أجهزة السيسي تتراشق بالتسريبات والفضائح.. من ينتصر: المخابرات أم أمن الدولة؟

- ‎فيتقارير

لم تكن التسريبات الأخيرة التي سربتها أجهزة أمنية متصارعة على مصالحها، للنائب والصحفي "رجل الإمارات في إعلام مصر" عبد الرحيم علي، ولا وزير الدولة أسامة هيكل المحسوب على الجيش والشئون المعنوية للقوات المسلحة، مجرد صدفة كشفت تصارع أجهزة السيسي وتضارب مصالحها، بقدر ما عكست الإنجازات الفاشية لهذا النظام.

فلم يردع أحد عبد الرحيم علي وهو ينتهك حرمات معارضي السيسي وينشر تسجيلات هواتفهم التي تتصنت عليها المخابرات وأمن الدولة، ولم يعترض أحد رغم أن هذا يخالف القانون والدستور لأنهم يعلمون أنها تجري بعلم السلطة وهي التي سجلت لا عبد الرحيم، وأنه مجرد أحد عرائس المسرح التي يجري تحريكها بأيادي الأجهزة.

ولم يردع أحد أسامة هيكل وهو ينكل بصحفيين واعلاميين لمجرد اختلافهم مع السيسي أو يدير مدينة الإنتاج الإعلامي على هواه ويلوث عقول المصريين بأكاذيب الانقلاب، لذلك لم يتأسف عليه أحد حين سربوا لهم، وكان لسان حال المصريين هو: "اللهم اضرب الظالمين بالظالمين وأخرنا من بينهم سالمين".

ملك التسريبات الأمنية "طير أنت"

لم تكن مفاجأة أن يجد رئيس تحرير موقع "البوابة نيوز"، عبد الرحيم علي والمعروف بصلاته بجهات أمنية أبرزها أمن الدولة وبصورة ما المخابرات العامة، وتلقيه أموالا من الإمارات لإدارة صحف ومواقع مناهضة للإسلاميين، نفسه، في مرمى النيران من خلال تسريب مكالمة هاتفية له، شتم فيها القضاة والنيابة وقانون مصر وعبد الفتاح السيسي الذي تحداه أن يحيله للنيابة، بل وهناك تكهنات أن يخرج من الازمة بلا جروح لأنه رجل الإمارات ولن يجرؤ السيسي على أذية صبي من صبيان ولي نعمته.

التسريب الذي تم لمن كان يسمي نفسه "ملك التسريبات"، وكان يبث فيديوهات بها تسجيلات أمنية لمعارضي السيسي في صورة تنصت غير مسموح به ولكن برعاية وحماية سلطات السيسي، عبارة عن مكالمة هاتفية، بين عبد الرحيم وزوج ابنته (السابق) المستشار ماجد منجد (القاضي بمجلس الدولة)، كال فيها عبد الرحيم السباب للدولة المصرية وقانونها بأقذع ألفاظ السب والشتم، مؤكدًا أنه "فوق القانون"، بل وتحدى عبد الفتاح السيسي بأنه لا يستطيع محاسبته أو محاكمته، وهي ليست صورة من صور انجازات السيسي الفاشية

وتابع "أنا عندي بلاوي لو طلعتها ممكن أحبسهم كلهم"، مفتخرًا بحظوته لدى قيادات أمنية "أنا أجيب مدير الأمن لحد البيت عندي لما أحب أعمل محضر (..)، ده مدير المخابرات العامة جالي لحد هنا عشان يصالحني"، على حد قوله.

تسريب الصحفي اليساري الذي أسهم في الانقلاب بأموال الامارات "عبد الرحيم علي"، تضمن سب القانون وتحدى النيابة والسيسي، حيث قال: السيسي ميعرفش يوديني النيابة العامة وعندي معلومات ممكن اطلعها ضد أي حد عايز يوديني النيابة احبسه بها!!، وهو ما دعا مغردون للسخرية منه والحديث عن انه سيجري ركنه وتهميشه واسقاطه في الانتخابات، قائلين له بسخرية: "طير انت".

وقال "علي" في التسجيل: على الحرام من ديني السيسي ما يقدر يوديني النيابة العامة"، وقال للقاضي "ماجد منجد" القاضي بمجلس الدولة، وزوج ابنته الذي يتحدث معه في التسريب: "فيه عنبر للقضاة الفاسدين في السجن" ليدلل على انه أقوى من القضاة والسيسي، وأن مدير المخابرات ذهب له لبيته ليصالحه!

وقد حاول عبد الرحيم التملص من التسريب بادعاء أنه من فبركة "الإخوان المسلمين"، وأن ما يُتداول منسوبًا إليه محض تسريب وكيد ممن أوجعهم عبر برنامجه "الصندوق الاسود"، ولكنه تخبط فاعترف أنه صحيح ضمنا بقوله: "أواجه حملة شرسة من أنصار المال السياسي وداعميهم واليوم تطور الأمر ودخل الإخوان على الخط"، ثم عاد ليقول: "فبركة مكالمة تم نسبها الي باستخدام برنامج "لاير بيرد" في محاولة يائسة لرد القلم الذي سبق أن اعطيته لهم في برنامجي الصندوق الأسود.

كما بث فيديو زعم أنه يكشف تطبيق اليكتروني يستخدمه الإخوان لفبركة المكالمات واسمه لاير بيرد .. ورد على مغرد قائلا: ما دامت هذه المكالمة مفبركة بـ برنامج "لاير بيرد" … ايه اللي يخليني أصدق التسريبات اللي كنت بتعرضها في برنامجك … يبقي أنت عاوز تقول أنك كنت بتستخدم الـ "لاير بيرد" عشان تستحمر المصريين.

صراع أجهزة انتخابي

قبل أن تجري مسرحية انتخابات مجلس نواب السيسي عام 2015 تم فضح أن هذا البرلمان شكلته المخابرات الحربية على أعينها فردا فردا، ونشر السياسي حازم تفاصيل القصة، وقبل مسرحية انتخابات الشيوخ الأخيرة نشرت صحف موالية للحربية مثل القاهرة 24 ما قالت إنه صراع أجهزة على تعيين النواب واختيارهم، وتحدثت عن صراع بين الحربية والمخابرات العامة من جهة وأمن الدولة (الأمن الوطني) من جهة ثانية، وأشارت إلى أنه هذه المرة رأت السلطة أن تسند ملف اختيار النواب إلى أمن الدولة لا المخابرات.

هذا الانتزاع لملف اختيار النواب من المخابرات العامة والحربية (باتت أمرا واحدا بعد تعيين السيسي عباس كامل للعامة) أدى لاستمرار الصراعات بين الأجهزة سواء فيما يتعلق بإدارة وتحريك صحفيين وإعلاميين أو تعيين أنصار ومريدين في برلمان السيسي لعام 2020. من هنا جاءت تسريبات أسامة هيكل عنوانا للصراع بين الأجهزة حلو من يدير ويصدر التعليمات للصحفيين والاعلاميين، فقد ثبت انهم يتحركون بموجب جهاز سامسونج في اشارة الي المخابرات الحربية والعامة، وأن هيكل شكك في فشل هذه المنظومة في التصدي لإعلام المعارضة الناجح في الخارج رغم فارق النفقات فقد حركوا ضده تسريب رئيس الوفد السابق الذي كان يصدر تعليمات لهيكل ضد المجلس العسكري السابق.

ومن هنا أيضا جاء تسريب عبد الرحيم علي في رسالة من المخابرات لأمن الدولة أنه رغم إسناد تعيين مرشحي مجلس النواب للأمن الوطني فهذا لا يعني انتهاء دور المخابرات في اختيار من ترغب فيه في المجلس وإقصاء عبد الرحيم علي لصالح رجل الأعمال المتعاون الذي يدفع الملايين للسيسي محمد أبو العينين. فالتسريب، في إطار التنافس على مقعد مجلس النواب، فعبد الرحيم علي كان عضوًا بالمجلس عن الدورة المنتهية، ويستعد لخوض انتخابات الدورة المقبلة على المقعد الفردي "مستقل" بدائرة الدقي والعجوزة والجيزة.

وينافس علي في هذه الدورة بعض الأسماء التي لها علاقات قوية بالدولة، أبرزهم رجل الأعمال محمد أبو العينين (صاحب مصانع سيراميك شهيرة، ومالك قناة صدى البلد الموالية لنظام السيسي)، وأحمد مرتضى نجل رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور.

وسبق أن اتهم عبد الرحيم علي منافسيه في السباق الانتخابي قائلًا إنه يواجه "أكبر حملة من مستخدمي المال السياسي جرت في تاريخ مصر الحديث"، مؤكدًا أنه سينتصر فيها.

واستبعد عدد من الإعلاميين والنشطاء أن يُحاسب عبد الرحيم علي بعد تطاوله على الدولة وقانونها، وأرجع بعضهم السبب إلى علاقاته القوية بدولة الإمارات، ما يجعله في مأمن من بطش السيسي. وتزايدت مؤخرًا الاتهامات الموجهة لقائمة "من أجل مصر" المدعومة من أجهزة النظام القائم باستخدام "المال السياسي"، منها هجوم مرتضى منصور (ينافس على أحد مقاعد محافظة الدقهلية بدلتا النيل) للقائمة -في وقت سابق-قائلًا "أنا ما دفعتش 50 مليون جنيه من دم الشعب عشان يحطني (يضعني) في القائمة اللي يدفع 50 مليون ده يبقى معاه كام؟ وبيجيب الفلوس دي منين، وهايلمهم إزاي؟"

التنصت والتسجيل والتسريبات .. ودستور السيسي!

تنص المادة 57 من الدستور المصري على أن "للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مبرر، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون".

بالإضافة للدستور، ينص قانون العقوبات المصري في المادة 309 مكرر على "الحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين"، وذلك من قبيل "استراق السمع أو تسجيل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أيا كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون"، وكذلك "مَن التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أيا كان نوعه صورة شخص في مكان خاص".

ومع هذا تخصص نجما أمن الدولة: أحمد موسى وعبد الرحيم علي في بث تسريبات عبارة عن عمليات تجسس علي المعارضين والمغضوب عليهم من نظام السيسي، ففي يناير 2017، أذاع برنامج على مسئوليتي الذي يقدمه أحمد موسى تسجيلات لمكالمات منسوبة لمحمد البرادعي، اختلف الطرف الثاني فيها، فكان مرة شقيقه علي ومرة رئيس أركان الجيش المصري سابقًا الفريق سامي عنان.

وتضمنت هذه التسريبات الشهيرة انتقاد الأداء السياسي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي تولى السلطة لسنة ونصف بعد أن أطاحت الثورة بحسني مبارك. وقتها أثير جدل واسع حول ما تضمنته هذه المكالمات على وسائل التواصل الاجتماعي، التي ردّ عليها البرادعي عبر تويتر بقوله "تسجيل وتحريف وبث المكالمات الشخصية إنجاز فاشي مبهر للعالم".. قبل هذه التسريبات، ظهر عام 2014 ما زعمت وسائل إعلامية أنها مكالمات هاتفية لشباب الثورة، مثل بعض قيادات حركة 6 أبريل، وكانت حول أحداث الثورة من قبيل "اقتحام مقر أمن الدولة"، وهي التسريبات التي استند عليها أحد المحامين في دعوى رفعها مطالبًا بحظر نشاط الحركة.

التسريبات أيضًا طالت قيادات في جماعة الإخوان المسلمين، وكلها فبركات واضحة. بخلاف الجماعة وقياداتها، شملت التسريبات أيضًا مؤيديها كالإعلامي أحمد منصور الذي نُسبت إليه مكالمة هاتفية اتهم على أثرها بأنه "كان يحرّض على الدولة المصرية في عام 2011"، وكذلك جهات متحالفة مع الجماعة مثل حركة المقاومة الإسلامية حماس والتي اتهمت بعض قياداتها، بـ "سرقة مساعدات وتبرعات مقدمة للشعب الفلسطيني"، بناءً على تسريب تسجيل صوتي نُسب إليهم أذيع في الشهر الماضي.

الضرر الذي واجهه هؤلاء اقتصر على آرائهم الشخصية في شؤون عامة، ولكن آخرين، معظمهم من النساء، تعرّضوا لاغتيال معنوي في تفاصيل تتعلق بحياتهم الشخصية، مثل منال بهي الدين التي عرضت النيابة في إحدى جلسات محاكمة زوجها المبرمج والناشط السياسي علاء عبد الفتاح عام 2014 في قضية مظاهرة الشورى، تسجيل فيديو لها وهي ترقص في إحدى المناسبات العائلية، كان موجودًا على اللابتوب الخاص بها والذي صودر ضمن أحراز القضية.

ومع التحولات التي شهدتها الشهر الماضي التحقيقات في قضية اغتصاب فتاة في فندق فيرمونت عام 2014 وتحول بعض شهود الواقعة إلى متهمين بـ "تعاطي المخدرات وإقامة حفلات جنسي جماعي"، استمرت حسابات مجهولة على تويتر في تسريب صور وفيديوهات كانت على هواتفهم المحمولة التي صادرتها قوات الأمن عقب القبض عليهم وقبل خضوعهم التحقيق في النيابة كمتهمين في القضية جديدة.

ثم جاءت التسريبات لخالد يوسف مخرج تمثيلية 30 يونيو 2013 مع فتيات ختي هرب للخارج وبات منبوذا من النظام الذي دعمه، وقال عنها النائب البرلماني السابق حيدر بغدادي "شغل أمن" مشابه لما تعرّض له وقت حكم مبارك من "فبركة صور جنسية له انتقامًا منه على كشف قضية أكياس الدم الملوثة (هايدلينا)".

القصة ليست بالتالي دستور او قوانين فالسيسي وأجهزته يسيرون بقانون الغابة الذي قتلوا بموجبه المئات واعتقلوا الالاف وعذبوهم، ولكنه قصة صراعات مصالح بين أصحاب انقلاب واحد، قد يرد علي بعضهم أحيانا ويذوقوا ثمن خيانتهم وقد ينتظرون حتي تغضب عليهم السلطة كما حدث مع عبد الرحيم وأسامة هيكل.