الاتجاه جنوبًا أم غربًا؟!

- ‎فيمقالات

من أفكه ما سمعتُ على لسان أحد مؤيدى النظام أن الصمت المصرى إزاء قضية سد النهضة مقصود، وأنه من قبيل «الخداع الإستراتيجى»، وأن تفجير السد سيكون قريبًا وسيكون مدمرًا. أما أحد الإعلاميين الموالين للعسكر فرد على الذين يسألون لِمَ لَمْ نتدخل لحسم قضية السد إلى الآن فى حين نتجهز لدخول الحرب فى ليبيا؛ قال سيتم حسم القضيتين معًا، ولدينا القدرة على ذلك، ولسنا أقل من «أردوغان» الذى يفتح جبهات فى كل من ليبيا وسوريا والصومال وقطر وغيرها.

وعلى هذه الشاكلة من الإصرار على تصدير الأوهام يسير قطاع كبير من المغرر بهم والمستفيدين والحاشية الكبيرة من الانقلابيين، يهرفون بما لا يعرفون، أو يضللون ويدلسون؛ دفاعًا عن نظام لم يحسم بعدُ هاتين القضيتين، ولن يحسمهما إلا بناء على رأى الكبار الذين يأمرونه فيأتمر وينهونه فينتهى، وهذا ما أكده أردوغان حين قال: «نحن لا نتعامل مع الدُمى، إنما نتعامل مع من يحركونهم».
لن يتجه النظام جنوبًا لضرب السد أو حتى المساس به، وفى هذه القضية تحديدًا لن يلقى وزير الخارجية ميكروفون الجزيرة دليل انفعاله، ولن يتحدث الإعلام الرسمى باللهجة التى يتحدث بها عن قطر وتركيا، بل سيلتزمون الأدب؛ لأنه –على ما يبدو- أن القضية حُسمت، وأن المؤامرة انتهت، وأن ما يجرى من مفاوضات وجولات إن هو إلا «تمثيلية» محبوكة لإقناع الشعب بـ«الجهود الفظيعة!» التى بذلتها الحكومة فى التفاوض تفاديًا لقرار الحرب الذى يضر الجميع!

ولو كانت النية معقودة على الذهاب للجنوب لاشتعلت الدعاية، ولجىء بالممثلين والممثلات والراقصين والراقصات، ولتم تهيئة المسرح لاستقبال «البطولة» المؤكدة والتهنئة مقدمًا بزوال السد، لكن شيئًا من هذا لم يحدث، ومن ثم فلا بد من التغطية على هذه المؤامرة بـ«بطولة» زائفة تصرف الشعب عنها، وتمنع كثرة الأسئلة، فكان الحديث وحشد الأفكار واستدعاء الوطنية عن الحرب فى ليبيا التى لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
وحتى ليبيا لن ندخلها، ولا نملك أن نقترب منها إلا إذا أذن الكبار. باختصار: لن نتجه غربًا أيضًا إلا بإذن، رغم ما ترى وتسمع من تأكيدات   وتهليل الإعلام والحديث عن الخطوط الحمراء والخضراء، فالخط الأحمر وُضع قبل شهر من حديث المنقلب عنه، باتفاق بين الكبار؛ لذا لا تعجب أن صار بعد أسبوعين «خط سلام». فإذا اتفق الكبار فى ليبيا فلن يكون هناك حديث عن تدخل أو حرب ألبتة، وسوف تخرس ألسنة إعلاميى «السامسونج» إزاء القضية، وسوف يلقى الكبار بالفتات إلى هؤلاء الصغار الذين ينتظرون على الأبواب، أما إذا لم يتفقوا ووقع خلاف فإن على هؤلاء «الأتباع» أن ينتظروا تعليمات جديدة وأوامر أخرى، مثلما هو حالهم الآن.
نؤكد: قرار الحرب المصرى بالاتجاه جنوبًا لن يحدث، أما غربًا فحسب ما تأتى به الأوامر. ذلك أن مصر لم يعد قرارها من رأسها، كما لم يعد طعامها من فأسها، ولو كان قرارها من رأسها فما الذى أخَّر التدخل فى ليبيا وحسم أمر السد إلى الآن؟

مصر صغَّرها الانقلابيون فصارت قيادتها تابعة لدولة الإمارات «القزمة»، مصر الآن تقتصر مصالحها على مصلحة فرد، وهى مصلحة ضيقة كلفتنا أمننا القومى فى شتى محاوره. مصر التى كانت قاطرة العرب والأفارقة يرضى المتغلبون عليها الآن بحفنة من «الرز الخليجى» يبيعون به قرارها وأرضها ونيلها، ويحولون أسلحة جيشها وشرطتها إلى صدور أبنائها.

ولو أننا دولة مؤسسات، أى دولة طبيعية مثل باقى الدول، ما وقع هذا التردد، وما كانت هذه التبعية المقيتة، لكننا دولة بلا مؤسسات؛ إذ يقوم شخص بجميع أدوارها، فلما غُيِّب الشعب حدثت كل هذه المهازل. إنها آثار الانقلاب الدموى الذى صادر حق الشعب فى فرض إرادته، ولو سُئل هذا الشعب الآن عن اختياره لاختار –بالإجماع- القوة لاسترداد حصتنا من المياه، وفى المقابل مساندة الليبيين فى استقرار دولتهم بدلًا من المشاركة فى تمزيقها، وفى تأييد حكومتهم الشرعية، والحفاظ بشتى السبل على هذه الجارة التى تجمعنا بها الروابط التى لا تجتمع إلا لها. حتى من باب المصلحة فإن ليبيا امتداد لمصر وساحة عمالة واستثمار وتوسُّع، لكن يأبى العسكرى إلا أن يفرط، وأن يتحرك مدفوعًا بفكره الضيق وذكائه المحدود، وزد على ذلك اندفاعه خلف من أتوا به حاكمًا، شرقيين وغربيين وصهاينة، ثم نظرته القاصرة على  مصلحته هو لا مصلحة دينه أو وطنه.