وصية الشهيد أبو القاسم أحمد: “سلكت طريق الخلود”

- ‎فيحريات

تتوالى الوصايا التي سطرها أو أملاها الشهداء الذين ارتقوا، الأربعاء الماضي، على يد مجرمي الانقلاب، وتؤكد الوصايا ما لم نكن نحتاج إلى تأكيده؛ بأنهم ما وهنوا أو خانوا أو ارتعدوا من الحكم الجائر الذي صدر ضدهم، وأنهم ظلوا مرابطين ومصممين على دعوتهم حتى النهاية، وأن الثورة لديهم لم تكن طمعًا في سلطة أو مال كما اكتشفنا عند البعض؛ بل للارتقاء بوطنهم وإنقاذه من القمع والفساد الذي كان، وما يزال” يسيطر عليها.

وفي السطور التالية، ننشر وصية الشهيد أبو القاسم أحمد، التي كتبها بخط يده يوم السبت 8 ديسمبر 2018، لتكون تخليدًا لذكراه، وحجة له أمام الله، وتثبيتًا لإخوانه ورفاقه على طريق الوطنية.

نص الوصية:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى وبعد:

ولست أموت لكني ** سلكت طريق الخلود

فإن غُيِّبت فإني ** في الغيب أنا مشهود

وحُقَّ لنا أن نقتدي بأعظم جيل وخير سلف فأقول لهم:

ولست أبالي حين أُقتل مسلمًا ** على أي جنب كان في الله مصرعي

وذلك في ذات الإله وإن يشأ ** يبارك على أوصال شِلوٍ ممزع

فالحمد لله على تمام النعمة بأن جعلنا مسلمين، والحمد لله أننا لم نمت حتى سرنا في ركاب المجاهدين، والحمد لله أننا من عباده، وأسأله أن يجعلني من شهدائه وأوليائه.

– الموت ليس نهاية المطاف، وأجمل ما فيه أنه ليس بعد الموت موت بل هي حياة، وأي حياة! إنها الحياة في رحاب الخلود، فمنهم شقي وسعيد، وذليل وعزيز، وكريم وطريد، وإني لأرجو أن يجعلني سعيدًا عزيزًا كريمًا.

وأخشى أن أكون شقيًا ذليلًا طريدًا.. فيا رب سلم وأسأل الله العفو.

فتلك حياتنا ما بين الرجاء والخوف، فلا راحة فيها ولا يصفو لك فيها شيء.. فالراحة لا تدرك إلا عند وضع أول قدم في الجنة، ونسأل الله أن نكون من أهلها.

– فيا أحبتي دعوا الحزن جانبًا، ولا تتركوا للجزع بينكم مجلسًا، واجعلوا الصبر والرضا والذكر والقرآن لكم مؤنسًا.

– يا أحبتي إذا تذكرتموني فتذكروا مصاب رسول الله فيكم، فتلك كانت أعظم مصيبة، واسألوا الله ألا تكون المصيبة في الدين.

– أكتب إليكم الآن وصيتي:

أوصيكم بتقوى الله أينما كنتم في السر والعلن، واجعلوها تسري فيكم مع أنفاسكم ودمائكم، فمن جعل بينه وبين محارم الله وقاية وقاه الله عذاب النار.. وقِهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم.

أبرأ إلى الله- عز وجل- من الحالقة والصالقة والشاقة ومن ما يخالف أمر الله عز وجل.

– إذا كان قضاء أجلي قبل أمي فاستأذنوها إذا قُضِيَ أجلها أن تدفن معي، وإن كان أجلها قبل أجلي فاجعلوها معي في لحد شرعي.

– كم كنت أتمنى أن أدرك ثارات المسلمين على أرض فلسطين، وأن أدفن عند أسوارها، فإني أعتذر للمسجد الأقصى عن تقصيري، وإذا ما شهدتم تطهيره من دنس اليهود فانقلوا رفاتي عند أسواره، فإني كنت أحب المقام هناك في حياتي، ولكني لم أدرك ذلك.. فيا ليت أحيا بالمقام هناك بعد موتي.

– إخوتي.. اجعلوا حياتكم طاعة وعبادة وصلاة وذكرًا وتسبيحًا، واعلموا أنكم صائرون إلى ما صرت إليه، والسعيد من وُعِظَ بغيره، والشقي من وعظ بنفسه، وكفى بالموت واعظًا.

– أبواي.. ياسمين.. إخوتي، أحب وصالكم فلا تقطعوا وصالي، وصلوا رحمكم فيَّ بعد موتي.

أسأل الله أن يغفر ذنبي ويستر عورتي وأن يؤمن روعتي.. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار،

اللهم إني عصيتك حين عصيتك لا لأنك أهون الناظرين إليَّ، ولكن أنت أعظم الناظرين إليّ ورب العالمين، ولكن ليس لعبادك ستر كسترك فأنت الستير، ولا لعبادك حلم كحلمك فأنت الحليم، وقد جرأني سترك عليّ فلا تفضحني، وحلمك بي فلا تؤاخذني بجهلي.