“الجارديان” ترصد عوامل تفككها.. هل اقتربت أمريكا من حرب أهلية؟

- ‎فيتقارير

تناولت صحيفة "الجارديان" البريطانية عوامل تفكك الولايات المتحدة، محذرة من اقتراب القوة العظمى في العالم من حرب أهلية تجعلها هشيما تذروه الرياح. وبحسب الصحيفة البريطانية فقد تم إجراء أكثر من 3.7 مليون فحص للأسلحة النارية من خلال نظام الفحص الأمني لمكتب التحقيقات الفيدرالي، في مارس 2020، أي بزيادة 80% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وهو أعلى رقم مسجل منذ أكثر من 20 عامًا.

ومع أن الديمقراطية مرت بظروف تاريخية صعبة وأحداث عنصرية، فإن الرئيس في الأغلب لم يكن محور الخلاف، كما أنه حتى عندما كان تصرف الرئيس محور الأزمة مثلما حدث مع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيسكون، فإن الحزب الجمهوري الذي كان ينتمي إليه الرئيس ترفّع عن الاستقطاب الحزبي.

أما اليوم فإن انجراف الحزب الجمهوري نحو اليمين، مع وجود رئيس يهدد بحرب أهلية يضع الديمقراطية الأمريكية في اختبار حقيقي، ويجعل احتمال الحرب الأهلية أكبر من مجرد سيناريو خيالي.

الخطير- بحسب التقرير- أنه عندما فرضت حكومات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إجراءات إغلاق لمواجهة تفشي جائحة كورونا، تظاهر المواطنون المعترضون على ما اعتبروه تقييدا لحرياتهم بأسلحتهم مثلما حدث في ولاية ميتشجان الأمريكية. وهو السلوك الذي بدا غريبا؛ لأنه ينظر إلى أمريكا باعتبارها مركز التحضر في العالم، ولكن عندما وقعت الاحتجاجات على مقتل فلويد، وما رافقها من أعمال نهب وانقسام غير مسبوق في المجتمع الأمريكي، طفت على السطح أسئلة كثيرة عن مستقبل هذا البلد.

فقد أثيرت تساؤلات من قبيل: لماذا يكدس الأمريكيون كل هذه الأسلحة، هل يمكن أن تقع حرب أهلية في أمريكا بسبب كل هذه الأسلحة؟

تحظى هذه الأسئلة على قدر عال من الأهمية إذا علمنا أن الولايات المتحدة تحتل المركز الأول من حيث عدد الأسلحة لكل مواطن، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Telegraph البريطانية. إذ يوجد في الولايات المتحدة 112.6 سلاح ناري لكل 100 شخص، ويحتل اليمن المركز الثالث، بمعدل 54.8 لكل مئة مواطن. وما يثير الدهشة أن الرقم الأكثر إثارة للصدمة أن تضم الولايات المتحدة 4.4% من سكان العالم، إلا أنّ حوالى نصف عدد الأسلحة النارية حول العالم موجود بحوزة المدنيين في أمريكا.

مبلغ الأزمة في أمريكا أن الدستور نفسه يحمي حقوق الأمريكيين في حيازة السلاح، مستندين إلى التعديل الثاني الذي تمت صياغته سنة 1791 عند كتابة دستور الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب استقلالها عن التاج البريطاني، ويكتسب التعديل أهمية كبيرة باعتباره بندا من بنود وثيقة الحقوق التي تضم 10 مواد تتعلق بالحريات الشخصية للأفراد.

ويذكر نص التعديل الثاني أنه "لا يجوز التعديل" على حق الأشخاص في حمل الأسلحة النارية، ما يضمن للمواطنين الأمريكيين شراء وحمل الأسلحة النارية.

ويستطيع الأشخاص في الولايات المتحدة اقتناء الأسلحة والذخيرة بأسعار متدنية عبر مواقع الإنترنت التي تعد سوقاً ضخمة، كما تنشط تجارة تهريب الأسلحة عن طريق الحدود المكسيكية والعصابات المسلحة التي تنشط في الاتجار بالمخدرات. وبالتالي تختلف الأسلحة المنتشرة في الولايات المتحدة من حيث الكمّ والنوع.

 

تزايد أعمال العنف

وأدى تزايُد أعمال العنف التي خلّفتها الحوادث الفردية لإطلاق النار في أمريكا لتعالي الأصوات لوضع حدّ للعنف، ومراجعة التشريعات الخاصة بحيازة الأسلحة.

وحاول الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وضع أطر محددة لبيع الأسلحة، والحد من تداولها وانتشارها، إلا أن مساعيه باءت بالفشل بسبب اعتراض لوبي الأسلحة النارية، الذي يتمتع بقوة كبيرة، فقد تمكن من قطع الطريق على مختلف مشاريع القوانين التي دعت إلى تشديد الرقابة على الأسلحة النارية.

المشكلةـ- وفق الجارديان-  تبدو أعمق من لوبي السلاح؛ إذ تترسخ فكرة امتلاك السلاح بعمق في الثقافة الأمريكية، خاصة ولايات الجنوب والغرب الأوسط، كما أنها فكرة مرتبطة أكثر باليمين الأمريكي الذي يمثله الحزب الجمهوري.

ومع وصول الخلاف بين الديمقراطيين والجمهوريين إلى مرحلة غير مسبوقة خلال أزمة كورونا، إلى درجة تحريض ترامب لأنصاره، ولا سيما أعضاء أقصى اليمين، على التمرد على أوامر الإغلاقات التي أصدرها المسئولون الديمقراطيون، ومع قيام بعض اليمينين بالتظاهر بالسلاح احتجاجا على الإغلاقات، بدا مشهد حضور السلاح في الحياة السياسية الأمريكية صادما للعالم.

وزاد الأمر سوءا مع انفجار الاحتجاجات ضد مقتل فلويد، حيث خرج الأفارقة والأقليات والديمقراطيون واليساريون في مواجهة الرئيس الأمريكي الذي أراد سحق الاحتجاجات بل دعا الجيش إلى التدخل، وهو الأمر الذي رفضه وزير الدفاع الحالي مارك إسبر، الذي رفض الاستجابة لرغبة ترامب في نشر وحدات جديدة للجيش داخل الولايات.

كما أن وزير الدفاع السابق ماتيس هاجم ترامب بشدة قائلا: "هو أول رئيس أراه في حياتي لا يحاول توحيد الأمريكيين، ولا يحاول حتى التظاهر بالقيام بذلك، عوضا عن ذلك هو يحاول أن يُفرقنا". في المقابل فإن بعض السياسيين الجمهوريين تمادوا في تأييد ترامب، حتى إن نائبا جمهوريا طالب بسحق الاحتجاجات.

نذر حرب

ويبدو المشهد الأمريكي فوضويا، وسط نُذر ومؤشرات على حرب وشيكة في ظل تصاعد نجم الحركات اليسارية الاحتجاجية في مواجهة يمين متطرف، لتظهر على سطح الأحداث الأخيرة التي أعقبت مقتل جورج فلويد حركة "إنتيفا"، في مقابل تصريحات على شبكات التواصل الاجتماعي لأنصار ترامب، أبدى بعضهم خلالها استعدادا تاما للنزول إلى الشوارع وإنهاء حركات الاحتجاج خلال 24 ساعة، في تهديد واضح باستخدام القوة.

وبعد أن كانت أمريكا هي بوتقة انصهار الثقافات والمعارف المختلفة للمهاجرين، تضاءلت اللُّحمة الاجتماعية وتعاظَم الانقسام المجتمعي، وأصبح العدو داخلياً مع تصاعد الخطاب العنصري، والذي يُتهم ترامب بشكل أساسي أنه المتسبب فيه، إلى جانب عوامل متعددة ساهمت في تراجع تأثير الطبقة الوسطى المتعلمة التي كان يعول عليها أي مرشح للرئاسة في مقابل تنامي التطرف اليميني.

بل إن ترامب نفسه، حرّض على الحرب الأهلية إبان رغبة الديمقراطيين بدء التحقيقات لعزله؛ إذ غرّد منذرا بها، في 29 سبتمبر 2019، قبيل بدء جلسات مجلس النواب بالقول: "في حال نجح الديمقراطيون في عزل الرئيس فسنشهد اندلاع حرب أهلية من شأنها تقسيم بلادنا، لن تستطيع التغلب عليها".