حادث السفارة الأمريكية بالقاهرة لعبة أمنية لإقناع الغرب بالتمديد لـ”السيسي”

- ‎فيتقارير

إدارة الأزمات علم استراتيجي يعرفه خبراء السياسة، أما الإدارة بالأزمات فعلم إجرامي تجيده الأجهزة الأمنية في دول الاستبداد والقمع، وهو عبارة عن وسائل للإلهاء والتمويه وتحقيق مكاسب ضيقة للنظم المستبدة على حساب المجتمع ويشوبه في كثير من الأحيان جرائم جنائية.

في هذا الإطار جاءت واقعة القبض على شاب قرب السفارة الأمريكية بالقاهرة بعد اشتعال حقيبته المحملة بمواد كيميائية الثلاثاء 4 سبتمبر 2018، وبيان الشرطة المتسرع الذي زعم أنه “كان يعتزم استخدامها في عمل عدائي”، و”أن الفحص المبدئي يشير إلى أن المذكور يعتنق بعض الأفكار المتطرفة”.

الفيديوهات الخاصة بالحادثة اظهرت أن من ألقى القبض على الشاب هم “المواطنون ” لا الشرطة التي حضرت لاحقا لأخذه، رغم أن الحادثة قرب جدار السفارة الأمريكية حيث التكثيف الأمني المفترض.

وجاء تأخر الإعلام في نشر الواقعة لما بعد انتشار الخبر في كافة الوكالات والصحف ومواقع التواصل، ثم قصر النشر علي بيان الداخلية فقط دون أي تفاصيل، مع تعليقات خبراء قانون يقولون إن مصير الفاعل الإعدام أو السجن المؤبد، لتؤكد على حقيقتين:

(الأولى): سيطرة الحكومة التامة على كافة وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، ومنعها من نشر أي شيء إلا البيانات الرسمية.

(الثانية): أن سلسلة القوانين التي اصدرها السيسي لتكميم الصحافة والإعلام ومواقع التواصل، افلحت في تكميم الإعلام ولكنها فشلت في وقف السوشيال ميديا كسلاح ينشر الحقائق بما يخالف “الصورة الواحدة” التجميلية التي يسعي الانقلاب لترويجها لنفسه.

التوقيت والدلالة

ونشرت مؤخرا ورقة بحثية بعنوان “تفجير السفارة الأمريكية .. دعم للسيسي في قضيتي “الإرهاب” و”تمديد الرئاسة”.. حاولت تحليل الحادثة ودلالاتها وتأثيراتها اللاحقة.

ويشير توقيت الحادثة لكثير من الدلالات، حيث جاءت عقب عودة عباس كامل وسامح شكري من أمريكا والحديث عن مناقشة تمديد رئاسة السيسي وتعديل الدستور، وتصاعد الغضب من جانب نواب الكونجرس والصحف الأمريكية على تواطؤ ترامب في التغطية على جرائم انتهاك حقوق الإنسان في مصر.

كما ان التفجير يحمل اصابع امنية بغرض تخويف امريكا من “الارهاب” الذي قد يطالها، ودعوتها لمزيد من دعم نظام السيسي ضد الإخوان.

اللافت أن السفارة الأمريكية بالقاهرة تعاملت بهدوء مع الحادث واستمرت في عملها واكتفت بنصح الرعايا الأمريكان بعدم الحضور للمكان بسبب الزحام وتحقيقات الشرطة.

وقالت في بيانها: “نحن على علم بواقعة (لم تقل تفجير) حدثت في شارع سيمون بوليفار في القاهرة، يرجى تجنب المنطقة ومراقبة وسائل الإعلام المحلية للحصول على المستجدات، نحن على علم بالتقارير التي تفيد أن المواصلات العامة بالقرب من المنطقة قد تعطلت بسبب الحادث، يرجى توخي الحذر”، ودعت مواطنيها لعدم القدوم للسفارة.

لم يسفر الحادث عن وقوع إصابات وقالت السفارة الأمريكية على تويتر إنها “ستستأنف أعمالها العادية” بعد أن انتهت الشرطة من تحقيقاتها في موقع الحادث.

وقال حساب علي تويتر إنه “تبين أن الشاب بتاع السفارة الامريكية كان محجوزا عند الداخلية منذ فترة واتعمل معاه صفقة لخروجه وللأسف إنه صدقهم وهيلبسوه دلوقتى قضية ارهاب ويمكن إعدام ويمكن كمان يلبسوا القضية للإخوان، وايضا للضغط علي الخارجية الامريكية التي تعارض تغيير الدستور”.

وأشار ناشط على فيس بوك إلى أن “الانفجار عبارة عن جهاز اسمه فيب بديل لسجاير وتسمي شيشه إلكترونيه انفجرت في الشنطة بسبب حرارة الجو”.

يذكر أن صاحب المصلحة والمستفيد من الواقعة هو السيسي ونظامه؛ لأن الحديث عن “تفجير السفارة الامريكية” – رغم انه لم يحدث -يعضد دعاوى السيسي أنه يحارب الإرهاب ويجهض دعوات نواب في الكونجرس لعقاب نظامه بسبب انتهاكات حقوق الإنسان.

ويبدو أن عجز السيسي عن مواجهه الغضب الشعبي نتيجة الفشل الاقتصادي وتدني مستوى المعيشة وانتشار الانتحار والقتل والتحرش والسرقات دفعه مع أجهزته الأمنية للسير على خطى الأنظمة العسكرية الأخرى وآخرها نظام مبارك، في اصطناع انفجار قرب السفارة الأمريكية في القاهرة، واشعال فتيل الفتنه الطائفية بالصعيد، لإظهار أنه يواجه الارهاب ويحتاج دعم خارجي وأن الغرب عليه أن يكف عن انتقاد ملف القمع في مصر ويدرك أن السيسي يواجه “الارهاب” وعليهم الصمت على انتهاكات حقوق الإنسان.

فمن يريد جذب الانتباه لمصر الان هو السيسي لأسباب تتعلق بدعاوي تعرض مصر للإرهاب التي يبني عليها سياساته القمعية ويبررها، ومن ثم توقع عمليات أسبوعية ارهابية مصدرها النظام المصري لاختراع اٍرهاب محتمل يتغذى على وجوده السيسي.

ويفسر هذا انتشار حملة اعتقالات خاصة بين الشباب السيناوي في أماكن تجمعهم بالقاهرة، وعمليات تنكيل وحصار بالعريش، عقب حادث التفجير في محيط السفارة الأمريكية.

“التفجير” و “تمديد الرئاسة”

تشير توجهات النظام وإعلامه، وكذا تحركات برلمان الانقلاب، وسفرياته الخارجية الى أن معركة السيسي القادمة هي تعديل فترات الرئاسة في الدستور للبقاء لما بعد 2022، او البقاء في الحكم مدي الحياة، كما خطط من قبله (ناصر والسادات ومبارك).

وبدأ الإعلامي ياسر رزق ورئيس الإعلام والثقافة بالبرلمان أسامة هيكل في الترويج لهذا بالفعل، وسبقهم نواب برلمان الانقلاب منذ يناير الماضي بحديثهم عن تزكية أي تعديل للدستور يتضمن تمديد رئاسة السيسي، وقول “وكيل الدفاع والأمن القومي» أن البرلمان سيوافق على تمديد فترة الرئيس لأن مصر لا تحتمل أعباء إجراء الانتخابات الرئاسية كل 4 سنوات!!.

القصة ليست مجرد طمع في كرسي الحكم و”حلم” السيسي بذلك، ولكن الامر له ابعاد أخرى سياسية، فالسيسي لن يقبل أن يكون خارج السلطة يوما لأن هذا يعني احتمالات محاسبته ومحاكمته، كما أن المنتفعين من وجوده يعلمون أن خروجه يعني نهايتهم ومحاكمتهم على تدليسهم وخداعهم للشعب، وفقدان مناصبهم.

وفي فبراير 2016 حينما دشن السيسي «رؤية مصر 2023» قال للحضور «أنتم فاكرين إني هسيبها يعني؟ لا والله ما هسيبها… لحد ما تنتهي حياتي أو مدتي» وهو ما اعتبر مؤشراً لنيته على الاستمرار في منصبه بعد انتهاء مدته الثانية والأخيرة بحسب الدستور المصري.

وكشف الكاتب الامريكي الشهير “بوب وودوارد” في كتابه الذي صدر يوم 11 سبتمبر، ان السيسي قلق من انهيار حكم داعمه الأكبر الرئيس الأمريكي ترامب وفشل التمديد له، وأكد أن السيسي سأل ترامب هاتفيا عن التحقيقات التي تجري في البيت الأبيض وأبلغه أنه “قلق” بشأنها، وانها تؤثر على بقاء ترامب في البيت الأبيض!

وعقب ترامب على ذلك قائلا لمحاميه: أن سؤال السيسي كان “ركلة في الخصية” كناية عن السخرية من قلق السيسي إذا ذهب ترامب، بحسب الكتاب.

عباس وشكري وأمريكا

قبل أقل من شهرين، توجه اللواء عباس كامل، رئيس المخابرات العامة المصرية، إلى واشنطن، للقاء مسؤولين أميركيين، في زيارة سرية، لها هدف واحد: إقناع واشنطن ببقاء السيسي لما بعد مدته الرئاسية، وبعده بأسبوع ذهب وزير الخارجية في زيارة معلنة، لجسّ نبض الجانب الأميركي حول تلك النقطة.

ويقول موقع “عربي بوست” إن “كامل” التقى في زيارته بمسؤولين في الكونجرس والخارجية والبنتاجون، ولم يلتق بأي مسؤولين داخل البيت الأبيض، وحاول كامل أن يشرح للجانب الأمريكي أن بقاء السيسي يضمن الحفاظ على الاستقرار الذي تحقق في مصر منذ الانقلاب علي الرئيس محمد مرسي في 2013.

وكان ما قاله السيسي في ذلك اليوم اعتبره البعض مؤشراً لنواياه لعدم ترك منصبه في 2022 بعد انتهاء مدته الثانية (والأخيرة) بحسب الدستور المصري، وأنه ينوي تعديله بما يسمح ببقائه أكثر من 8 سنوات، وبعد جملته تلك مباشرة، بدأت أصوات تتصاعد من هنا وهناك من أشخاص محسوبين على النظام يتحدثون عن أن 8 سنوات للرئيس لا تكفي، وأن الدستور يجب تعديل فقرة المدة الرئاسية فيه.

وشجع فوز ترامب، السيسي على التفكير في تغيير الدستور والبقاء في الحكم، وهو ما لم يكن ممكن الحدوث حال فوز هيلاري كلينتون، لكن حتى الآن لم يتم الاستقرار على الصيغة النهائية لاستمرار السيسي.

وهناك جناحين داخل السلطة يتبنيان رؤى مغايرة حول المسار الأنسب لتمديد فترة حكم السيسي:

(الأول): يمثله اللواء عباس كامل ومعه وكلاء المخابرات العامة، الذين يرون أن أفضل الطرق هي عدم تعديل فترات الرئاسة بأن تظل مدتين كما هي، مع زيادة المدة لكل فترة رئاسية لتصبح 6 سنوات وليس 4، على أن يطبق ذلك بأثر رجعي على الفترة الأولى، وبذلك يحكم السيسي 12 عاماً مضى منها 4 يتبقى له 8 سنوات.

(الثانى): يمثله الأمن الوطني ويضم معه فيه سامح شكري وزير خارجية الانقلاب، ومعهم على عبد العال رئيس برلمان السيسي، ويرون أن فكرة تطبيق التعديل بأثر رجعي يعتليها العوار وأن الأنسب البقاء على مدة الفترة الرئاسية 4 سنوات كما هي، مع تعديل الفترات ليصبح من حق الرئيس 3 مدد وليس 2 فقط.

وحتى الآن لم يتم حسم أي من الخيارين بيد ان المؤكد أن الدستور سيتم تعديله للإبقاء علي السيسي في كرسي الحكم اطول فترة ممكنة، كما فعل السادات ولكنه قتل وفاز بالتمديد حسني مبارك.

ويؤكد هذا تصاعد حملات الاعتقالات وغلق المجال العام صحفا وفضائيات لمنع الكلام تماما إلا من جانب سلطة السيسي بما لا يسمح بالجدال حول شرعية ذلك أو قانونيته، والاكتفاء بتبرير التمديد بانه لمواجهة الارهاب وتنفيذ خطط التنمية، وحماية مصالح الغرب وسفاراته.

وهكذا يدير النظام الأمور والمخططات السياسية بالأزمات، لتخليق فرص له، بل وتمريرها شعبيا ، بالتخويف من الإرهاب والعنف، وبدعاوى الاستقرار ، وهي اسلحة قد يقبلها الداحل ، بفعل التشويش الإعلامي، أما مرورها بالخارج فلن يكون الا بصفقات ومصالح خارجية وخاصة للغرب، بالطبع ستكون على حساب مصر كدولة وشعب.