بعد تهديدات إثيوبيا بملء سد النهضة منفردة.. “الكونفرانس الثلاثي” تحصيل حاصل

- ‎فيتقارير

قال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في رسالة تحدٍّ لمصر والسودان ومطالبتهما بالاتفاق على قواعد الملء والتشغيل قبل الملء الأول للسد: "سيتم ملء خزان السد بكمية 4.9 مليارات متر مكعب من الماء في موسم الأمطار المقبل" الذي يبدأ في يوليو المقبل.

واستدرك أحمد قائلا: "مللنا طلب المساعدات من الدول الأخرى ونحن لدينا الموارد، ورغبتنا في التطور لا تعني أن لدينا نوايا للإضرار بالدول الأخرى".

تصريحات "آبي أحمد" مثلت أكبر تهديد لمصر التي ما زالت في ورطة غير مسبوقة تهدد كيان الدولة، إثر الجفاف والجوع الذي يلوح بالأفق، كما أثارت مخاوف مركبة أيضا للسودان التي ما زالت تراهن على العودة لمفاوضات جدية تجمع الأطراف.

ومنذ اتفق رؤساء وزراء مصر والسودان وإثيوبيا، في 21 مايو ، على استئناف المفاوضات الفنية للنظر في صيغة توافقية لحل النزاع حول تخزين المياه وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، بدأت اللجان الفنية للدول الثلاث الترتيبات للاتفاق على جدول الأعمال وتاريخ الاجتماع.

ولكن لم يتم التوصل إلى نتائج حتى الآن، وفي الوقت نفسه، يرتفع الترقب ويتزايد الحذر بشأن الحلول التوافقية المحتملة مع إصرار إثيوبيا على بدء ملء السد في يوليو المقبل.

وفي بيان صحفي في 21 مايو، حددت وزارة الخارجية المصرية شرطا لاستئناف الاجتماعات الفنية بناء على نتائج مفاوضات واشنطن في فبراير، وهو أن تقتصر الاجتماعات على الاتفاق بشأن القضايا العالقة في تشغيل سد النهضة وملئِه، وأكدت الوزارة أهمية الاجتماع المقرر والحاجة إلى التوصل إلى اتفاق عادل وشامل ومتوازن.

مفاوضات غير مجدية 

وجرت المفاوضات بين وزراء الخارجية والمياه في مصر والسودان وإثيوبيا، في الفترة من نوفمبر 2019 إلى فبراير الماضي، تحت رعاية سياسية وفنية من البنك الدولي والولايات المتحدة.

وتم التوصل إلى صيغة اتفاقية شاملة تضمنت قواعد محددة لملء وتشغيل السد والتدابير لمواجهة أعوام الجفاف وندرة المياه. كما اتفقوا على آلية تنسيق وآلية ملزمة لحل النزاعات، وناقشوا سلامة سد النهضة وإنجاز الدراسات البيئية.

ووقعت مصر الاتفاقية التي صاغتها الولايات المتحدة والبنك الدولي، بينما رفضتها إثيوبيا وانسحبت من اجتماع التوقيع. وفي غضون ذلك، أجل السودان توقيعه حتى موافقة الدول الثلاث على جميع الشروط، ولكن لم يصدر أي إعلان رسمي عن موقفه.

ومنذ فشل مفاوضات واشنطن بسبب انسحاب إثيوبيا، دعت وزارة الخارجية المصرية إلى تعليق الاتفاق الذي تم التوصل إليه في واشنطن لملء سد النهضة حتى يتم التصديق على صيغة شاملة تحدد قواعد تشغيل وملء السد.

وحاولت إثيوبيا اجتياز أول عملية ملء للسد لتكون قادرة على إجراء التشغيل التجريبي للتوربينات وتوليد الطاقة من خلال اقتراح اتفاقية جزئية مع مصر والسودان في منتصف مارس ، لكن كلا البلدين رفضا التوقيع على الاتفاقية المذكورة.

ومرارا دعت مصر إثيوبيا إلى العودة إلى المفاوضات واحترام نتائج اجتماعات واشنطن منذ انسحابها المفاجئ منها في 28 فبراير. وكان التصعيد والتحركات الدبلوماسية رد فعلٍ طبيعيٍّ على العناد الإثيوبي والقرارات أحادية الجانب لملء خزان السد دون التوقيع على الاتفاقية.

خوف من ملف النيل

وأضاف المصدر أن "جدول أعمال اللقاءات الفنية لا يزال قيد التداول بين الخبراء الفنيين ووزراء المياه في الدول الثلاث".

وواجهت عودة مصر إلى المفاوضات حذرا شديدا وخوفا من مراقبي قضية مياه النيل في مصر. وعبر خبراء فنيون وسياسيون وقانونيون عن مخاوفهم على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن استغلال إثيوبيا لموافقة مصر والسودان على العودة إلى المفاوضات لكسب الوقت. ويعتقد خبراء أن إثيوبيا تحاول وضع القاهرة والخرطوم أمام الأمر الواقع من خلال البدء في ملء السد في يوليو وضمان عدم وجود تصعيد دبلوماسي ضدها.

وقال "مساعد عبد العاطي"، أستاذ القانون الدولي في جامعة القاهرة: "من ناحية فنية بحتة، لا فائدة من العودة إلى المفاوضات، إذ تواصل إثيوبيا استعداداتها لبدء ملء خزان السد في يوليو، ولنجاح المفاوضات، فإن الشرط الوحيد هو وقف أي أنشطة لملء الخزان حتى يتم حل المشكلة الفنية المعلقة وتوقيع اتفاقية ملء وتشغيل شاملة".

وشدد "عبد العاطي" على ضرورة وجود إطار زمني واضح وملزم لأية مفاوضات مقبلة، حيث ضاعت أكثر من 5 أعوام في اجتماعات متكررة لم تحقق أيا من أهدافها منذ توقيع إعلان المبادئ في مارس 2015.

وكتب الخبير السوداني في القانون الدولي "أحمد المفتي"، في صفحته على "فيسبوك"، في 21 مايو: "يطالب وفد المفاوضات السوداني بشروط واضحة قبل الدخول في محادثات فنية مع إثيوبيا مرة أخرى، بما في ذلك التزام إثيوبيا بوقف عمليات بناء السد وخطة الملء المتوقعة في يوليو، حتى توقيع اتفاقية نهائية شاملة بين الدول الثلاث تحكم عمليات التخزين والملء".

وتابع: "إذا لم تلتزم إثيوبيا بالاتفاقية، فإن أي محادثات فنية جديدة ستكون غير مجدية. بل سوف تبدد حقوق السودان، وتمنح إثيوبيا المزيد من الوقت لمواصلة عملية بناء السد والبدء في ملئه دون اعتراض دولي".

وبالرغم من أن السودان توسط لاستئناف المفاوضات بين مصر وإثيوبيا، لكن وزيرة الخارجية السودانية "أسماء محمد عبد الله" بعثت برسالة إلى مجلس الأمن الدولي في 2 يونيو توضح موقف السودان.

وقالت إن بلادها تتبع مبدأ حسن النية منذ بداية الأزمة، وقد التزمت باتفاقية الأمم المتحدة لقانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية، التي تنص على الاستخدام العادل والمنصف للمياه دون التسبب في مخاطر كبيرة للبلدان الأخرى، بالإضافة إلى الحل السلمي للصراعات.

طمأنة سودانية

كما دعت الوزيرة مجلس الأمن إلى منع الأطراف المتنازعة من اتخاذ إجراءات من جانب واحد تعرض السلام والأمن الدوليين والإقليميين للخطر.

وتعليقا على رسالة السودان إلى مجلس الأمن، طمأن وزير الري والموارد المائية السوداني "ياسر عباس"، في تصريح لوكالة الأنباء السودانية في 2 يونيو، بأن "الرسالة لم تكن تصعيدا ضد أي طرف متفاوض، ولم تقف مع أي طرف أيضا. لقد كان مجرد تأكيد لحق السودان".

وجاءت الرسالة الموجهة إلى مجلس الأمن وسط تصعيد سياسي بين إثيوبيا والسودان بسبب الصراع الحدودي.

وقبل الإعلان عن اتفاق استئناف المفاوضات، التقى وزراء المياه والشئون الخارجية الإثيوبيون مع مندوبي الأحزاب السياسية في 28 مايو، لتأكيد المواقف السيادية لإثيوبيا بشأن مواصلة بناء السد وملئه.

وقال وزير المياه، "سيليشي بيكيلي"، إن "مصر تميل إلى الاحتجاج بما يسمى بحقوقها التاريخية في المياه، وهو ما لا يمكن أن تقبله إثيوبيا".

ويتوقف نجاح أو فشل استئناف المفاوضات على سرعة وزراء المياه في البت في جدول أعمال فعال للقضايا العالقة رغم التوترات السياسية المستمرة بين الدول الثلاث.

مفاوضات جديدة

ورغم المماطلات السياسية الإثيوبية واعتمادها سياسة المفاوضات المفتوحة التي تفضي إلى مفاوضات جديدة لإضاعة الوقت، أعلن وزير الري السوداني، ياسر عباس، عن عقد اجتماع عن بعد مع نظيريه من مصر وإثيوبيا، اليوم الثلاثاء، بحضور ثلاثة مراقبين من الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا ومفوضية الاتحاد الأوروبي.

وبحسب مصدر مصري مطلع، فقد رفضت إثيوبيا استمرار لعب الولايات المتحدة دور الرقابة أو الوساطة في المفاوضات، بينما كانت مصر متحفظة على أن تلعب الدور مفوضية الاتحاد الأوروبي، وأسفرت المفاوضات السياسية بين الدول الثلاث عن اختيار مراقب بواسطة كل طرف، على أن يقتصر دور الأطراف على المراقبة ولا يمتد إلى الوساطة.

وأوضح المصدر أنه تم استبعاد اشتراك البنك الدولي بناء على طلب إثيوبيا، واستبعاد مفوضية الاتحاد الإفريقي بناء على التحفظ المصري السابق عليها.

وذكرت وزارة الري السودانية، في بيان لها، أن اجتماع اليوم يأتي استكمالا لجولات التفاوض السابقة حول سد النهضة، وتتويجا للجهود التي بذلها رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، وأفضت لموافقة مصر وإثيوبيا على استئناف المفاوضات الثلاثية، وصولاً لاتفاق شاملٍ ومرضٍ يستجيب لمصالح الدول الثلاث ويحقق تطلعات شعوبها.

وأوضحت الوزارة أن الاجتماع سيناقش المسائل الإجرائية المتصلة بدور المراقبين وقضايا التفاوض العالقة، وأشارت إلى أن وزير الري والموارد المائية عبّر عن التفاؤل والثقة في قدرة الدول الثلاث على تجاوز العقبات الراهنة، والتوصل لاتفاقية تعالج وتستوعب المسائل المتصلة بملء وتشغيل سد النهضة، مجدداً التأكيد على تمسك السودان بموقفه المبدئي المبني على التفاوض بحسن نية واحترام قواعد القانون الدولي ذات الصلة وحماية مصالح السودان.

وما زالت المفاوضات الفنية، والتي تتم عبر الخرطوم، متعثرة، رغم مرور نحو ثلاثة أسابيع بعد اتفاق الحكومات على العودة للتفاوض حول المسائل العالقة بقواعد الملء والتشغيل، في ظل مطالبات دولية وإقليمية لجميع الأطراف بتحكيم العقل والتفاوض وعدم الدخول في أتون صراع إقليمي، على خلفية الخطاب الذي أرسلته مصر إلى مجلس الأمن تشكو من مقاطعة إثيوبيا للمرحلة الأخيرة من مفاوضات واشنطن التي فشلت في التوصل لحل نهائي، وردت عليه أديس أبابا بخطاب آخر لمجلس الأمن يتمسك بأن الملء الأول للسد لن يخلف أضراراً لدولتي المصب ولا يتعارض مع اتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث عام 2015، ثم تبعتها السودان بإرسال خطاب يؤيد المطالب المصرية.