تشريد 90 ألف مواطن مجاملة لـ”الإمارت”.. حكومة الانقلاب تستولي على جزيرة الوراق

- ‎فيتقارير

فجر قرار رئيس الوزراء بحكومة الانقلاب مصطفى مدبولي، في نهاية الشهر الماضي، بنزع ملكية الأراضي الكائنة في نطاق مساحة 100 متر على جانبي محور روض الفرج، والأراضي الكائنة في نطاق مسافة 30 مترًا في محيط جزيرة الوراق اللازمة لتنفيذ منطقة الكورنيش، واعتبار هذا المشروع من أعمال المنفعة العامة، وذلك في إطار استغلال الجزيرة سياحيًا، وطرد سكانها منها، غضبا شعبيا عارما.
ونص القرار الذي صدر بالجريدة الرسمية أن “يُستولى بطريق التنفيذ المباشر على الأراضي اللازمة لتنفيذ المشروع ، دون انتظار حصر الملاك الظاهرين لها”.
وقالت مصادر من روابط للدفاع عن أراضي جزيرة الوراق، والتي يقطنها اكثر من 90 ألف مواطن: إن خطوة نزع ملكية أراضي الكورنيش والمحيطة بمحور روض الفرج منهم، تهدف إلى إحكام السيطرة على الجزيرة، وإخماد معارضة الأهالي للتخلي عن أراضيهم بالأسعار التي كانت قد حددتها الهيئة الهندسية للجيش وإجبارهم على ترك منازلهم.
وأضافت المصادر أن لجانًا تابعة للجيش ووزارة الإسكان، كانت قد أجرت محاولات خلال الشهرين الماضيين لحصر ملاك تلك الأراضي، لكن السكان رفضوا التعامل مع تلك اللجان ولم يمنحوها أي أوراق أو مستندات؛ ما أدى إلى تعطيل إخلاء الأراضي. وللتغلب على هذا الأمر لجأت حكومة الانقلاب إلى إصدار قرار الاستيلاء على أن يتم تأجيل منح الأهالي التعويضات.
وكشفت المصادر أن الهيئة الهندسية للجيش مارست العديد من الضغوط بين الترغيب والترهيب على الأشخاص المؤثرين من مقيمي الدعاوى المنظورة أمام القضاء الإداري ضد قرار سحب الأرض، للتنازل عن الدعاوى، مقابل زيادة ثمن التعويض المقترح، لكن المدعين لم يرضخوا حتى الآن لتلك الضغوط.
صراع قديم
محاولات انتزاع ملكية أراضي جزيرتي الوراق وروض الفرج ليست جديدة فقد حاولت حكومة أحمد نظيف من قبل، تنفيذ هذا المخطط لصالح مستثمرين إماراتين بمباركة مبارك وابنه جمال، وتعتبر جزيرة الوراق من أكبر الجزر المصرية التي تقع في قلب نهر النيل، وهى على الورق تعتبر محمية طبيعية. تبلغ مساحة الجزيرة حوالي 1600 فدان.
تعود أزمة الجزيرة إلى صدور قرار عام 1998 باعتبارها محمية طبيعية، والعمل على إخلاء سكانها، وسط حديث عن بيعها لرجال أعمال.
وبسبب موقعها وجمالها الطبيعي، نازعت الحكومات المتعاقبة سكان الجزيرة ملكيتها، رغم أن الأهالي في عام 2002 رفعوا قضية في مجلس الدولة، يفيد بملكيتهم للأراضي وحصلوا على حكم محكمة بأحقيتهم في الأرض.
في عام2010 تجددت النزاعات بين حكومة أحمد نظيف والأهالي لرغبة الحكومة فى تطويرها عن طريق أحد المستثمرين، وأصدر أحمد نظيف وقتها قرارا بترسيم وتوقيع الحدود الإدارية النهائية لخمس محافظات، وجاءت من ضمن الخمس محافظات جزيرة الوراق ورفض الأهالى الخروج.
في عام 2011 بعد ثورة يناير ترددت معلومات عن محاولات رجال أعمال لإخلاء الجزيرة من الأهالي؛ لإقامة منتجع سياحي استثماري، لكن بسبب عدم استقرار الدولة والأحداث الكثيرة تم إلغاء المشروع بشكل مؤقت.
فى عام 2016قررت الدولة إنشاء محور روض الفرج، وتعرضت منازل المواطنين للهدم أثناء تنفيذ المشروع، وطالب أهالي جزيرة الوراق بالتعويض العادل لأصحاب المنازل التي هدمت عبر المحور داخل الجزيرة. ورفضت الدولة وردت بأن جزيرة الوراق ليست ملك الأهالي وأنهم حصلوا عليها بوضع اليد.
أثبت الأهالي أنهم يمتلكون مستندات ملكية تؤكد ملكيتهم للجزيرة، وأن الدولة لا تمتلك سوى 60 فدانًا فقط (30 فدانا ملك وزارة الأوقاف قامت بتأجيرها للفلاحين، و30 أخرى أملاك دولة، استأجرها الأهالي بحق الانتفاع).
في 17يوليو 2017 وقعت اشتباكات دامية بين شرطة وجيش السيسي من ناحية والأهالي من ناحية أخرى، واستشهد مواطن خلال محاولات إفراغ الجزيرة من السكان، وبالتالي تم انسحاب وقتي لقوات أمن الانقلاب بعد إصابة 28 منهم.
نزاع قضائي
ومن المقرر أن تواصل محكمة القضاء الإداري في 22 ديسمبر2018 نظر دعاوى أقامها الأهالي لوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس وزراء الانقلاب رقم 20 لسنة 2018 بإنشاء مجتمع عمراني جديد على أراضي الجزيرة.
وبالتوازي مع هذه التطورات، قادت أجهزة أمن السيسي حملة مبكرة الخميس 29 -12 -2017 لإزالة 10 أبراج مطلة على كورنيش النيل في الوراق أيضاً، رغم صدور أكثر من 30 قرار إزالة لها دون تنفيذ، ما يعطي مؤشرات واضحة إلى اقتراب عملية تجريف الأراضي تمهيداً لإعدادها لتنفيذ المشروع الاستثماري الجديد.
وفي تصريحات سابقة، قال مصدر حكومي إن كل الجهات الحكومية التي تملك أو تستأجر أو تسجل قطعًا من الأراضي لصالحها في جزيرة الوراق، ستسلمها لهيئة المجتمعات، تمهيدًا لاستلام الأراضي المملوكة من الأهالي وكذلك لرجال الأعمال كمحمد أبو العينين، بنظام نزع الملكية للمنفعة العامة والتعويضات المالية أو العقارية في وحدات سكنية أخرى في مناطق قريبة، مشيراً إلى أن التسمية المبدئية للمشروع هي “حورس”.
وكشف أن “نسبة 15 % من الأهالي وافقت على الانتقال إلى مساكن مدينة الأسمرات في المقطم، بينما لا يزال البعض رافضًا بسبب بُعد المنطقة الشديد عن أماكن نشاطهم وأعمالهم، فيما قَبِل كبار ملاك الأراضي بالتعويض المادي”.
وأضاف المصدر أن فكرة إنشاء “مانهاتن مصرية” في عرض النيل وتحديدًا في الوراق تسيطر على الدائرة المحيطة بقائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، لكن التسويق لن يتم بالطريقة التي كانت مزمعة في عهد المخلوع حسني مبارك، من خلال إسناد جزيرة بالكامل إلى مستثمر واحد، بل هناك اتجاه عملي لتشارك رءوس مال محلية وعربية في كل مشروع، أو تقسيم الجزيرة لعدد من المشاريع، كما هو الحال في العاصمة الإدارية الجديدة.
وعلى الجانب الآخر يستعد المواطنون في جزيرة الوراق لإقامة تظاهرات يُتوقع أن تكون حاشدة، ولمدة أيام، اعتراضًا على الخطوة الجديدة التي اتخذتها حكومة السيسي.
أرقام مفزعة
من جانبها اعتبرت رابطة الدفاع عن أراضي الوراق، في بيانٍ نشرته على حسابها بموقع “فيسبوك” أن “القرار يعني اغتصاب الدولة لأكثر من 1000 منزل، وتشريد أكثر من 5000 أسرة، كما سيترتب عليه تهجير أكثر من 20 ألف مواطن من الجزيرة، وتبوير أكثر من 1200 فدان زراعي نتيجة قطع إمدادات المياه عنها بحجة بناء الكورنيش المزعوم”.
كان الآلاف من أبناء الجزيرة قد نظموا مؤتمرا حاشدا في 16 نوفمبر الماضي ، أكدوا خلاله “أنهم لم ولن يفرطوا في أي شبر من أراضي جزيرة الوراق، وأنهم متمسكون بالطعن المقام من هيئة الدفاع عن الجزيرة، وسيقفون خلف ذويهم الذين تم تلفيق القضايا لهم”، مشددين على رفضهم لما أسموه بالحصار المفروض عليهم منذ 16 يوليو من العام الماضي.
رسائل ملتبسة
«التطوير»؛ عنوان مبهم يلخص ما أفصحت عنه حكومة الانقلاب بشأن خطتها في جزيرة الوراق. وكانت جريدة الشروق قد نشرت ما وصفته بأنه مشروع منسوب لهيئة التنمية العمرانية يكشف تفاصيل تحويل الجزيرة إلى «منتزه سياحي ثقافي ترفيهي تجاري على ضفاف النيل» تحت اسم «جزيرة حورس».
يقترح المشروع الذي يحمل توقيع هيئة التنمية العمرانية بتاريخ 2010، تجميع الكتلة السكانية في قرية سكنية تقام على مساحة 200 فدان واستغلال المساحة المتبقية في بناء مدينة سياحية تتضمن حدائق وفنادق وقاعات أعمال تتوسطها بحيرات. واكتفت الدولة بتكذيب الخبر والتأكيد أنها لا تزال في مرحلة الدراسة وأن مخططها لن يتضمن طرد الأهالي.

8 مطالب قدم أهالي جزيرة الوراق 8 مطالب لبرلمان العسكر، كان على رأسها عدم نزول هيئة المساحة التابعة للقوات المسلحة إلى الجزيرة، لحث الأهالي على بيع منازلهم في محيط محور روض الفرج، مقابل حصولهم على تعويض، وذلك ضمن مخطط توفير حرم 100 متر على جانبي المحور، شريطة أن يتم إعلام الأهالي بمخطط التطوير، قبل اتخاذ أي خطوة في الجزيرة، إضافة إلى ضرورة التدخل للإفراج عن شباب الجزيرة المحبوسين على خلفية أحداث الاشتباكات التي وقعت بين الأهالي وقوات الأمن خلال عملية تنفيذ قرار إزالة لمباني مخالفة على أراضي أملاك دولة.

وضمت قائمة المطالب، محاكمة المسؤول عن مقتل أحد شباب الجزيرة خلال الاشتباكات بين الأهالي وقوات الأمن، فضلا عن ضرورة أن يكون خط تهذيب النيل هو 30 مترا من المياه وحتى اليابسة، كما سبق وحدث مع جميع المناطق والمباني الموجودة على النيل، ووقف المحاضر التي تطلقها وزارة ري الانقلاب منذ بداية الأحداث التي شهدتها الجزيرة، والتي وصل عددها إلى 1500 محضر للأهالي، وصدر في بعضها أحكام بالحبس لمدة عام، وغرامة من 10 إلى 20 ألف جنيه.
كما تضمنت مذكرة المطالب ، ضرورة وجود حل لـ700 قرار إزالة للمباني المخالفة بالجزيرة، وجاء مطلبهم الأخير في رفضهم التام لمقترح فكرة توفير 100 متر حرمًا لمحور روض الفرج من الجانبين، لأنه سيتسبب في إزالة كتلة سكنية كبيرة، تزيد عن 100 أسرة.
الإمارات كلمة السر
لا يجهل أحد أن ما تقوم به حكومة الانقلاب من محاولات حسيسة للاستيلاء على أراضي جزيرة الوراق ، هو لصالح الاستثمارات الإماراتية ، حيث استولت الإمارات على نصيب الأسد من الاستثمارات المصرية بعد أن فتح لها السيسي الباب على مصراعيه.

ووفق بيان للبنك المركزي المصري في يونيو الماضي، تحتل الإمارات المرتبة الأولى من حيث أهم الشركاء التجاريين مع مصر بحجم تبادل تجاري بلغ في النصف الأول من العام المالي الحالي نحو ثلاثة مليارات دولار، منها 1.17 مليار دولار صادرات.

في يوليو 2017، كشف السفير الإماراتي بالقاهرة جمعة الجنيبي في تصريحات صحفية، أن حجم استثمارات بلاده في السوق المصرية بلغ أكثر من 6.2 مليارات دولار، تُدار من خلال 877 شركة مشتركة.

وفى هذا الاطار شهدت مناطق إستراتيجية عدة عمليات تهجير وإزالة عقارات من بينها “مثلث ماسبيرو” بدعوى تطويره من قبل شركة “إعمار” الإماراتية.

وافقت حكومة الانقلاب مؤخرا على قرار جمهوري بنقل تبعية جزيرة الوراق إلى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، تمهيدا للبدء في تنفيذ مخطط تطوير من خلال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة ووزارة الإسكان.

وتشير تقارير صحفية إلى أن مكتب “آر أس بي” للهندسة العقارية الإماراتي هو المخطط الاستثماري للمشروع الذي يستهدف تحويل الجزيرة إلى منطقة خدمات

فيديوهات :