“إذا كُنتَ رَجُلًا وتريد النساء.. فَسَلِّم نفسك”، هذا ما كتبته قوات الاحتلال الأمريكية على باب بيت أحد المقاومين العراقيين المطلوبين لديها في شمال بغداد، وذلك بعد أن اعتقلت مَن فيه من النساء، وعلى نفس المنوال يطبق السفيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي نفس السياسة الإجرامية ضد المصريين، وكما دمر الاحتلال الأمريكي البنية التحتية والبشرية في العراق بحجّة محاربة الإرهاب، واعتقال النساء للضغط على المقاومين، يفعل السفيه السيسي نفس الشيء، حتى إنه لم يتورع عن اختطاف الطفل إسلام نجيب، الطالب في المرحلة الثانوية، والبالغ من العمر 17 عاما، لأنه شقيق الناشطة غادة نجيب.
في العراق، صدّق الاحتلال الأمريكي على قرار يُجيز استخدام أي أسلوب يجده مفيدًا للوصول إلى عناصر المقاومة العراقية، بما في ذلك اعتقال أمهات المطلوبين أو زوجاتهم أو أخواتهم أو بناتهم لكي يسلموا أنفسهم مقابل إطلاق سراح المعتقلات من النساء من ذويهم، وفي مصر يتم الضغط على الأقارب لتسليم المعارضين أنفسهم أو للانتقام منهم إذا لم يكن في مقدورهم القبض على ذويهم، أحدث مثال على ذلك القبض على شقيق غادة نجيب وتلفيق قضية له، وقبلها القبض على نجلة الشيخ القرضاوى، وشقيق الإعلامي معتز مطر، وأيضا شقيق الإعلامي محمد ناصر.
تعسف وانتقام
وقد يبدو الأمر مستهجنًا أن تقوم سلطات الانقلاب باختطاف الأقارب واستعمالهم كـ”كروت مساومة” للمطلوبين لديها، إلا أن السفيه السيسي يعتبر نفسه يخوض حربا، ويعتبر المصريين أعداء تماما كما فعل جيش أكبر دولة مناصرة لحقوق المرأة والإنسان بانتهاكات صريحة لحقوق الإنسان، وارتكاب جرائم حرب تُعاقب عليها محكمة الجنايات الدولية، لكن بالنهاية يبقى الجيش الأمريكي داخل طاحونة الحرب ومحرقتها، لا يبالي كثيرا بالوسائل ليحقق الغايات كما يراه مراقبون، لكن الأصعب من هذا ألا تبقى هذه الوسيلة- اعتقال النساء تعسّفيا- حكرًا على المحتل الأجنبي، بل تحولت إلى سلاح تستخدمه أنظمة الانقلاب العربية المستبدة لإخضاع شعوبها.
وأعلنت الناشطة غادة نجيب، أمس السبت، عن اعتقال سلطات الانقلاب شقيقها إسلام نجيب، الطالب في المرحلة الثانوية، والبالغ من العمر 17 عاما، وحبسه بواسطة نيابة أمن الدولة العليا لمدة 15 يومًا على ذمة القضية (441 حصر أمن دولة)، والتي تضم العديد من الصحفيين والسياسيين والمدونين، من المنتمين لأيديولوجيات وتوجهات سياسية وفكرية متباينة.
وغردت غادة، وهي قيادية سابقة في حركة “تمرد”، قبل أن تعلن انسحابها منها مبكرا، على موقع “تويتر”، قائلة: إن “قوات الأمن أخفت شقيقها، بعد إلقاء القبض عليه”، مشيرة إلى ظهوره، أمس الجمعة، في نيابة أمن الدولة الكائنة في ضاحية التجمع الخامس.
ودأبت سلطات الانقلاب على شنّ حملات اعتقالات منذ 2013 بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي، ومجزرة فضّ اعتصام رابعة العدوية والنهضة، ولكن حملة الاعتقالات الأخيرة أثارت العديد من علامات الاستفهام، خصوصًا أنها ليست موجّهة لأنصار الرئيس مرسي في الأساس، بل استهدفت شبابا غير منتمين للتيار الإسلامي، بحسب مراقبين، وألقت سلطات الانقلاب القبض على منتصر مطر، شقيق معتز مطر مقدم برامج على قناة الشرق، ولفقت له 20 قضية بينها شيكات بدون رصيد، وتم إيداعه حجز قسم أول مدينة نصر.
السيسي لا يخشى الله!
ويرى مراقبون أن التوسّع في عمليات الاختطاف بهذه الطريقة، يشي بأن سلطات الانقلاب لم تعد تكترث لأي انتقادات حول ملاحقة المعارضة، حيث تعرّضَّ عددٌ من الشباب خلال الشهرين الماضيين لعمليات اعتقال ممنهجة، وتبدأ هذه العمليات بعملية رصد دقيقة للشباب من قبل الأجهزة الأمنية، ثمّ نصب كمين لهم، ومن ثمّ اقتيادهم إلى جهات غير معلومة، ليظلوا تحت وقع “الاختفاء القسري” لأيام قد تطول أو تقصر، بحسب رؤية جهاز الأمن الوطني.
وألقت سلطات الانقلاب في بني سويف، في 15 فبراير 2018، القبض على شقيق الإعلامي “محمد ناصر”، مقدم أحد البرامج بقناة “مكملين”، لاتهامه بالتهكم على سلطات الانقلاب أمام المواطنين، وعرفت مصر منذ سنوات طويلة أساليب عدة للأجهزة الأمنية في ملاحقة المعارضة على اختلاف توجهاتها من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولعل أبرز هذه الأساليب ما عُرف بـ”زوار الفجر”.
و”زوار الفجر” هو مصطلح أطلقته المعارضة في مصر، للإشارة إلى اقتحام قوات أمن الدولة لمنازل المعارضين والشباب فجرا، بغية القبض عليهم، وهو ما كان شائعا بشدة في عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، قبل أن يتوقف هذا الأسلوب في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، ليعود مجددا عقب انقلاب 3 يوليو 2013، ويبدأ في التوسّع بعد استيلاء السفيه السيسي على الحكم في 2014.
وفي يونيو 2017، أوقفت سلطات الانقلاب علا وحسام إثر اتهامهما بالانتماء لجماعة تأسّست بشكل مخالف للقانون، والتخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف الأمن ومؤسسات العسكر، ومنذ ذلك الحين يُجدَّد حبسهما بشكل دوري، وتلك التهم سبق أن نفاها الزوجان وهيئة الدفاع عنهما، ولم تعقّب سلطات الانقلاب على الحالة الصحية لعلا أو زوجها، غير أنها اعتادت التأكيد أنها تقدّم كافة الرعاية الصحية لكل السجناء دون تمييز.
وأطلق السفيه السيسي يد الأجهزة الأمنية لملاحقة معارضي الانقلاب كافة، من دون أن يقتصر الأمر فقط على اعتقال أعضاء في التيار الإسلامي الذين كانوا يرفضون الانقلاب على الرئيس مرسي ويتمسكون بشرعيته، ومع التوسّع في فرض القبضة الأمنية، ظهر نمط جديد من ملاحقة المعارضين، وهو “الاختطاف في وضح النهار”، إذ لم يعد يعمد جهاز الأمن الوطني إلى الاعتقال في جنح الظلام فقط.