علاء الأسواني.. الشاهد الوحيد

- ‎فيمقالات

عندما تكتب شهادتك على الأحداث، والأشخاص، فإن أبسط قواعد احترام عقل القارئ أو المستمع أن تقدّم إجاباتٍ على ثلاثة أسئلة أساسية: متى وأين ومن؟. ذلك أن الشهادات التاريخية تختلف عن عمليات حكّ الذاكرة وكحت الذهن، أو شفط الأحداث، لملء الصفحات بحكايات فارغة، منزوعة عن سياقيها، الزمني والمكاني.

وما يعبئ به علاء الأسواني مساحات النشر الصحافي ينتمي إلى هذا النوع الأخير، إذ يتقمّص شخصية الراوي والبطل ومحرّك الأحداث، إذ يسكب في ثالث حواديته عن الرئيس محمد مرسي ما يلي: دعاني الرئيس محمد مرسي، مع بعض السياسيين والشخصيات العامة، من أجل الاستماع لآرائنا ومناقشتنا في قضايا الوطن (هكذا قال لي في التليفون من دعاني). ذهبت في الموعد المحدد، فوجدت معظم المدعوين من الإسلاميين مع بعض المنتمين إلى التيار المدني.

ثم يضيف: كان الرئيس مرسي جالسا أمامنا، وبجواره شخص يدير الجلسة، وقد أعطى الكلمة للإسلاميين على مدى حوالي ساعة. طلبت الكلمة وطلبها زملاء من التيار المدني فلم يلتفت إلينا مدير الجلسة، حتى اضطررت إلى الوقوف وتوجهت بكلامي إلى مرسي.

شيءٌ أقرب إلى التنكيت أن ترتدي ثوب المؤرّخ من دون أن تحدّد مناسبة اللقاء/ الدعوة، وأن تجهّل من حضروا، إذ لا يستقيم منطقًا أن تنصب نفسك شاهدًا على حدث، ثم تقول”الرئيس وبجواره شخص”، فمن حق المتلقي أن يعرف منك من هذا الشخص الذي يدير جلسة رئاسية على هذا المستوى، وإلا فشهادتك ناقصة ومختلة، ومضللة.

تستمر الدهشة من الاستمرار في تلبية دعوات الرئيس للقاء، للمرة الثالثة، بينما أنت حسمت الأمر منذ اللقاء الأول بعبارة كوميدية زاعقة “أدركت منذ اللحظة الأولى أنه لا يصلح رئيسًا وأن الحوار معه لا جدوى منه”. من حق القارئ أن يعرف هنا لماذا كان اللقاء الثاني، بعد أن اقتنعت من اللقاء الأول بأن الحوار معه عبث ولا طائل منه؟.

حسنًا، ستقول أنك قررت منحه فرصة ثانية، انتهت، حسب روايتك، بتثبيت قناعتك بأنه ليس رئيسًا، وأن الحوار معه ليس حوارا، فلماذا كانت الثالثة، والأهم متى كانت الثالثة، وفي أي سياق؟.

الشاهد أن هذه طريقة تنتمي إلى الكلام الذي لا يقول شيئًا، محض ثرثرة واجترار لعبارات مطّاطية، تقفز على المقدّمات، لتصل إلى نتائج محددة سلفًا، تخدم سردية تفتقر إلى أبسط الدلائل والعلامات. “انتهى اللقاء وقد تأكد لي أن محمد مرسي غير مؤهل للمنصب الذي يشغله، بل إنه في الواقع ليس رئيس الدولة، وإنما مندوب مكتب الإرشاد في رئاسة الجمهورية” هذا ما يعلنه الأسواني بعد اللقاء الثالث، مجهول الزمان والمكان، غير أن المفارقة، مرة أخرى، أن العبارة ذاتها تكرّرت عقب اللقائين الأولين، فلماذا تهدر وقتك وطاقتك، وتخالف قناعاتك، وتذهب إلى مسرح العبث واللاجدوى، بدلًا من المرة ثلاثا؟.

يواصل الأسواني حكايته غير المسلية على الإطلاق، مبينًا كيف انتزع الميكروفون من الإسلاميين الأوغاد، وعنّف الرئيس مرسي على تكريم المشير طنطاوي والفريق عنان، بعد الإطاحة بهما، فيقول: هنا قاطعني أحد الإسلاميين قائلا:

– ربما يكون طنطاوي وعنان قد تابا وأصلحا والحسنات يذهبن السيئات.

أجبته قائلا:

– الحسنات يذهبن السيئات في الذنوب الشخصية. أما من قتل الناس ظلما فلا بد من محاكمته.

مرة أخرى، لماذا يخفي الأسواني اسم هذا “الكائن الإسلامي” الذي قاطعه؟ لماذا لا يكشفه لجمهوره؟

ربما يفعل ذلك مدفوعًا بوهم أنه الشاهد الوحيد والبطل الوحيد، وكل من حوله والعدم سواء، غير أن الأرجح أنه يدرك هشاشة روايته ورطانة سرديته، ومن ثم لا يريد لأحدٍ أن يراجعه، أو يناقشه، لا هذا “الإسلامي النكرة”، ولا المتلقي الذي من حقه، بل من واجبه، أن يستكمل الجانب الآخر من الرواية.
نقلا عن “العربي الجديد”