كارنيجي: منطقة السيسي الخضراء المحصنة (العاصمة الإدارية) لن تحميه من شعبه

- ‎فيتقارير

حين غزت القوات الأمريكية والبريطانية العراق عام 2003، أنشأت ما أسمتها “المنطقة الخضراء” في العاصمة بغداد بالعراق، كأكثر المواقع العسكرية تحصنا، كي تحتمي بها من غضب الشعب العراقي ومقاومته للاحتلال.

“ميشيل دن” خبيرة معهد كارنيجي للشرق الأوسط، وصفت العاصمة الادارية التي يبنيها السيسي في شرق القاهرة بأنها “منطقة السيسي الخضراء” التي يسعي للتحصن فيها مع جنرالات الانقلاب والشرطة والجهات السيادية من الشعب، وتساءلت: “هل تفلح عاصمة مصر الإدارية الجديدة منطقة السيسي الخضراء في حمايته من شعبه؟”.

وتقول “دن” في دراسة نشرها مركز ابحاث “كارنيجي” للسلام، أن السيسي بني العاصمة الادارية (منطقته الخضراء)، مؤكده أن “استلهامه الغزو الأمريكي للعراق في بناء هذه المنطقة، يجسد مدي تملك نفسية الغازي منه ومدي رعبه من المصريين، فلا يكتفي بقتلهم وتعذيبهم بل ويقيم مدينة يتحصن بأسوارها منهم”.

وأكدت “مشيل دن”، وهي ممنوعة من دخول مصر وسبق رفض دخولها مطار القاهرة، أن كون العاصمة الادارية غير مفتوحة تماما أمام المواطنين، سوف يخدم فقط إنجاز السيسي الأكبر وهو “إعادة بناء جدار للخوف يفصل المواطنين المصريين عن الدولة ومؤسساتها، حيث تم تحطيم هذا الجدار الذي بناه رؤساء مصر السابقين (ناصر والسادات ومبارك) خلال انتفاضة 2011، وهو ما أسعد الثوار من الشباب لكنه قرع أجراس الخطر عند كبار ضباط الجيش والمؤسسة الأمنية”.

المنطقة الخضراء والثورة

وقالت الباحثة الامريكية، في دراسة تنشرها مجلة “التاريخ المعاصر”، أو “كارنت هيستوري” الأمريكية في عدد ديسمبر 2018 إن العاصمة الإدارية الجديدة، التي تسمى مؤقتا باسم “وديان” تعد تجسيدا حقيقيا للمسار الذي يسلكه نظام عبد الفتاح السيسي خلال سنوات خمس مضت من عمر نظامه السلطوي حيث يتم استبعاد المواطنين المصريين، وحكم البلاد من وراء طوق أمني يحميه من مطالب المصريين وخوفه من ثورتهم عليه في يوم من الايام.

وأوضحت أن المدينة التي يقوم الجيش المصري ببنائها على بعد 28 ميلا من العاصمة القاهرة، هي “إعادة بناء جدار الخوف الذي يفصل بين المواطنين والدولة”، مشيره لأنها سوف تكون أنيقة وعصرية وذكية بحيث تضم الهيئات والوزارات والمصالح الحكومية جنبا الي جنب مع البنايات السكنية، وتضم كافة مؤسسات الجيش والشرطة والجهات السيادية وفلل كبار الجنرالات والمسئولين والقضاة والبرلمان والحكومة.

وأن بناء هذه العاصمة لم يكن رغبة في تفريغ القاهرة من زحامها كما يقال، وإنما الاختباء وراء اسوارها من المتظاهرين الذين نجحوا في ثورة 25 يناير من إحراق المقر الرئيس للحزب الوطني الحاكم، كما اجتاحوا مقرات جهاز أمن الدولة في مطلع مارس من ذات العام 2011، كما كانت مواقع القصر الرئاسي ومقر وزارة الداخلية والمحكمة العليا من بين مواقع التظاهر المفضلة لدى المصريين بعد خلع مبارك في فبراير من العام 2011، وهو ما يسعي السيسي لتجنبه.

60 ألف معتقل

واشارت الباحثة الامريكية الى أن السنوات التي مرت على تلك الأحداث، والمذابح في رابعة وغيرها، أثبتت أن القمع الذي يقوم به السيسي ونظامه تجاوز ما هو أبعد كثيرا من جماعة الإخوان المسلمين بعد قيامه بسجن أكثر من 60 ألف شخص من مختلف ألوان الطيف الأيديولوجي المصري، وخضع الكثير من المعتقلين لشتى أنواع التعذيب.

وتضيف أن هذه الاحداث دفعت العسكر والجيش ألا يتركوا شيئا للصدفة، وأنه رغم أن معظم المصريين الذين لعبوا أدوارا مهمة في الحياة العامة خلال الفترة من العام 2000 وحتى الانقلاب العسكري في العام 2013 صاروا إما في السجون أو في المنفى بالخارج فيما يرقى لكونه استنزافا شاملا للعقول المصرية، أو يعانون من الضائقة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، كما تمت السيطرة علي الاعلام، إلا أن العسكر بنوا هذه المنطقة الخضراء لحمايتهم من غضبة جديدة للشعب.

ولفتت الي قول العميد المتقاعد خالد الحسيني سليمان الناطق رسمي باسم الهيئة الهندسية للجيش، لقناة (إن بي سي نيوز) الأمريكية في أغسطس 2018 إن “الجيش سيقود ويسيطر على المدينة مركزيا”، بما يجعل لها اليد العليا على شركات الانشاء المصرية الخاصة.

وتوضح أن هذا يأتي أيضا ضمن توجيه الاقتصاد في مصر في صيغة “دولة تخدم جيشها” في مجال الاقتصاد بعدما وصل توغل بيزنس الجيش في الاقتصاد في ظل حكم السيسي ووصل مراتب غير مسبوقة من قبل.

غضب الشعب

وتقول دراسة “كارنيجي” أن نظام السيسي يعتزم تعديل الدستور للبقاء في الحكم بعد انتهاء مدته الرئاسية الثانية التي تنتهي في العام 2022، ومع أنه يعلم أنه سيمرر التعديل بسهولة في برلمان تم ترويضه واختياره بواسطة المؤسسة الأمنية في انتخابات العام 2015، وكذلك الموافقة في استفتاء شعبي صوري، إلا أنه يخشى رد الفعل الجماهيري عبر أعمال احتجاج واسعة النطاق.

لذلك، فإنه بحلول العام 2020 أو قريبا سيسعى السيسي للعمل على الانتقال بحكومته إلى “المنطقة الخضراء ذات الأسوار المحكمة”، محاطا بعدد كاف من ضباط الجيش والموظفين المدنيين والدبلوماسيين الأجانب بحيث لا يقلق مطلقا جراء قيام متظاهرين غاضبين بالتجمع بالآلاف حول القصر الرئاسي بالاتحادية إذا حدث وسمح لهم الامن اصلا بذلك.

“قلعة الرمال”

وتقول “مشيل دن” أن تجمع الآلاف من المتظاهرين أمام المقار الحكومية كما حدث في عام 2011 للمطالبة بالتغيير، أمر صعب تخيل حدوثه في العاصمة الإدارية الجديدة غير أن الشباب المصري المبتكر وواسع الحيلة، والإسلاميين المضطهدين، ورجال الأعمال الساخطين، وضباط الجيش الطموحين، الذين يعملون سويا أو بشكل منفصل، ربما يجدون وسائل بمقدورها هدم ” قلعة الرمال” التي يتحصن فيها السيسي.

بيزنس الجيش

وتلقي الباحثة جانبا من الضوء على بيزنس الجيش وهو يبني هذه العاصمة الادارية مؤكده أنه برغم صعوبة تحديد حجم دور ومساهمة الجيش في الاقتصاد المصري غير أن الضباط رفيعي المستوي في الغالب لا يجدون حرجا في الحديث عن الدور المتزايد للجيش في الاقتصاد المصري.

فقد أبلغ ممثل عن وزارة الإنتاج الحربي وكالة “رويترز” للأنباء في مايو 2018 أن عوائد 20 شركة تابعة للوزارة في العام 2018/ 2019 سيصل إلى 15 مليار جنيه مصري (840 مليون دولار) وهو ما يمثل خمسة أضعاف ما حققته في العامين 2013/ 2014.

وتقول أن أي مواطن مدني يتحدث عن تدخل الجيش في شؤون الاقتصاد أو سوء الإدارة الحكومية يمكن أن يثير غضب النظام الذي اعتقل الباحث الاقتصادي الدكتور عبد الخالق فاروق في أكتوبر 2018 الماضي ثم أطلق سراحه بكفالة بعد ذلك بتهمة قيامه بنشر أخبار كاذبة حين تحدث عن أن ما يقوله السيسي عن ان مصر فقيرة هو حديث كاذب وأن بيزنس العسكر يسيطر على جزء كبير من الاقتصاد.

وتنوه الدراسة لقيام السيسي بسلسلة تغييرات قانونية استهدفت أكثر من أي وقت مضى على التيسير على الشركات العسكرية، أو ما يسمى الشركات الخاصة التي يرأسها العسكريون الحاليون أو المتقاعدون، من أجل الحصول على معظم العقود الحكومية.

حيث تشرف وزارات الإنتاج والدفاع العسكري، إلى جانب المؤسسة العربية للتصنيع المملوكة للعسكريين، على عشرات الشركات التي تنتج كل شيء من الأسلحة إلى الطرق ذات الرسوم إلى الأجهزة والمواد الغذائية للسوق التجارية.

أيضا جري إعفاء الشركات العسكرية من الضرائب (بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة في عام 2016 كجزء من الإصلاحات التي يطلبها صندوق النقد الدولي مقابل قرض بقيمة 12 مليار دولار)، وتتمتع بحرية الوصول إلى العمالة المجندة ومساحات شاسعة من الأراضي المملوكة للدولة، وتستفيد من الضريبة الهائلة شبكة من الموظفين القادرين على التواصل عبر البيروقراطية الأسطورية في البلاد.

وتري الدراسة أن العاصمة الادارية بجانب انها المنطقة الخضراء المحصنة التي يسعي السيسي للاختباء خلفها، هي ايضا مدينة أحلام السيسي التي يضيع فيها اموال المصريين ويفرغ فيها طاقات نظامه عن المشاكل الأخرى التي تعاني منها البلاد مثل تناقص موارد البلاد من المياه العذبة، وتزايد معدلات النمو السكاني وعدم القدرة على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية لمصر التي يحتاجها الاقتصاد لخلق المزيد من الوظائف.

رابط التقرير:

Sisi Builds a Green Zone for Egypt