سياسة تمويل الاستهلاك.. حينما تصبح الاستدانة بديلا عن رفع الدخول!

- ‎فيتقارير

في الوقت الذي تواصل دولة الانقلاب حرب المصريين اقتصاديا، عبر حرمانهم من حقوقهم الوظيفية والاقتصادية والمالية.. يواصل السيسي خداعه للشعب عبر العديد من القرارات والمبادرات الخادعة للتعمية عن مسئولية السيسي ونظامه في إفقار الشعب والتضييق عليه.
ومؤخرا، أعلن وزير مالية الانقلاب محمد معيط، عن إطلاق صندوق «ضمان وتحفيز الاستهلاك» برأسمال يصل إلى ملياري جنيه. فيما قال المنقلب السيسي إن الصندوق يهدف إلى ضم شريحة جديدة من المستهلكين ممن لا يستطيعون شراء عقارات أو سلع معينة.

وتبعًا للسيسي، فالهدف من الصندوق هو تقديم ضمان لتمويل البنوك لهذه القروض، على نحو تكون معه الدولة قد سعت لتيسير حصول المواطنين على وحدة سكنية أو سلعة بضمان من الحكومة وبالتالي يحد من تكلفة القرض على العميل.

وخلال كلمته تحدث معيط عن "إنشاء 310 آلاف وحدة إسكان" خلال ثلاث سنوات بواقع 250 ألف وحدة إسكان اجتماعي و60 ألف وحدة إسكان متوسط، على أن يسهم الصندوق الجديد في تيسير حصول قطاعات من العملاء على تمويل لشرائها من الذين لا ينطبق عليهم شروط التمويل البنكي.

وقال وزير المالية، إن الصندوق سيعمل كذلك على «زيادة تحفيز الشركات الصناعية والخدمية والعقارية وشركات التمويل الاستهلاكي على البيع بالتقسيط وإقراض المواطنين».. ولم يوضح وزير المالية ولا السيسي تفاصيل وآليات عمل الصندوق وتفاصيل القانون المنظم لعمله.

أصل الأزمة
ويأتي هذا التوجه على خلفية محاولات الدولة لتشجيع الاستهلاك الخاص، المنكمش على خلفية تراجع الدخول وتسريح قطاعات من العاملين بسبب التداعيات الاقتصادية لتفشي فيروس كورونا، والتي كان أحدثها قرار الهيئة العامة للرقابة المالية بإدراج عدد جديد من السلع والخدمات لقائمة المنتجات والخدمات التي يشملها نشاط التمويل الاستهلاكي، من ضمنها الملابس والأحذية والحقائب والساعات والمجوهرات والنظارات، والمستحضرات الطبية والتجميلية، والأدوات والملابس الرياضية، ولعب الأطفال، والكتب والأدوات المكتبية، والمواد الغذائية، وقطع غيار السيارات.

وكان برلمان الانقلاب قد مرر قبل عدة أشهر قانونا لتنظيم نشاط التمويل الاستهلاكي، كنشاط غير مصرفي قائم على تمويل الشراء بالتقسيط، عبر شركات تعمل تحت مظلة هيئة الرقابة المالية، بخلاف النشاط البنكي في تمويل الاستهلاك الشخصي عبر قروض التجزئة، والذي يخضع لإشراف البنك المركزي.
وبحسب خبراء، فأن «انكماش الطلب يعود إلى ما قبل تفشي فيروس كورونا، حينما اتضح أن تراجع التضخم يعود في الأساس للركود الناجم عن تأثيرات إجراءات الإصلاح الاقتصادي ، والتي اتخذ أبرزها في العام 2016 وعلى رأسها تحرير سعر الجنيه ورفع أسعار المحروقات".
فيما يرى خبراء، أن تشجيع الاستهلاك يمثل توجه إيجابي طبعًا لكن تأثيراته محدودة في ظل نقص السيولة أصلًا مع تخفيض الأجور فضلًا عن تسريح قطاعات من العاملين…

8 قوانين انتقامية
ولعل الحنان المصطنع الذي بدا من السيسي خلال افتتاحه لثالث مرة حي الاسمرات، تفضحه قرارات السيسي نفسه والتي جاءت ضد مصلحة المواطن المصري بالأساس، وتنوعت بين قرارات بضرائب ورسوم وخصم من العاملين لمواجهة كورونا… وتحاصر الضرائب والرسوم -التي باتت تُفرض دوريًا- المواطنين من كل الاتجاهات، لم يعد حصن الراتب ولا قلعة الدخل يكفلان حماية الأسر أمام جيوش المتحصلات الضريبية التي تشن حملات متكررة على الأسر المصرية من الطبقات الوسطى والدنيا.

فمنذ قرارات “الإصلاح الاقتصادي” في عام 2016، تراجعت القوة للجنيه المصري جراء “التعويم”، وهو ما أثر سلبًا على معيشة الأسر المصرية، وهي الأسر صاحبة الدخل الضعيف في الأصل، فحسب عدد من الخبراء تجاوزت قيمة تراجع القوة الشرائية للجنيه نحو 40% من قيمته الأصلية بينما بقيت معدلات الأجور على وضعها إلا من زيادات طفيفة لا تناسب الغلاء الحادث في الأسعار.. غير أن ذلك لم يكن كافيًا في نظر البعض، فجرت ملاحقتهم بقوانين وقرارات تقتطع من دخولهم الهزيلة.

وفي 23 يونيو، أصدر السيسي، القانون رقم 83 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (147) لسنة 1984 بفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة. ويتضمن القانون- الذي وافق عليه مجلس النواب ونشر في الجريدة الرسمية- زيادة الرسوم المفروضة على بعض البنود، فضلا عن استحداث وفرض رسوم جديدة مثل عقود اللاعبين الرياضيين والأجهزة الفنية، وتراخيص الشركات الرياضية، وأجهزة المحمول والإكسسوارات، كما ينص في البند رقم (24) من المادة الثانية على فرض رسم على منتج البنزين بأنواعه بواقع 30 قرشا على كل لتر مُباع، ومنتج السولار بواقع 25 قرشا على كل لتر مُباع.
ومن ضمن الرسوم التي فرضها قانون تنمية الموارد المالية للدولة، التبغ، التي بموجبها ستؤثر على الأسعار.

وحسب البيانات الرسمية فقد نوعت الحكومة مصادر التمويلات التي حصلت عليها من خلال المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين والأسواق العالمية بعدما طرحت سندات دولية. ففي 11 مايو، حصلت مصر على تمويل سريع قيمته 2.77 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، ثم في 17 مايو اتفقت القاهرة مع البنك الدولي على قرض بقمة 50 مليون دولار، وفي 31 مايو طرحت مصر سندات دولية بقيمة 5 مليارات دولار، ثم في 5 يونيو توصلت إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد على قرض بقيمة 5.2 مليار دولار.
القروض التي اتفقت عليها القاهرة هي قروض طويلة الأجل حصلت منها حتى الآن على 7.77 مليار دولار، موزعة بين 2.77 مليار مليار من صندوق النقد، في إطار إتفاق أداة التمويل السريع، و5 مليارات دولار قيمة سندات طرحتها.
علاوة على كل ذلك ، يواصل السيسي رفع اسعار التصالح بمخالفات البناء بكريقة جنونية بجانب الهدم المتسارع لكثير من العقارات التي بنيت بتواطؤ مع اجهزة المحليات ومسئولي الدولة…

الشيشة والسجائر أيضا

ونص قانون فرض رسوم تنمية الموارد المالية للدولة على: “زيادة سعر التبغ الخام غير المصنع وفضلات التبغ بكل أشكاله وذلك بواقع 1.5 جنيه كل كيلو جرام صافي، والتبغ المصنع وأنواع أخرى من تبغ مصنع أو أبدال تبغ مصنعة وتبغ متجانس أو مجدد وتبغ الشيشة وخلاصات وأرواح تبغ وذلك بواقع 3 جنيهات عن كل كيلو جرام صافي منها”.
القرار اشتمل على فرض الرسوم على الهواتف المحمولة والإكسسوارات، وأجزائه دفع لزيادة بواقع 5% من قيمتها مُضافا إليها الضريبة على القيمة المضافة وغيرها من الضرائب والرسوم الأخرى.
وفي 22 مارس الماضي، ومع بداية تفشي جائحة كورونا في مصر، أعلن السيسي أن الدولة المصرية رصدت 100 مليار جنيه لمواجهة تداعيات هذا الفيروس منذ بداية ظهوره، قائلا: “خصصنا هذا المبلغ واتقال هيتجاب منين.. مصر مش دولة قليلة”.
ورغم تخصيص 100 مليار لمواجهة تفشي فيروس كورونا، إلا أن الحكومة قررت خصم 1% من جميع العاملين لمدة عام لمواجهة الفيروس، كما قررت خصم 0.5% من أصحاب المعاشات للغرض ذاته.

التنكيل بالعاملين بالدولة

وايضا في 20 مايو، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون بشأن المساهمة التكافلية لمواجهة بعض التداعيات الاقتصادية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، ونص مشروع القانون على أن يُخصم شهرياً، اعتباراً من أول يوليو 2020، لمدة 12 شهراً، نسبة 1% من صافي دخل العاملين في كافة قطاعات الدولة، المستحق من جهة عملهم أو بسبب العمل تحت أي مسمى، ونسبة 0.5% من صافي الدخل المُستحق من المعاش لأصحاب المعاشات، للمساهمة في مواجهة بعض التداعيات الاقتصادية الناتجة عن انتشار فيروس كورونا.

وأوضح مشروع القانون أنه يُقصد بالعاملين بكافة قطاعات الدولة في تطبيق أحكام هذا القانون، العاملون بالجهاز الإداري للدولة، ووحدات الإدارة المحلية، والهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، والجهات والأجهزة والهيئات التي لها موازنات مستقلة، أو بالجهات والأجهزة التي تشملها الموازنة العامة للدولة، وغيرهم من العاملين الذين تنظم شؤون توظفهم قوانين أو لوائح خاصة، وذوو المناصب العامة، والربط الثابت، وكذا العاملون بشركات القطاع العام، وشركات قطاع الأعمال العام، والشركات التي تمتلك فيها الدولة نسبة من رأسمالها، والعاملون بالقطاع الخاص، والبنوك، بمن في ذلك العاملون بالوحدات ذات الطابع الخاص والحسابات والصناديق الخاصة، وذلك كله سواء كان العامل شاغلاً لوظيفة دائمة أو مؤقتة أو مستشاراً أو خبيراً وطنياً أو بأي صفة أخرى.

وفي ظل الأزمة، ورغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي مرت بها كثير من الأسر المصرية جراء الجائحة، أقدمت الحكومة على رفع أسعار الكهرباء.
ففي يوم 9 يونيو، أعلن وزير الكهرباء محمد شاكر، في مؤتمر صحفي، خطة الحكومة لإعادة هيكلة أسعار الكهرباء وفقا لخطة رفع الدعم تدريجيا حتى يوليو 2021، بنسبة زيادة قدرها 19.1%.
كما قال إن نسبة الزيادة الجديدة للقطاع المنزلى ستكون 19.1%، بينما كانت العام الماضي 21%، قائلا إن الدولة ستتحمل 22 مليار جنيه دعم للقطاع الصناعي خلال الـ 5 سنوات القادمة بعد تثبيت سعر الكهرباء للقطاع الصناعي لمدة 5 سنوات.
وبدأت وزارة الكهرباء والطاقة، مطلع الشهر الجاري، تطبيق (الزيادة السابعة) في أسعار الكهرباء على الاستهلاك، للقطاعين المنزلي والتجاري، بنسب تتراوح بين 16-30% للعام المالى الجديد (2020-2021).

راديو السيارة.. ضريبة استماع!
ولم تكتف الحكومة برفع أسعار الكهرباء ولا الخصم من أجور الموظفين لمواجهة كورونا، لكنها استمرت في سياساتها الضريبية المفروضة على المواطنين حتى أنها فرضت رسومًا على “راديو السيارة”.
حيث وافقت لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب مطلع يوليو الجاري، على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٨ في شأن رسوم الإذاعة والأجهزة اللاسلكية ونص مشروع القانون المقدم من الحكومة، على أن يتم استبدال بنص الفقرة الأولى من المادة ٢ من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم ٧٧ لسنة ١٩٦٨ في شأن رسوم الاذاعة والأجهزة اللاسلكية.

وتؤول حصيلة الرسم إلى الخزانة العامة للدولة، على أن يتم تخصيص نسبة ٤٠ % من حصيلة الرسم للهيئة الوطنية للإعلام، ونسبة ١٠ % للجهات القائمة على متابعة هذه الأجهزة والتي يتم تحديدها بموجب قرار يصدر من مجلس الوزراء، ونسبة 10 % لوزارة الداخلية، وتلتزم ادارات المرور المختصة بتحصيل الرسم، ويتم توريده إلى وزارة المالية بما لا يجاوز الاسبوع التالي لتحصيله.
وحسب عدد من الخبراء فإن القروض التي تجريها الدولة تدفع دومًا في اتجاه إلزام المواطنين برسوم وضرائب جديد من أجل الالتزام بسداد العوائد والمستحقات، وهو ما يقع رأسا على كاهل المواطن.
وخلال العام الجاري، دبرت حكومة الانقلاب قروضا خارجية جديدة بنحو 13 مليار دولار، لدعم ومواجهة الآثار التي خلفتها أزمة فيروس كورونا، منذ بدايتها في منتصف مارس الماضي.