كارثة جديدة بأزمة سد النهضة.. قروض ومنح للسيسي والجوع للمصريين

- ‎فيعربي ودولي

يتجه نظام قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي نحو كارثة جديدة لا تقل في خطورتها عن اتفاق المبادي بالخرطوم في مارس 2015 والذي شرعن بناء السد الإثيوبي وأتاح لأديس أبابا الحصول على تمويل دولي لبدء البناء واستكمال الإنشاءات ومثل تفريطا في حقوق مصر المائية.

الخطوة الجديدة الذي يتجه إليها نظام السيسي، هي الدخول في اتفاقات جديدة مع الصين والاتحاد الأوروبي ودول أخرى "كل على حدة" بهدف الحصول على مجموعة من القروض والمنح "التي سيظل قسم كبير منها سرياً غير معلن"، لتخصيصها لمشروعات رفع كفاءة شبكة الري ومياه الشرب وتحسين استفادة مصر من كميات المياه الواردة إليها وتنقيتها وجلب نظم حديثة لتحسين الجودة والتحلية والمعالجة، بقيمة إجمالية ستفوق 350 مليار جنيه مصري، وتمثل هذه القيمة النسبة الأكبر من مبلغ إجمالي قدره 430 مليار جنيه لتنفيذ جميع المشروعات الخاصة بهذا المجال خلال 10 سنوات، بحسب تقرير نشرته صحيفة "العربي الجديد" نقلا عن مصادر مطلعة بحكومة الانقلاب.

اتفاق القروض والمنح الذي ينوي السيسي الدخول فيه تعويضا على الخسائر الناتجة عن ملء أثيوبيا لبحيرة سد النهضة يقابل بمخاوف من جانب جهات سياسية واقتصادية حكومية تخشى من التأثيرات السلبية لهذه القروض، التي توقعت المصادر نفسها، ألا تقلّ نسبتها عن 70 في المائة من المساعدات المتوقعة. وهو ما يحمّل الاقتصاد المصري الذي يشهد أصلاً معضلات كبرى، مشاكل جديدة، يمكن أن تدفع به إلى مآلات غير مسبوقة، تهدده بمخاطر تقترب من حافة "الخطر الذي لا يمكن علاجه"، خلال عقود.
ووفقا للمصادر الحكومية، فإن الفترة الماضية التي شهدت تعليق مسار التفاوض بشكل مؤقت من النواحي الفنية والقانونية حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة، فتحت سلطات الانقلاب عبر المخابرات العامة ووزارتي الخارجية والتعاون الدولي قنوات اتصال مع الأطراف الرئيسية المراقبة لمسار المفاوضات، مثل الولايات المتحدة والصين والبنك الدولي وفرنسا وألمانيا ومفوضية الاتحاد الأوروبي. وطالبت حكومة السيسي هذه الجهات بدعم جهودها لتلافي الضرر من إنشاء سد النهضة، طالما استمر إخفاق المجتمع الدولي في حسم القضية وإلزام جميع الأطراف بها. ووفقا لمصادر حكومة أخرى فإن اتفاقات المنح والقروض تمضي بالتوازي مع مطالب القاهرة حول ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم لجميع الأطراف.

الصين أكثر تجاوبا
وبحسب المصادر الحكومية فإن الصين كانت الطرف الأكثر تجاوبا، حيث جرى استئناف الاتصالات التي بدأت بين الطرفين نهاية الشهر الماضي؛ لاستكشاف ما يمكن لبكين تقديمه لحلحلة الأزمة، بالضغط على الجانب الإثيوبي أو بتقديم مساعدات "كبيرة" لمصر لمساعدتها على تلافي الأضرار المتوقعة بما لها من خبرات طويلة في التعامل مع قضايا الأنهار. وتركزت المباحثات المصرية الصينية حول العرض الذي سبق أن قدمته بكين لتقريب وجهات النظر منتصف الشهر الماضي، والذي يمثل محاولة لتحسين العلاقات وتلافي اهتزاز الثقة بين الجانبين، بعد إعاقة الصين طرح مشروع القرار المصري المدعوم أميركياً في مجلس الأمن، لإلزام إثيوبيا باستئناف المفاوضات ومنع الملء الأول المنفرد للسد".
من جهة أولى فإن العرض الصيني يقوم على دخول بكين كوسيط مستقل لمحاولة تقديم حلول وسط بين الجانبين على أن يتم إعدادها بواسطة أخصائيين فنيين تابعين للحكومة الصينية، لكن مصر فضلت آنذاك إرجاء خطوة التدخل المباشر بهذا الشكل إلى ما بعد انتهاء المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي.

من جهة ثانية، يقترح العرض الصيني دعم بكين لجهود مصر في معالجة المياه ورفع كفاءة تحلية المياه وإعادة استخدامها وتحسين جودة مياه النيل ذاتها، من خلال جلب منظومات جديدة للتعامل مع أشكال من التلوث المتوقع دخولها على مياه النيل لأول مرة جراء تغيرات عدة ستحدث على منظومتي الري الإثيوبية والسودانية بسبب السد، بما سيغير الطبيعة البيئية للمياه الواصلة إلى بحيرة ناصر.

من جهة ثالثة، رأت الصين في هذا الأمر فرصة لن تتكرر كثيراً لزيادة تأثيرها الاقتصادي وتعميق مستوى التعاون مع جميع الدول الرئيسية بحوض النيل، خصوصاً أن الولايات المتحدة في مساعدتها الحالية لمصر في الملف تبدو متأخرة في عرض الإعانات على المستوى الفني تحديداً، وتركز بشكل أكبر على الجانب السياسي والضغط على أديس أبابا.
وفقا للتقارير الفنية فإن الأضرار المتوقعة على مصر جراء بدء أثيوبيا تخزين المياه لا يقف فقط عند خروج آلاف الأفدنة من الرقعة الزراعية على مراحل، ربما تبدأ في عام 2022، ولكن أيضاً عن المصروفات الضخمة التي يتحتم على مصر أن تنفقها في المستقبل البعيد لعلاج نتائج التطور الذي سيطرأ على استخدامها للأغراض الزراعية والصناعية والتنموية في كل من إثيوبيا والسودان، من استخدام مكثف للمبيدات وزيادة كميات الصرف الصناعي والزراعي في حوض النيل.

هذه الأضرار المتوقعة لن تواجه إلا بحزمة مشروعات ضخمة تتعلق بمنظومة المياه المصرية الحالية، لأنها تتعامل مع واقع جديد تماما لم تشهده مصر من قبل، لكن هناك دولاً عدة لها خبرات في التعامل معها كالصين.

لماذا يفضل السيسي الصين؟
بحسب المصادر الحكومية فإن تفضيل السيسي للصين على حساب الأوروبيين جاء بسبب القلق الذي يسيطر عليه من استدعاء بعض القوى الأوروبية كوسطاء لحلحلة المفاوضات وتقديم المساعدات، وذلك لعدم إبداء تلك القوى تعاطفاً تجاه مصر من قبل وطرحها حلولاً يراها تمثل خرقاً للسيادة المصرية وتفتح الباب لممارسة ضغوط عليها لتغيير أولويات إنفاقها المحلي. ومن هذه الحلول، اقتراح التكفل بإدارة نظام لرفع كفاءة إدارة المياه مقابل قبول خطة ملء وتشغيل أكثر مرونة لصالح إثيوبيا، فضلاً عن الرقابة الأوروبية الصارمة لأموال المنح والقروض المقدمة منها، على عكس الصين المتساهلة في هذا الشأن.
هذه الاعتبارات لم تمنع السيسي من فتح قنوات اتصال أيضاً مع القوى الأوروبية، لتأمين مزيد من المساعدات لنفس الأغراض، مع الضغط على مسألة ضرورة الحفاظ على مصر كشريك تنموي وسياسي واقتصادي مهم للأوروبيين، وعدم ملاءمة تركها فريسة لأضرار قد تغير الملامح الجيو استراتيجية للمنطقة بالكامل، بسبب تحكم إثيوبيا في المياه.