مجاملة الصهاينة وتشريد الفلسطينيين.. المستبدون العرب دورهم التطبيل لـ”صفقة القرن”

- ‎فيتقارير

على غير المتوقع وفي أول لقاء بين قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي ودونالد ترامب، فاجأ السيسي الإدارة الأمريكية، قبل نحو عامين، باستعداده للمشاركة فى إنهاء صفقة القرن، لتسوية القضية الفلسطينية وفق الرؤية الأمريكية التى تصب فى المصالح الصهيونية.

ثم تلاحقت تطورات الصفقة مع زيارات متتالية لصهر ترامب ومستشاره كوشنر للمنطقة، وصفقات خبيثة مع ملوك وأمراء السعودية والإمارات، رفعت مدخوله السنوي إلى 128 مليون دولار، وفق تقديرات أمريكية مؤخرًا.

إلى أن وصلت الصفقة إلى مؤتمر البحرين الاقتصادي، الذي يستهدف تقديم سلسلة من المزايا والهدايا الهادفة لتسمين الفلسطينيين وعلوج السيسي، عبر استثمارات ضخمة لصالح الفلسطينيين تجري على الأراضي المصرية في سيناء، تمهيدا لتمليكها لاحقا لفلسطينيين، عبر قوانين الجنسية المصرية الأخيرة التي تبيح بيع الجنسية المصرية لمن يدفع 10 آلاف دولار، تجنبًا لغضب شعبي مصري، وصل بعضه لقيادات عسكرية رافضة لتسليم أو بيع أجزاء من سيناء للفلسطينيين، المستهدف ترحيلهم من الضفة الغربية والقدس، لتفريغهما من العنصر العربي، وضمهما ومناطق المستوطنات المغتصبة للجانب الصهيوني.

ولي عهد أبو ظبي

وفي 2 يونيو الجاري، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” عن أن ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، هو أول من قدم رؤية لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتبنتها إدارة الرئيس دونالد ترامب.

وقالت، في تحقيق معمّق: إن مقترحات ولي عهد أبو ظبي للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين هي جوهر خطة صهر ترامب “جاريد كوشنر” للسلام.

وأطلقت إدارة ترامب لاحقًا على هذه التسوية مصطلح “صفقة القرن”، وتتضمن سلب مدينة القدس المحتلة ومنحها لـ”إسرائيل”.

كما تضمنت إقامة دولة فلسطينية جديدة على أراضي قطاع غزة والضفة الغربية (باستثناء الأراضي المحتلة التي تضم مستوطنات إسرائيلية قائمة)، بجانب أراضٍ مصرية في سيناء يجري تبادلها مع أراضٍ تحتلها إسرائيل في منطقة النقب الجنوبي.

وتعمل الإدارة الأمريكية، منذ تسلم ترامب الرئاسة مطلع 2017، على صياغة تسوية سياسية بالشرق الأوسط تحت اسم “صفقة القرن”، دون الكشف عن بنودها.

وتلقى ترامب دعمًا من السعودية والإمارات ومصر ودول عربية أخرى، يتردد أنها ستجبر الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة “إسرائيل”.

القوى الاستبدادية

كانت إدارة ترامب تخطط للكشف عن خطتها بعد رمضان، لكن مصادر رجحت تأجيلها بعد فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تشكيل حكومته الجديدة.

وندد الفلسطينيون بالخطة الأمريكية التي يقولون إنها تلغي حل الدولتين على أساس حدود عام 1967.

وفي السياق الاستبدادي الذي تلعبه الإمارات في المنطقة، تمهيدا للصفقة المشئومة، أكدت صحيفة “لوبوان” الفرنسية أن ولي عهد أبو ظبي يتبع سياسة شاملة في العالم العربي من الجزائر إلى اليمن.

وأوضحت أن هذه السياسة “قائمة على دعم القوى الاستبدادية، وخنق كل محاولة ديمقراطية في العالم الإسلامي؛ لتجنب أي عدوى ثورية يمكن أن تصل إلى بلده”.

واتهمت كلوديا روت، نائبة رئيس البرلمان الألماني (البندستاغ)، ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، بالمشاركة في التسبب في أكبر كارثة إنسانية حاليا “على ظهر الكوكب”، وذلك بالتزامن مع بداية زيارته إلى ألمانيا، الثلاثاء الماضي.

واعتبرت المسئولة الألمانية أن ولي عهد أبوظبي، بصفته نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، قادر على الوصول إلى إمكانيات مالية وعسكرية ليستخدمها بلا ضمير في دعم حكام مستبدين ومعادين لحقوق الإنسان في دول مثل مصر وليبيا والسودان.

ووجهت اتهامات لقيادات الإمارات، وفي مقدمتهم ولي عهد أبوظبي، بترسيخ سياسة التدخلات الخارجية بشكل يهددها بالمستقبل المجهول.

تأتي السياسة الخارجية للإمارات على حساب السياسة الداخلية، واستخدم أراضي الدولة منطلقا لتأزيم العلاقات مع دول العالم العربي بل والعالم.

محمد بن سلمان

كما تسعى واشنطن إلى أن تستغل العلاقة الجيدة التي تربط بين الرئيس الأمريكي وصهره من جهة، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان من جهة أخرى إلى دفع السعودية لتسويق هذا المشروع وتحويل بوصلة احتلال إسرائيل أراضي عربية إلى التركيز على إيران كعدو بديل يشكل خطرا أكبر على المنطقة، بحسب واشنطن وتل أبيب وبعض العواصم العربية.

السيسي

على الجانب المصري، بحكم موقعه الجغرافي القريب من قطاع غزة، من المخطط ضم أجزاء من القطاع إلى سيناء تحت سيادة مصرية ودعم سعودي، وهذا ما يعوّل عليه عبد الفتاح السيسي ليُثبت بقاءه في الحكم، في ظل خسارته لقواعده الشعبية المحلية بسبب الانتهاكات الإنسانية المتتالية، والجرائم المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات، يبقى المنفذ الوحيد هو دعم دول خارجية.

وفى هذا السياق تدعم السعودية مصر بمنح مالية، وصلت، وفقاً لبيانات وزارة التعاون الدولي والبنك المركزي خلال الـ5 سنوات الماضية، لنحو 70 مليار دولار، قُدمت على شكل استثمارات ومشروعات ودفعات لسد العجز المالي، بالإضافة إلى توفير حاجة مصر النفطية لمدة 5 سنوات.

بالمقابل، تضمن السعودية دعما مصريا لتحقيق أجندتها في المنطقة العربية، وعلى رأسها صفقة القرن ووقوفها إلى جانبها في الأزمة القطرية.

السلام بالقوة

وتتهيأ المنطقة العربية لواقع أمني جديد يحمل عنوان “السلام بالقوة”، يقوده جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، والذي قد يغير كل معادلات السلام في الشرق الأوسط بناءً على ما تحمله وعود رجل الأعمال الشهير ترامب بما يُعرف إعلاميًّا “بصفقة القرن”.

الرئيس الأمريكي قام بجولة عربية عقب تقلده منصب رئيس الولايات المتحدة، حملت الكثير من الرسائل الغامضة في وقتها، ولكنها كانت جلية الفهم في تحليل مضامينها، بأن الرئيس الأمريكي الجديد يحمل مشروعًا جديدًا للسلام في الشرق الأوسط.

جزء من هذا المشروع أفصح عنه، لأول مرة بشكل رسمي، على لسان السفير الأمريكي في إسرائيل ديفيد فريدمان، خلال اجتماع أيباك “لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية”، 27 مارس الماضي، حيث طرح الخطوط العريضة للمشروع الجديد، تتضمن سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة على الضفة الغربية، ووجودًا أمنيًّا إسرائيليًّا دائمًا في غور الأردن، واعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.

مسيرة للاجئين الفلسطينيين في لبنان ضد صفقة القرن

النار والغضب

تفاصيل أخرى عن صفقة القرن أوردها الصحفي الأمريكي مايكل وولف في كتابه “النار والغضب” توضح بشكل جلي انحياز المشروع لخدمة مصالح إسرائيل بالدرجة الأولى، وتجريد الفلسطينيين من حقهم في إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وبمقتضى هذا المشروع الجديد، بحسب الكاتب، فإن الأردن ستأخذ جزءًا من الضفة الغربية ومصر ستأخذ غزة.

وتنص هذه الصفقة كذلك، وفقا لما تم تسريبه حتى الآن، على إنشاء دولة فلسطينية تشمل المنطقة “أ” و”ب” وأجزاء من منطقة “ج” منزوعة السلاحِ في مناطق من الضفة الغربية بسيادة فلسطينية على أراضيها محدودة وليست مطلقة، وقبول بقاء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة، والتخلي عن القدس عاصمة لفلسطين واستبدالها ببلدة “أبو ديس”، فيما يتنازل اللاجئون الفلسطينيون عن حقهم بالعودة، ويحصلون على تعويضات مالية.

وتعول أمريكا على عدد من الدول العربية كالسعودية ومصر والأردن، للعب دور الشريك تارة، والضاغط تارة أخرى لتحقيق هذا المشروع، بينما تتجاهل الفلسطينيين أصحاب القضية.

كما أن الموقف الفلسطيني الرافض لمشروع صفقة القرن جملة وتفصيلاً، جعل الفلسطينيين يدفعون ثمنه؛ إذ قامت الإدارة الأمريكية بمنع وصول منحة بقيمة 10 ملايين دولار من العراق إلى الفلسطينيين كان من المفترض أن يتم تسليمها من خلال جامعة الدول العربية.

الأونروا

كما قلّصت الولايات المتحدة مساعدتها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”، ما سبّب أزمة مالية كبيرة دفعت لطرد عدد كبير من الموظفين وإيقاف جزء من المساعدات.

ولم تكتفِ الإدارة الأمريكية بذلك فقط، بل قامت بنقل سفارتها إلى القدس، في أول اختراق واضح وصريح للقانون الدولي، بانتزاع القدس كعاصمة لفلسطين، وإقرارها عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، وإغلاق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن

ويبقى ضم الضفة الغربية الخطوة القادمة، حيث بدأت دعوات صهيونية مؤخرًا تسيطر على الساحة العربية وفق رفض فلسطيني وتخاذل عربي، وهكذا تمر صفقة العار عبر أشلاء الفلسطينيين بتخاذل عربي وخيانة من ثلاثي الشر “بن سلمان” و”بن زايد” و”السيسي”.