إسقاط انقلاب حفتر.. هكذا أفشل التقارب التركي الليبي محور الشر العربي

- ‎فيتقارير

“لماذا يخاف السيسي من التقارب الليبي التركي؟ أليس من حق الليبيين تحديد تحالفاتهم بأنفسهم؟ وهل سيؤثر التقارب التركي الليبي على مخططات محور الشر العربي “السيسي وبن زايد وبن سلمان”؟ وهل سيغير ذلك في موازين القوى على الأرض في ليبيا؟”.. أسئلة باتت تطرح نفسها بقوة عقب تنديد حكومة الانقلاب باتفاق التعاون العسكري بين تركيا وليبيا.

البداية كانت بحضور الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مراسم توقيع اتفاقيتي تعاون أمني وعسكري، وأخرى حول السيادة البحرية مع رئيس الحكومة، فائز السراج، وذكر بيان صادر عن الرئاسة التركية أن حكومتي البلدين وقعتا مذكرتي تفاهم: الأولى حول التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، والثانية حول السيادة على المناطق البحرية، وذلك بهدف تعزيز العلاقات والتعاون بين الجانبين.

فيما صرَّح وزير الداخلية بحكومة الوفاق، فتحي باشاغا، بأن “الاتفاقية الأمنية بين حكومته والحكومة التركية جاءت من أجل فرض سيطرة الحكومة على كامل الأراضي الليبية، وأن الاتفاقية غطت كل الجوانب الأمنية التي تحتاجها حكومة الوفاق”.

آثارُ هذا الاتفاق ظهرت سريعًا على نظام الانقلاب في مصر، وأصدرت وزارة الخارجية في حكومة الانقلاب عدة بيانات تندد بهذا الأمر. وذكرت الوزارة، عبر صفحتها على فيسبوك، أن “سامح شكري أجرى اتصالًا هاتفيًّا بكل من وزير خارجية اليونان “نيكوس دندياس”، ووزير خارجية قبرص “نيكوس خريستودوليدس”، تداول مع كل منهما الإعلان عن توقيع الجانب التركي مذكرتيّ تفاهم مع “فايز السراج”، رئيس مجلس الوزراء الليبي، في مجاليّ التعاون الأمني والمناطق البحرية”، مضيفا: “تدين مصر الإعلان عن توقيع أنقرة مع رئيس مجلس الوزراء الليبي فايز السراج على مذكرتي تفاهم في مجال التعاون الأمني، وفي مجال المناطق البحرية، وتؤكد أن مثل هذه المذكرات معدومة الأثر القانوني.

21

إفشال انقلاب حفتر

ويرى مراقبون أن لهذا الغضب الانقلابي عدة أسباب، أولها: أن الاتفاق يقطع الطريق على الانقلابي الليبي خليفة حفتر ومعاونيه في مصر والإمارات والسعودية لتحقيق مخططاتهم في السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس؛ بهدف إضافتها إلى العواصم العربية الأخرى التي استطاعوا تدميرها بمؤامراتهم.

ورأى ممدوح المنير، مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية بإسطنبول، أن موقف الحكومة المصرية من الاتفاق الأمني بين أنقرة وحكومة الوفاق بطرابلس يعكس حالة التخبط لديها من خسائرها المتتالية بليبيا، خاصة وأن مصر السيسي تساند بقوة حفتر ومليشياته.

وأوضح المنير أن “الشق الأمني في الاتفاقية يخدم طرابلس بمواجهة حفتر”، مشيرا إلى أن “الاتفاقية الأمنية كافية لتركيا للقيام بما يلزم لدعم طرابلس، كما أن أنقرة ستستفيد من الاتفاقية لحماية حدودها البحرية بالمتوسط، والتي تسعى اليونان للسيطرة عليها، وهو ما لم تسمح به تركيا؛ لأن إجمالي احتياطات الغاز المقدرة بهذه المنطقة يكفي تركيا لـ500 عام وأوروبا كلها 30 عاما”.

إفشال محور الشر العربي

من جانبها رأت الصحفية الليبية، نجاح الترهوني، أن “الاتفاق التركي الليبي الهدف منه منع زيادة تدخل الدول الداعمة لحفتر، خاصة مصر والإمارات، إذ لن يكون بمقدورها التصعيد أكثر والدخول في مواجهة مع تركيا لثقلها السياسي الدولي، خاصة وأنها شريك أساسي في حلف الناتو”، مشيرة إلى أن “الوجود التركي الجديد يختلف عن السابق؛ لكونه جاء متسقًا مع موقف أمريكي متشدد من عملية حفتر الذي دعته بشكل واضح إلى وقف هجومه على طرابلس”.

وأضافت الترهوني، أن “حفتر لم يتجاوز تهديده السابق لتركيا حد إغلاق مطاعم تركية في بنغازي، والقبض على ستة أتراك يقيمون بشكل قانوني في أجدابيا وبنغازي، ثم أُرغم على إطلاق سراحهم بعد ساعات من اعتقالهم”، مشيرة إلى أن الاتفاق “سيمثل غطاءً قانونيًّا وشرعيًّا لأي دعم تركي عسكري للحكومة في طرابلس”.

فيما رأت الصحفية الليبية، وداد الدويني، أن “توقيع الاتفاقية والتقارب مع تركيا يعد بمثابة إعطاء الضوء الأخضر من قبل المجتمع الدولي لتركيا لتصبح هي من ترعى السلام في ليبيا، على غرار تدخلها في سوريا وقيامها بدور في إنهاء ولو جزء بسيط من الصراع هناك”، معتبرة أن هذا “التقارب يعتبر ضربة لحلفاء حفتر المحليين، مثل الحكومة غير المعترف بها دوليًّا، وكذلك مصالح الإمارات وفرنسا ومصر، لذا سنرى غضبًا من هؤلاء تجاه هذه الخطوة”.

حقوق الغاز

رعب السيسي من الاتفاق التركي الليبي لا يقتصر فقط على إسهام ذلك في إفشال مساعي حفتر في السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس وإنجاز انقلابه الذي يسعى إليه منذ عدة سنوات، وإفشال مساعي ثلاثي محور الشر العربي (السيسي وبن زايد وبن سلمان) في السيطرة على القرار السياسي والموارد الليبية، بل يشمل أيضا خوف السيسي من إسهام الاتفاق في إفشال مساعيه في المتاجرة بحقول الغاز في البحر المتوسط، والتي كانت إحدى أدواته في محاولة الحصول على “شرعية مزيفة” خلال السنوات الماضية، عبر التفريط في بعضها، عبر اتفاقيات مع بعض الدول.

حيث قال وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، خلال حديثه عن الاتفاقية: ”هذا يعني حماية حقوق تركيا بموجب القانون الدولي”، مضيفا: “يمكن توقيع مثل هذه الاتفاقات مع دول أخرى إذا تم التغلب على الخلافات؛ لأن أنقرة تؤيد الاقتسام العادل للموارد بما في ذلك قبالة قبرص”.

وظهر هذا الرعب جليا في مسارعة وزير الخارجية في حكومة الانقلاب في إجراء اتصالات هاتفية بكل من وزير خارجية اليونان “نيكوس دندياس”، ووزير خارجية قبرص “نيكوس خريستودوليدس”، لمناقشة مخاوف حكومته من الاتفاق التركي الليبي، وإصدار خارجية الانقلاب بيان تنديدٍ جاء فيه: “هذا الاتفاق لا يلزم ولا يؤثر على مصالح وحقوق أية أطراف ثالثة، ولا يترتب عليه أي تأثير على حقوق الدول المتشاطئة للبحر المتوسط، ولا أثر له على منظومة تعيين الحدود البحرية في منطقة شرق المتوسط“.

أردوغان يتحدّى

من جانبه تحدَّى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، والانقلابي الليبي خليفة حفتر، وأكد أن بلاده ستطبق الاتفاقية التي أبرمتها مع حكومة الوفاق الليبية بجميع بنودها، ولن تقوم بسحب سفن التنقيب من شرق البحر المتوسط.

وقال أردوغان، في كلمة ألقاها بولاية أدرنة، خلال مشاركته بمراسم ربط خط أنابيب الغاز العابر للأناضول مع خط الأنابيب العابر للأدرياتيكي: إن تركيا ستواصل أعمال التنقيب في منطقة شرق المتوسط عبر سفينتي التنقيب “فاتح” و”ياووز”، إلى جانب سفينتين لأعمال المسح، وسيتم تقديم الاتفاقية مع حكومة الوفاق إلى البرلمان التركي للموافقة عليها”.

وأضاف أردوغان: “الآن بدءوا بتهديد ليبيا.. الاتفاقية أُبرمت وبنودها الأخرى سيتم تطبيقها أيضا، وأود أن أوجه دعوة صادقة لجميع الأطراف في شرق المتوسط.. دعونا نحول الطاقة إلى أرضية للتعاون بدلا من أن تكون أداة للصراع، لا تلجئوا لوسائل تجعل المنطقة تدفع أثمانًا جديدة رغم توفر فرص استخدام الإمكانيات الدبلوماسية”، مؤكدا أن بلاده لن تتخلى عن حقوقها في الغاز في البحر المتوسط وأن التنقيب عند قبرص لن يتوقف.