“الإسلاموفوبيا”: النسخة العربية

- ‎فيمقالات

"الإسلاموفوبيا" تعنى الخوف والتهديد من الإسلام من دون مبرر، يأتى "الإسلاموفوبى" على أثر ذلك بسلوكات وأفعال كراهية ضد رموز الإسلام ومعتنقيه. والظاهرة التى طفت على السطح فى الغرب فى عقد الثمانينيات بعد وصول أعداد كبيرة من المهاجرين، العرب والمسلمين، إلى أوربا وأمريكا، ثم ازدات حدتها بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر –غدت هذه الأيام عنيفة بدرجة كبيرة، خصوصًا بعد صعود اليمين الأوربى المتطرف الذى يغذى الظاهرة، ووصوله فيما بعد إلى السلطة فى عدد من دول القارة، وبعد تدفق اللاجئين عقب ثورات الربيع العربى، حتى غدا حديث الباحثين الآن حول ما يُعرف بـ"كراهية ما بعد الإسلاموفوبيا"؛ والتى تتميز بتدخل رسمى من الحكومات والدول ضد المسلمين.

وبنظرة سريعة فى الإحصائيات الرسمية المتداولة ندرك كم تطورت الظاهرة؛ ففى إنجلترا ارتفعت جرائم الكراهية بين عامى 2017/2018، التي تم إبلاغ الشرطة بها ضد المسلمين بمقدار ثلاثة أضعاف (2965 جريمة) مقارنة بأرقام عام 2013. وفى النمسا، سجل "مكتب توثيق الإسلاموفوبيا والعنصرية المعادية للمسلمين" فى تقريره لعام 2018 زيادة  بنحو (74%) من الجرائم مقارنة بالتى وقعت عام 2017. وفى فرنسا، سُجلت (676) حادثة معادية للإسلام فى عام 2018 مقابل 446 فى عام  2017م. وفى هولندا، أعلنت وكالة "مناهضة التمييز" أن (91%) من إجمالى 151 حادثة تمييز دينى تم إبلاغ الشرطة بها كانت مرتبطة بمسلمين.

والمقام لا يتسع للحديث عن الظاهرة فى الشرق، وهى أفدح بكثير مما يجرى فى الغرب، فإذا كانت حكومات الغرب قد دخلت على الخط مؤخرًا واتخذت إجراءات ضد المسلمين تتنافى مع قوانين البلاد (مثلما يجرى فى فرنسا الآن) –فقد تدخلت جيوش دول أخرى فى الشرق لإبادة المسلمين وتنفيذ سياسة "التطهير العرقى"، كما جرى لمسلمى "الروهينجا" فى ميانمار "بورما"، وفى الصين والهند، وإذا كانت الأقلام تصفع الليبرالية الأوربية الآن على تخاذلها أمام الإجراءات الفرنسية التعسفية ضد الجمعيات والمساجد الإسلامية فإننا لم نسمع عتابًا شعبيًّا أو أمميًا مماثلًا إزاء احتجاز مليونى مسلم فى معسكرات النظام الصينى وتزويج المسلمات قسرًا لغير مسلمين، ولم نسمع إدانة واحدة لخطط هندية ممنهجة للتخلص من 200 مليون مسلم، إما بسن القوانين التى تنزع عنهم الجنسية أو بإطلاق السيخ يحرقون بيوتهم ويدمرون مساجدهم، وبالمثل لم نسمع إدانة مستحقة لتهجير ما يقرب من مليون "روهينجى" من بيوتهم فرارًا من قصف الجيش البورمى للمئات من قراهم التى هدمها بالكامل وأقام عليها معسكراته، وما نتج عن ذلك من قتل الآلاف، منهم (34 ألفًا) تم قتلهم حرقًا، فضلًا عن اغتصاب (17.500 امرأة).    

لم نسمع عن كل هذه الجرائم بحق المسلمين لأن إعلامنا المبجل وأنظمتنا الوطنية أرادت التعتيم عليها، وبدلًا من إدانتها والتحرك سياسيًّا ودبلوماسيًّا لوقفها باتت تبررها وتتعاون مع الأنظمة التى ارتكبتها. لقد صارت دويلة مثل "الإمارات العربية" أداة فى أيدى صناع "الإسلاموفوبيا" فى الغرب، تحرض على المسلمين فى كل مكان، وتضع يدها فى يد من يجور عليهم فى الدول التى يقيمون بها. فى ندوة عامة نظمها منتدى "مغردون" فى الرياض عام 2017م، حذر "عبد الله بن زايد"، وزير الخارجية الإماراتى، دولًا أوربية من تزايد أعداد المسلمين بها، قال: (إن أوربا غدت حاضنة لنحو 50 مليون مسلم، وأن تلك الدول لا تشعر بذلك الخطر فى كونها غدت حاضنة للإرهاب)، ولام هذه الدول على تسامحها مع المسلمين بدعوى: الديمقراطية، وحرية التعبير، واحترام حقوق الإنسان.

وإذا كانت دولٌ إسلاميةٌ قد اتخذت مواقف إيجابية عقب تطور الاعتدءات على المسلمين مثل تركيا وباكستان وماليزيا، فإن دولًا عربية مثل مصر والسعودية والإمارات تحالفت مع عناصر وأحزاب اليمين فى أوربا ضدهم، وغضَّت -من ثمَّ- الطرف عما يقع عليهم، بل نقلت الظاهرة بتفاصيلها إلى بلدانها. لقد اتفق زعماء الدول الثلاث الأولى على مواجهة الظاهرة بشتى صور المواجهة، ونتج عن ذلك –كما صرح "عمران خان"، رئيس الوزراء الباكستانى- تدشين قناة (سيتم عن طريقها توضيح مسألة إهانة القيم الدينية، وإنتاج أفلام ومسلسلات تروى تاريخ المسلمين من أجل توعية الآخرين، وإنشاء إعلام خاص بالمسلمين).

أما فى الدول العربية الثلاث فقد شبَّت فيها الظاهرة واشتدت مع ظهور الثورات المضادة لـ"الربيع العربى"؛ إذ أصبحت الحرب صريحة ضد رموز الإسلام، وضد طائفة بعينها من المسلمين باتوا يُعاملون كأقلية مثل الأقليات المضطهدة فى الشرق والغرب. وإذا كانت الظاهرة فى أوربا وأمريكا يتبناها "الشعبويون"، باستثناء دول قليلة تتعامل معها بصفة رسمية؛ فإنها عندنا مشمولة بفعل وتحريض الأنظمة؛ فبصفة عامة هناك حملات ضد الحجاب والنقاب واللحى ومظاهر الهدى النبوى، وقد تعرض أصحابها فى أوقات سابقة لاعتداءات لفظية وجسدية، وهناك تحريض دائم على رسالة المسجد، وتشويه الدعاة، والتشكيك فى التراث الإسلامى، والطعن فى السنة إلخ. وهذا كما قلت لم يُطرح إلا بعد توجيهات من رءوس الأنظمة التى حذر أحدهم الأوربيين يومًا من مساجد المسلمين، والذى يتعاون بشكل علنى مع اليمين الأوربى المتطرف، ومن ثم يلقى دعمه الكامل فى التنكيل بالإسلاميين، وتسخير أدوات ووسائل الإعلام لتشويههم، وتوجيه المؤسسات الدينية لتكفيرهم ونزع غطاء الإسلام عنهم.