“فشخرة” المسئولين وطوابير الفقراء

- ‎فيمقالات

رأيت مشهدًا رآه الملايين على مواقع التواصل الاجتماعى يلخص حال الدولة المصرية الآن. المشهد بطلته محافظ البحيرة، وقد جمعت الرؤساء الجدد للقطاعات فى محافظتها ليؤدوا أمامها القسم، على غرار ما يفعل رؤساء الدول مع السفراء والوزراء. فهمت مما فعلت هذه السيدة أننا نعيش “مسرحية هازلة”، و”فشخرة كاذبة” لا تليق بدولة على شفا الانهيار الاقتصادى والفوضى المجتمعية.

ورأيت أيضًا موكبًا لوزير أقيل مؤخرًا جاءوا به ليدلى بصوته فى إحدى لجان محافظة القليوبية فيما يسمى الانتخابات الرئاسية، وقد قارب عدد سيارات الحراسة نحو الثلاثين، أغلقت لها الشوارع، وتعطلت إشارات المرور، وأوقف الناس حتى انتهى (الهمام) من مهمته، ومنهم المريض والذاهب إلى عمله، والمرتبط بميعاد إلخ.

وأذكر أيضًا موكب قائد الانقلاب يوم ذهب لتأدية اليمين أمام برلمانه؛ وقد مررت قبلها بأيام بشارع قصر العينى فرأيت استعدادات كأن نابليون قام من قبره، وشاهد الجميع شوارع المنطقة يوم مروره المشهود كأنها ليست الشوارع التى عرفوها، أما كم الآلات والحراسات والياقات والجنود فحدِّث ولا حرج، أما مقدار العطلة و(وقف حال الناس) فحدِّث أيضًا ولا حرج، ولم نسمع وقتها صوتًا ولو بالتلميح ينادى ولو بتخفيف الإجراءات أو تقليل الحراسات؛ فى حين قام (النشطا) عام 2012 بعدِّ سيارات الحراسة فى موكب من مواكب الرئيس مرسى مؤكدين يومها أنها زادت واحدة عن الموكب الذى سبقه..

لن نتحدث عن حالة كرواتيا ورئيستها التى صعدت ببلادها اقتصاديًا وكرويًا، وقد فرضت حالة من التقشف العام بدأتها بنفسها. ولن نتحدث عن حالات أخرى حول العالم أنتجت اقتصادات واعدة، بفضل سلوك رؤسائها وحرصهم على النهوض ببلادهم. إنما نتحدث عن فساد وسفه لم نرهما أو نسمع بهما من قبل. فمن الأولى بالصرف الآن: الفقراء الذين تتضاعف أعدادهم كل دقيقة وقد أصبحوا دون خط الفقر حتى أنهم لا يجدون ما يسد جوعهم، أم الوزراء الذين رفعوا راتبهم ومعاشهم أضعافًا، وسُن لهم قانون خاص يجعلهم طبقة استثنائية مثل طبقات أثينا القديمة؟

لو نظرت فى أى جهة الآن فى أرض المحروسة لوجدت معاناة شديدة أجهدت المواطنين، هى من صنع العسكر، الذين أفقروا الناس بما فرضوه عليهم من إتاوات واستقطاعات وضرائب حتى عجز غالبية المصريين عن دفع فواتيرهم، وحتى ارتبكوا فى إدارة بيوتهم والصرف عليها. ولو كان حال الدولة ومسئوليها هكذا لهان الأمر، لكن الواضح أنه إصرار على إفقار الشعب وقهره من جهة، وتهيئة أجواء النعيم والترف لهؤلاء المسئولين من جهة أخرى.

أعلم أن ما أكتبه لا يسمعه هؤلاء؛ فإنما غلبتهم أهواؤهم فلا يعنيهم وطنًا ولا مواطنين، لكنه إبراء للذمة ومعذرة إلى الله، وبيان للقارئ الكريم، وتأكيد أن هؤلاء ما جاءوا لإصلاح؛ فإن باغى الإصلاح عادل ليس ظالمًا، أمين ليس خائنًا، صالح ليس فاسدًا. إنما هؤلاء جاءوا لنهب ما استطاعوا، وإفساد ما استطاعوا. نعم لا بد أن يجعلوها فاسدة عطنة لأنهم لا يمكنهم تنفيذ مهمتهم إلا فى ظل هذه الأجواء المسممة.

لننتظر إذًا مزيدًا من الفقر والعوز على أيدى هذه الطغمة الفاسدة. لننتظر مزيدًا من الجباية والإتاوات، ومزيدًا من القروض الباهظة التى سترهن البلد لمقترضيها -ما بقيت هذه العصابة تحكمنا، والأعراض ظاهرة فى الأفق، لا ينكرها إلا أعمى أو عليل. فماذا كان حجم الديون منذ خمس سنوات وماذا أصبح الآن؟ وماذا كانت القوة الشرائية للجنيه وكيف أصبحت؟ وماذا كان حجم التضخم والبطالة ومعدلات البيع والشراء وكيف أصبحت؟ وأين -فى المقابل- المساعدات التى دخلت البلاد؟ وما مقدار ما تم تحصيله من زيادات فى أسعار الوقود والغاز والماء والكهرباء والضرائب والرسوم؟

أين ذهبت كل هذه الأموال؟

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها