دعوات الأنبياء ما هي إلا ثورة على الباطل الذي تفشى في زمانهم، إلا أن الأنبياء دائمًا ما تبتلى ثورتهم ضد الباطل بمن يتآمر عليها، وقد يصل التآمر في بعض الأحيان إلى القتل، كما حدث مع نبي الله زكريا وولده يحي عليهما السلام، أما في حالة النبي الكريم عيسى بن مريم عليه وعلى أمه السلام، فقد ذكر التاريخ أن رجلاً يدعى يهوذا الأسخريوطي، وكان من حواري المسيح وتلامذته، إلا أن مخابرات الرومان واليهود نجحوا في تجنيده، فقام بإخبارهم بالمكان الذي يجتمع فيه يسوع مع تلامذته، وذلك مقابل 30 أوقية من الفضة، ربما تعادل اليوم 10 آلاف يورو، وهو المبلغ الذي قبضه الحقوقي جورج إسحاق!
حسنين يفضحهم
وينضم المزيد من مؤيدي الانقلاب بمصر لطابور المعتذرين المقرين بخطئهم، يعلن بعضهم الاعتزال بوضوح، وينسحب آخرون بهدوء، ويفضل الباقون نقد الأوضاع في فضاء التواصل الاجتماعي، ومن بين هؤلاء رجل الأعمال المقيم في النمسا، محمد فريد حسنين، عن تحويله مبلغ 10 آلاف يورو إلى عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، جورج إسحاق، دعمًا لحركة “تمرد” الداعية لانقلاب 30 يونيو 2013، معلنًا اعتذاره بشأن دعم الانقلاب ضد الرئيس محمد مرسي، وعدم مسامحة نفسه أبدًا عن هذه السقطة.
“حسنين” آخر التائبين من طابور الانقلاب، وكتب على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “مصطفى بكري كان صحفيا فقيرا، ومن خلال مسحه جوخ كل الكلاب من حاملي السلاح، أصبح ملياردير دولارات، ومصطفى الفقي كذلك.. هذا كلام أعرفه، وكان الجميع يسعى لتجنيدي منذ عام 1968، ولم ينجني إلا هجومي الشديد على أمريكا وإسرائيل وأمن الدولة، وإدانتي الفورية للقهر والديكتاتورية”.
وأضاف حسنين: “أخي نبيل كان دائمًا يردد أنا مش فاهم هما عاتقينك ليه، وبعض الأصدقاء كانوا يقولون أنت متفق معاهم وبتمثلوا علينا، والدكتور محمد عباس قال لي مرة كل اللي بيصفقوا لك بيتمنوا القبض عليك، وكان رئيس مجلس الشعب السابق، فتحي سرور، يقول للأعضاء: محمد فريد كما القنفذ، هايشوك اللي يحاول يحطه في عبه”.
وتابع: “79 سنة كان فيهم خطأ واحد، بل خطيئة، وهي مهاجمة صديقي الدكتور محمد مرسي بعدما أصبح رئيسًا للبلاد، وتمويل حركة تمرد بعشرة آلاف يورو، حولتهم إلى جورج إسحاق يوم تصورت أن الانقلاب منفعة.. اعتذرت ولعنت نفسي، ولن أسامح نفسي أبدًا على هذه السقطة”.
كانت لوثة
وقال حسنين: “كانت سقطة ليس لها مبرر أو تفسير، كنت بغباء أمارس استمراري في نقد كل رئيس، وكان عليّ أن أذهب إلى صديق الكفاح في مجلس الشعب الدكتور مرسي أساعده بدلاً من أن أهاجمه.. عاشرت الإخوان طويلاً في القاهرة والقليوبية، وكانوا قمة في الأخلاق وعفة اللسان.. كانت لوثة أصابتني، ولن أغفر لنفسي إلى مماتي هذه الخطيئة والسقطة”.
“حسنين” ليس كغيره الذين وقفوا ضد الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، والآن لا صوت لهم ضد السفيه عبد الفتاح السيسي رغم انتهاكاته غير المسبوقة في تاريخ مصر، بل خرج واعترف وتكلم، وربما لا يكون ذلك خداعًا أو تمثيلية كالتي قام بها أستاذ العلوم السياسية، والإعلامي الدكتور معتز بالله عبد الفتاح، عندما أراد مزيدًا من الشهرة فأعلن عن توبته من دعم الانقلاب، عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك.
وظهرت حالات التعجب بين مصدق وبين من قال أنه لعبة من أحد أكبر داعمي الانقلاب، منذ بدء مخطط الانقلاب على الرئيس مرسى عام 2013، وقال عبد الفتاح: “إنه اكتشف أن أمراضًا أخلاقية خطيرة تسللت إلى نفسه، وأنه لن يكون قادرًا على التواصل في الفترة القادمة”، لكنه عدل عن توبته التي لم تكن سوى محاولة أخرى للخداع، بقصد إرهاق وإحباط نفسية رافضي الانقلاب وداعمي الشرعية، أو لعل جاء الوقت لإحراق ورقة جورج اسحق التي انتهت صلاحيتها، وفضحه بين العالمين مثل يهوذا.. من يدري، لكن من لسعته شوربة 30 يونيو وجب عليه أن ينفخ في زبادي المغادرين طابور الانقلاب.