناقلتي النفط السعوديتين الشهر الماضي.

تعلم واشنطن، كذلك، من يريدها حربًا مجنونة في المنطقة، ويسعى، بكل السبل والوسائل، إلى تفجير بركان في الخليج، لا يُبقي ولا يذر، إن وقع، كما أنها، من دون شك، تفهم جيدًا متى وكيف تشعل الجحيم في المنطقة، كل عقد من الزمان.

يأتي حادث بحر عُمان، بعد ساعاتٍ من قصف مطار أبها، جنوب السعودية، بصواريخ كروز من مليشيات الحوثي اليمنية، في تطور نوعي خطير للعبة الدائرة بين السعودية والإمارات من جهة، وجماعة الحوثي من الجهة المقابلة، والتي يدفع ثمنها المواطن اليمني، منذ أكثر من خمس سنوات، في مواجهةٍ مفتوحة، يتبين كل يوم أن أيًا من أطرافها لا يريد لها نهاية أو خاتمة، وكأنهم متفقون على إطالة أمد الخراب إلى أقصى مدى.

باتت المسألة في اليمن أقرب إلى المأساة الدائرة في سيناء، والتي تجاوزت الخمس سنوات أيضًا، فلا عبد الفتاح السيسي يريد الحسم والقضاء على الإرهاب الذي يزعم أنه يحاربه، ولا الإرهاب يتوقف عن ضرباته الإجرامية التي فاقمت عذابات أهل سيناء، وضاعفت مستويات القمع في كل مصر.

ونحن ندخل العام السادس في هذا الجحيم المصنوع، بات الأمر يبدو وكأن السيسي والإرهاب سعيدان ببعضهما بعضا، أو بالأحرى راضيان بعوائد الاستثمار في حربهما الكريهة ضد المواطن المصري، أمنه وحريته وخرائطه الجغرافية والإنسانية.

في المأساة اليمنية، خدعنا، معظمنا، في العناوين البرّاقة لما سميت “عاصفة الحزم” التي أطلقتها الرياض، ودعت العالمين العربي والإسلامي إلى التحالف معها، تحت زعم التصدّي لانقلاب الحوثي على الشرعية اليمنية، المستمدّة من حصاد ثورة الشعب اليمني، وبعد مرور ست سنوات تبين أن السعودية، بتحالفها الذي تصاغر حتى صار يضمها والإمارات فقط، لا تحارب الحوثي، وإنما تحارب بالأساس أية فرصة للثورة اليمنية في استعادة عافيتها، تمامًا كما تحاربان الثورات ومشاريع التغيير في كل بقعةٍ من أرض العرب، كما في مصر وليبيا والسودان وسورية.

والحاصل أن التحالف السعودي والإماراتي يبدو سعيدًا، وراضيًا، بالعربدة الحوثية، كما أن السيسي راضٍ بديمومة الإرهاب الداعشي في سيناء، وكأن الجميع يتنافسون على لقب صانع السعادة للصهيوني المحتل الذي يستمتع بالفرجة على العرب وهم يتعاركون على نيل الرضا الإسرائيلي، فيبدعون في تحقيق مصالح تل أبيب، بوصفها مصدر السلطات ومنبع استقرار العروش في عواصم العرب.

انطلاقًا من هذه المسألة، يتصوّر أطراف التكتل العربي المعادي لثورات التغيير أن الرضا الصهيوني يتناسب طرديًا مع حجم العداء مع طهران، وبذل الجهود من أجل فرض حربٍ شاملةٍ في المنطقة، وهي حربٌ، إن وقعت، ستحرق، أول ما تحرق، أصابع هؤلاء الصغار الذين يجلسون في مواقع القيادة، ويظنون أن في وسعهم اللعب بالنار من دون أن يحترقوا.

إن مواطنًا عربيًا سليم الوجدان والعقل لا يمكن بحال من الأحوال أن يطرب، وهو يرى أبها تقصف، وصنعاء تحترق، وسيناء تدمر، وطرابلس وحلب وإدلب تهدّم. ولكن، للأسف، هناك من حكام العرب من لا يتوهم أن وجوده مرهون ببقاء هذا الجحيم مشتعلًا.

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها