خبير: المقاطعة السعودية للبضائع التركية ضعيفة ولن تصل لمرحلة “ليّ الأذرع”

- ‎فيعربي ودولي

قال الخبير الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي إن كلا من "الرياض" و"أنقرة" يستطيعان أن يتوجها بتعاملاتهما التجارية لدول أخرى، حيث إن البضائع المتبادلة لا تمثل سلعًا استراتيجية حصرية لأي من البلدين ولا يمكن أن تصل الأمور لمرحلة “لي الأذرع”.
واضاف في ورقة بعنوان "مقاطعة الرياض الاقتصادية لأنقرة: السيناريوهات القائمة" أن طبيعة العلاقات الممتدة بين البلدين تفرض نفسها لمرحلة جديدة قد تستهدف بقاء المعاملات الاقتصادية الحالية عند سقفها الحالي، أو أقل بقليل، لكنها لن تشهد زيادات ملموسة، نظرًا لاختلاف التوجهات السياسية الدولية والاقليمية بين البلدين، فضلًا عن استمرار ملف مقتل الصحفي جمال خاشقجي مفتوحًا.

سيناريوهات مفتوحة
وعلى موقع "البيت الخليجي للدراسات والنشر" قال السياسة تفرض واقعًا جديدًا، يؤثر على مستقبل العلاقات الاقتصادية بين السعودية وتركيا. موضحا أنه في حال التصعيد، يمكن أن تصل التعاملات التجارية لأقل معدلاتها بل من الممكن أن تتلاشى، وكذلك النشاط السياحي والعقاري والاستثماري.

وعن سيناريوهات متوقعة، أشار إلى أن حملة المقاطعة  يمكن أن تكون سحابة صيف عابرة، وأن يكتفي الموقف السعودي برسالة احتجاج لدى النظام التركي، مفادها؛ أن لدى السعوديين أوراق ضغط يمكن توظيفها في أي وقت. وأن السيناريو يدعمه أن "الدعوة لمقاطعة تركيا اقتصاديًا لم تصدر من أي مسئول حكومي بل من خلال مجتمع الأعمال، وفي شخص رئيس الغرف التجارية".

وأضاف "يمكن تفسير عدم صدور مقاطعة سعودية رسمية لتركيا اقتصاديًا، أو في شكل قانون أو قرار حكومي، بأن السعودية تريد تفادي أن تفرض عليها عقوبات أو تعويضات من قبل منظمة التجارة العالمية، فالتعليمات الشفاهية تشي بأنه "ليس رغبة حقيقية في المقاطعة".

وأحال السيناريو الأخير إلى الواقع في الحالة التركية المصرية، فعلى الرغم من الخلاف السياسي القائم بين مصر وتركيا منذ الانقلاب العسكري في مصر يوليو 2013، ظلت العلاقات التجارية في وضعها الطبيعي ولم تتأثر إلا بشكل طفيف أثناء أزمة النقد الأجنبي في مصر في عام 2016 و2017.

وأضاف "كلا البلدين متضرر من أي قرار يؤثر سلبًا على الحركة الاقتصادية، وإن كان هذا التأثير في حجمه ضئيلًا، صحيح أن قيمة التجارة بين البلدين تبلغ نحو 5 مليارات دولار إلا أن تجارة تركيا الخارجية تزيد عن 400 مليار دولار".

توقيت النزاع
وأشار "الصاوي" ضمن ورقته إلى أن النزاع الاقتصادي التركي السعودي يأتي في أوقات غير مواتية للبلدين بسبب الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم في ظل جائحة كورونا، فتراجع أسعار النفط في السوق الدولية أثر على مقدرات الاقتصاد السعودي، ومن المتوقع أن يصل عجز الميزانية في السعودية نحو 12% بنهاية عام 2020. في تركيا، يتراجع نشاط السياحة بنسب كبيرة بسبب تراجع حركة السفر في ظل الجائحة، كما ترتفع معدلات التضخم والبطالة التي تزيد عن 13% من قوة العمل وفق بيانات يوليو 2020.

حجم التجارة

وأشار إلى أن التبادل التجاري بين السعودية وتركيا يبلغ في المتوسط نحو 5 مليارات دولار (بيانات الفترة 2017 – 2019) ويميل الميزان التجاري لصالح تركيا بنحو 800 مليون دولار، وفي عام 2019 حقق الفائض التجاري لتركيا نحو 1.2 مليار دولار. ولفت إلى أن الصادرات السلعية التركية المتجهة للسعودية ما بين الغذاء والمنسوجات والأثاث ومستلزمات الفنادق، بينما تتمثل الصادرات السلعية السعودية في المواد المعدنية والكيماوية والألمونيوم.

وأوضح أن "السياحة" هي النشاط الثاني بين البلدين، ومثلت تركيا على مدى سنوات العقد الماضي مقصدًا سياحيًا مرغوبًا للسعوديين، وبلغ عدد السياح السعوديين في تركيا خلال عام 2018 نحو 745 ألف سائح، وظل العدد قريب منه في عام 2019، إلا أن النصف الثاني من عام 2019 شهد تراجعًا في أعدد السياح السعوديين بنحو 17% بسبب تداعيات مقتل الصحفي جمال خاشقجي. في عام 2020 فرضت فيه جائحة كورونا آثارها السلبية على حركة السفر مما أثر على السياحة بين البلدين بشكل ملحوظ.

وبالمقابل أشار إلى أن 80 ألف حاج تركي يمثلون موردًا سياحيًا مهمًا للسعودية، وبلغ عدد السائحين الأتراك للسعودية بغرض أداء العمرة نحو 110 ألف معتمر في عام 2019. وإذا استطاعت السعودية أن تمنع سائحيها عن تركيا فإن أداء الشعائر الدينية قد يحول دون أن تتخذ تركيا خطوة مماثلة، وبخاصة في ظل حكومة العدالة والتنمية. وبحسب الورقة يقدم السعوديون على شراء العقارات في تركيا، ففي عام 2019 اشتروا نحو 2208 وحدة، ويأتي السعوديون في المرتبة الرابعة في شراء العقارات التركية بعد العراق وإيران وروسيا.

وأضاف أن الاستثمارات السعودية في تركيا قدرت بنحو 11 مليار دولار، ما بين استثمارات مباشرة وغير مباشرة. ومن السهل أن تؤثر الخلافات السياسية بين البلدين على الاستثمارات غير المباشرة بشكل سريع لإمكانية خروجها خلال فترة قصيرة، قبالة ذلك، سيستغرق خروج الاستثمارات المباشرة وقتًا طويلًا.


سيناريو الخصام
وعن تكلفة الخصام بين البلدين، قال إنه يمثل ضررًا على فرص العمل ومختلف الأنشطة الأخرى كالنقل والتأمين والشحن والتعاملات المالية والبنكية، وكما ذكرنا، فإن هذا الخلاف يأتي في ظل ظروف غير مواتية اقتصاديًا على الصعيد العالمي، وبالنسبة للبلدين أيضًا.

وأوضح أن عقودا تجارية بين قطاع الأعمال بين البلدين، وأن هناك التزامات مالية سوف تخلف مشكلات بالنسبة لرجال الأعمال، تأخر الشحن أو عدم اتمام العقود سوف يترتب عليه تعطيل للنشاط الاقتصادي في البلدين، فضلًا عن الشروط الجزائية التي يمكن أن تتضمنها العقود. مشيرا إلى أنه في حال فرضت الحكومة السعودية على مواطنيها بإنهاء علاقاتهم التجارية والاستثمارية والخدمية مع تركيا، فسيكون من الضروري تعويضهم عن الخسائر التي ستلحق بهم، وإذا ما فرضنا الاستجابة الفورية للأفراد السعوديين بالتخلص من عقاراتهم واستثماراتهم في تركيا فسيؤدي ذلك إلى بيعها بمبالغ زهيدة نظرًا لأنهم يبعيون تحت الضغط، وليس في ظروف طبيعية.

مؤسسات مقاطعة
وتبنت مجموعة شركات سعودية عاملة في القطاعات التجارية والصناعية المختلفة مقاطعة المنتجات التركية، وتشمل قائمة الشركات التي انضمت للحملة في اليومين الماضيين "مفروشات العبد اللطيف"، و"أسواق الوطنية"، و"مجموعة القفاري للأثاث والسجاد"، و"أسواق التميمي"، و"أسواق عبد الله العثيم"، و"أسواق أسترا"، و"الدانوب".

وشددت الشركات التي أعلنت هذا القرار على أنه يأتي للتضامن مع الحملة الشعبية لمقاطعة المنتجات التركية، واصفة هذا الإجراء بـ"الواجب الوطني".

وسبق أن دعا رئيس مجلس الغرف السعودية ورئيس مجلس إدارة "غرفة الرياض"، عجلان العجلان، قبل أيام إلى مقاطعة البضائع التركية.
وتشهد العلاقات بين تركيا والسعودية توتراً ملموساً منذ سنوات، خاصة بعد جريمة اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، يوم 2 أكتوبر 2018 في قنصلية المملكة بإسطنبول.