هجوم إسرائيل على حزب الله هل هو ستارة دخان لضرب غزة؟

- ‎فيعربي ودولي

بعد سلسلة تهديدات وتحذيرات من استعدادات صهيونية مكثفة لشن الصهاينة حربا ضد غزة انتقاما لهزيمتهم الأخيرة في موقعة خان يونس بعدما أحبطت المقاومة عملية تسلل وقتلت قائد الوحدة الصهيونية، ورد المقاومة بضرب المستوطنات، انتقل ثقل المعركة الي لبنان بعدما أعلن الاحتلال فجأة خطة لتدمير إنفاق قال إن حزب الله أعدها لحرب مستقبلية بما يسمح له باحتلال بلدات صهيونية في الشمال.

الحديث عن توجيه انظار الاحتلال من غزة الي لبنان فجأة لا يزال يثير قلق الفلسطينيين من أن يكون الامر عملية خداع لتبريد الساحة الفلسطينية خلق استرخاء مصطنع يعقبه هجون صهيوني مباغت على غزة، ودللوا على هذا بأن الاحتلال قام بمناورات تتضمن قيامه بحرب على غزة وأخري على لبنان لو استلزم الامر.

ولكي نفهم ما يجري، نشير لأن هناك قلق صهيوني كبير من قيام إيران بمحاولة بناء مواقع عسكرية متقدمة على ارض سوريا قرب الجولان يقيم بها عناصر من حزب الله وأحزاب شيعية اخري، وكذا مصانع صواريخ في سوريا وجنوب لبنان تسمح لحزب الله بإنتاج صواريخ عالية الدقة لأن الاحتلال يقوم بتدمير قوافل السلاح التي تصل حزب الله عبر مطار دمشق أو مواني سوريا.

هذا القلق الصهيوني تحدث عنه نتنياهو وهو يعلن وقف التصعيد مع غزة ويقبل التهدئة بعدما ردت المقاومة على عملية التسلل الصهيونية في خان يونس بإطلاق قرابة 450 صاروخ في يومين فقط وهدمت عشرات المنازل الصهيونية لأول مرة، حين تحدث عن خطر اخر وحرب محتملة.

عملية درع الشمال

ووصف رئيس أركان الجيش الصهيوني آيزنكوت عملية “درع الشمال” ضد أنفاق حزب الله، بأنها “لتحييد المخاطر الأمنية التي تعكسها إيران علينا”.

ولفت إلى أن هذه الحملة كنا نستعد لها قبل التصعيد الأخير مع قطاع غزة، مؤكدا: “نحن نستعد لمواجهة حزب الله، والحملة ستستمر”.

وأعلن الجيش الإسرائيلي امس الثلاثاء عن عملية عسكرية خاصة أطلق عليها اسم “درع الشمال” لتدمير شبكة أنفاق حزب الله التي قام بحفرها خلال السنوات الخمس الأخيرة باتجاه المستوطنات الإسرائيلية القريبة من الحدود الشمالية في إطار خطته العسكرية لاحتلال الجليل في أي معركة مستقبلية مع “إسرائيل” من خلال الزج بقوات النخبة المعروفة باسم “كتيبة الرضوان” عبر الأنفاق كمعابر وصولية إلى الأهداف الحيوية الإسرائيلية لاحتلالها والسيطرة عليها بالتزامن مع إطلاق رشقات الصواريخ.

وتزامنت العملية مع صخب اعلامي إسرائيلي وزيارات خارجية تحسبا لرد فعل حزب لله واندلاع حرب شرسة الأمر الذي يثير التساؤل عن غرض “إسرائيل” من هذا التهويل الإعلامي.

ويبدو أن القضاء على أنفاق حزب الله الهجومية ليس هو هدف “إسرائيل” المركزي من هذه العملية، على الرغم من كون هذه الأنفاق تشكل خطرا أمنيا يستدعي تدخلا عسكريا للقضاء عليها، حيث أن “إسرائيل” تعلم بوجود هذه الأنفاق منذ أن بدأ تنظيم حزب الله بحفرها قبل عدة أعوام، إلا أنها كانت تكتفي بالجهد الاستخباري لتعقبها ورصدها وتحليل مساراتها، بدون التدخل العسكري نظرا لأنها لا تشكل خطرا وجوديا على الأمن القومي الإسرائيلي كغيرها من التهديدات الأخرى مثل صواريخ حزب الله.

ويبدو أن هدف “إسرائيل” المركزي من هذه العملية هو القضاء على مصانع الصواريخ الدقيقة التي امتلكها حزب الله مؤخرا، نظرا لأنها تشكل خطرا استراتيجيا كبيرا على “إسرائيل” قد يؤدي إلى قلب موازين القوى لصالح حزب الله بشكل ملموس مستقبليا، حيث يأتي ذلك في إطار الردع التكتيكي الذي تسعى “إسرائيل” من خلاله إلى الحفاظ على التفوق العسكري في المنطقة عن طريق وضع خطوط حمراء تستدعي التدخل العسكري لمنع تجاوزها من قبل أي طرف من الأطراف.

يبحث الجيش الإسرائيلي حاليا عن ذريعة لتنفيذ ضرباته الجوية الدقيقة والموضعية للقضاء على مصانع الصواريخ الدقيقة التي يمتلك عنها معلومات استخباراتية مفصلة، ولذلك يعكف الجيش في المراحل الأولى من عملية درع الشمال إلى استفزاز حزب الله لدفعه للعمل ضد آلياته ومعداته الهندسية وخصوصا في حال اضطرت القوات للتوغل أمتار معدودة داخل الأراضي اللبنانية لاستكمال الأعمال الهندسية المتعلقة بالقضاء على الأنفاق، الأمر الذي سيؤدي إلى نشوب جولة تصعيدية سيستغلها الجيش للقضاء على مصانع صواريخ حزب الله.

ويبدو أن هذا هو سبب تأجيل وليس الغاء التصعيد والعدوان على غزة لأن جبهة الشمال مع حزب الله في سبيل القضاء على الخطر الوجودي المستقبلي المتمثل بمصانع الصواريخ الدقيقة، سوف تتدحرج إلى مواجهة عسكرية واسعة، وهذا ما دفع نتنياهو للحصول على غطاء أمريكي قبل البدء بتنفيذ العملية، ولربما ستقوم “إسرائيل” وقتها بتقديم تنازلات فيما يتعلق بالتواجد الإيراني في سوريا مقابل إنهاء الجولة بأقل الخسائر الممكنة وبدون الانجرار إلى حرب واسعة على غرار حرب 2006.

وتهدف الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو من وراء ذلك لتحقيق عدة اهداف منها ابعاد الأنظار عن مطالبة الشرطة باستدعاء وضبط نتنياهو وزوجته بتهمة تلقي رشوة، والتغطية على هزيمته في غزة وفشل العمل العسكري مع غزة.

وقد أكد المحلل الإسرائيلي بصحيفة “هآرتس” العبرية، عاموس هرئيل، أن الحملة العسكرية التي أطلقها الجيش الإسرائيلي (درع الشمال) على الحدود مع لبنان للكشف عن أنفاق “حزب الله” وتدميرها، هي حملة دفاعية، ولن تتحول إلى هجومية على الأغلب.

سياسة نتنياهو

وقال هرئيل: إن حملة “درع الشمال” تسلب “حزب الله” مفاجأته الهجومية، وتحبط خطته التي كان قد احتفظ بها في حال نشوب حرب، وعمل عليها بالسر.

وأشار إلى أن بدء الحملة العسكرية بعد يوم من لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في بروكسل، تؤكد أن نتنياهو نسق مع الجانب الأمريكي الخطوات الإسرائيلية عند الحدود مع لبنان، وطلب منه نقل رسالة للحكومة اللبنانية بأن تضع حداً لنشاطات “حزب الله” جنوب لبنان من أجل منع التصعيد عند الحدود.

وتساءل المحلل الإسرائيلي: “كيف سترد إيران على هذه العملية التي تُحبط مشروعاً قيّماً كانت شريكة له؟”.

ولفت هرئيل، إلى أن عملية تدمير الأنفاق أدت إلى نشوب تصعيد أمني ما زال مستمراً حتى اليوم، ما يتوقع معه اندلاع حرب في جنوب لبنان.

أيضا قال لواء الاحتياط المتقاعد في الجيش الإسرائيلي عميرام ليفين إن سياسة نتنياهو القتالية ضد إيران فشلت لذلك يسعي لتوسيعها في سوريا ولبنان ضد نفوذ ايران هناك.

وأضاف ليفين في مقال له عبر صحيفة “معاريف” اليوم الأربعاء، أن فتح جبهة أمام إيران لن يحقق أي شيء، فالتهديد الذي يتطلب المزيد من الاهتمام العاجل هو حزب الله وآلاف الصواريخ.

وأوضح أنه كان يجب على “إسرائيل” أن تعتبر منذ فترة طويلة وربما نفذت ضربة استباقية ضد حزب الله، وتركيز كل الجهود الهجومية ضد إيران فقط مصحوبة بتهديدات خارجية وهذا خطأ استراتيجي خطير.

ولفت ليفين إلى أن نجاح حماس في الأنفاق مكن لإسرائيل الوعي بأنها تهديداً استراتيجياً، وشكلت دافعاً لحزب الله لحفر الأنفاق في الجبهة الشمالية قبل 3 أو 4 سنوات.

تهديد خطير

وأوضح أن تهديد حزب الله لـ “إسرائيل” ينبع من العدد الكبير للصواريخ التي بحوزته والتي تغطي العديد من المستوطنات الإسرائيلية، كما تعمل إيران على تحسين دقة تلك الصواريخ وأيضًا على ترسيخ تواجدها في سوريا.

وأشار ليفين إلى أن هناك تهديدًا خطيرًا للإسرائيليين من آلاف الصواريخ لدى حزب الله التي تغطي أجزاء كبيرة من البلاد.

حزب الله قادر على إطلاق 1500 صاروخ يوميًا

وتقول صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، إن “حزب الله” اللبناني قادر على إطلاق حوالي 1500 صاروخ يومياً حال اندلاع حرب مع “إسرائيل”.

وأضافت الصحيفة، “في أول أربعة أيام من اندلاع الحرب؛ حزب الله قادر على إطلاق 1500 صاروخ يومياً، ومن ثم 1200 صاروخ يومياً”.

وأوضحت، ان “هذا الرقم أعلى بكثير من الحرب السابقة، وهنا نتحدث عن صواريخ مجهزة برؤوس حربية تبلغ 200 كيلوغرام أو 300 أو أكثر”.

وشنت “إسرائيل” في 12 يونيه عام 2006، حرباً على لبنان، استمرت 33 يوماً، وأرادت أن تسقط مثلث الجيش والشعب والمقاومة، لكن هذا المثلث صمد في وجه العدوان، وقاتل وحقق انتصاراً نوعياً في تاريخ الصراع مع “إسرائيل”.

ويدور سجال في “إسرائيل” في شأن هوية التهديد الأكبر لهما، بين الاستخبارات من جهة والجيش من جهة أخرى، حيث اعتبر مدير الاستخبارات “يوسي كوهين” طهران تهديداً وجودياً، بينما يرى رئيس الأركان “غادي إيزنكوت” أن حزب الله هو التهديد الأكبر رغم الأزمة الداخلية والاقتصادية التي يعانيها.

حزب الله هو الآخر لم يقف موقف المتفرج في فترة تعتبر الأكثر حساسية وتوتراً في تاريخه، فأطلق العنان لإيصال رسائله وتهديدات إلى القيادة الإسرائيلية، ونشر صورا لمقر وزارة الدفاع والحكومة الصهيونية على اعتبار انهما أهدافه المقبلة لو اندلعت حرب كي يوصل رسالة رادعة للاحتلال.

عدوان جديد

وشهدت الآونة الأخيرة سلسلة من الأحداث والتصريحات أثارت حفيظة الكثيرين من أن “إسرائيل” تعتزم توجيه ضربة عسكرية قريبة ضد أحد الجبهات المحيطة بها، بما في ذلك تراجع حزب البيت اليهودي برئاسة “نفتالي بنيت” عن الانسحاب من الائتلاف الحكومي وما أعقبه من خطاب “نتنياهو” أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست الذي أوضح فيه قائلا “إننا نمر بمرحلة أمنية حساسة وخطيرة “.

ويقول تقرير لموقع “عكا” أن رد المقاومة في غزة على عملية خان يونس باستهداف حافلة جنود بصاروخ مضاد للدروع، أحرزت فيها المقاومة تفوقاً وانتصاراً باهراً باعتراف العدو قبل الصديق، عزز التكهنات بشأن احتمالات قيام العدو بعدوان شديد ضد غزة، وأنه رغم أن المصلحة الأمنية الاسرائيلية تقتضي في هذه المرحلة الحفاظ على الهدوء قدر الإمكان مع جبهة غزة، في ظل قناعة “إسرائيل” بعدم نجاعة العمل العسكري في تغيير الوقائع السياسية طالما لم يصل هذا العمل إلى مستوى الحسم الذي لن يتأتى إلا بعد تنفيذ عملية عسكرية واسعة لاحتلال قطاع غزة، وإسقاط حكم حماس، يبقي خطر تنامي قوة حماس في غزة.

ورغم تخوف البعض من توجيه “إسرائيل” ضربة عسكرية ضد غزة في ضوء التهديدات الإسرائيلية الأخيرة، إلا أن السقف الأعلى لهذه التهديدات بات متصلا بالخطر الأكبر في لبنان وسوريا ما يضطر الصهاينة لتأجيل هذا العمل العدواني ضد غزة، ولو إلى حين.

وستكون جولة التصعيد المقبلة -في حال وقعت-أقسى من الجولات السابقة، في ظل حرص “إسرائيل” على استعادة شيءٍ من صورة النصر التي حققتها المقاومة في الجولة الأخيرة.