لعدم إحراج السيسي.. هل يؤجل المصريون الانتحار إلى ما بعد مؤتمر شباب شرم الشيخ؟

- ‎فيتقارير

بين انتحار مضى وآخر على وشك، ينطلق اليوم “مؤتمر الشباب العالمي”، للعام الثالث على التوالي في مدينة شرم الشيخ المصرية، والذي ينظمه جنرال إسرائيل السفيه عبد الفتاح السيسي، ويحضره في هذه النسخة نحو ثمانية آلاف شاب وشابة من مختلف الجنسيات، ومن ضمنهم الجنسية الإسرائيلية.

وبحسبة رياضية بسيطة، لو أن كل فرد كلّف خزينة “الشعب الفقير أوي” نحو ١٥٠٠ دولار ما بين تذاكر وإقامة وأكل وشرب وانتقالات داخلية، فالأرقام تخبرك عن إهدار ١٢ مليون دولار، أي ما يساوي ٢٠٤ ملايين جنيه مصري تُلقى على الأرض دون سبب ودون جدوى اقتصادية، ثم يتجرأ السفيه بعدها ويقول: “احنا فقرا قوي”!

غسيل الأموال

وتستقبل مدينة شرم الشيخ منتدى شباب العالم، المستمر حتى 17 ديسمبر الجاري، والذي يعد بمثابة ترويج للسفيه السيسي أقرب إلى غسيل الأموال، حيث تزينت مدينة شرم الشيخ لاستقبال الشباب والوفود المشاركين في المنتدى العالمي، ليكونوا سفراء ومتحدثين عن جنرال الخراب، عند عودتهم إلى بلادهم.

وعلى عكس السواد الذي يلفح كل بيت مصري منكوب بحادثة انتحار، تلونت الأعمدة في شوارع شرم الشيخ، بلافتات وبانرات المنتدى على مختلف الأشكال، والتي ترسم وجوه الشباب من دول العالم.

وشهدت الأماكن المحيطة بقاعة المؤتمرات الدولية، أعمال إنشاء لجدارية القمة العربية الأوروبية، التي أقيمت في شرم الشيخ، فبراير الماضي، لتضم الجدارية الصورة التذكارية التي تجمع رؤساء العالم مع السفيه السيسي.

وانطلق منتدى شباب العالم لأول مرة فى عام 2017 بمشاركة السفيه السيسى، وفى نسخته الأولى حشد العسكر أكثر من 3200 من الحاضرين من 113 دولة، ووصل عدد المحشودين إلى 5000 شخصا فى عام 2018، أعمارهم بين 18 و40 عامًا من 169 دولة.

يجري ذلك، بينما تصرخ إحصائيات منظمة الصحة العالمية لتحذر من ارتفاع معدلات الانتحار بشكل كبير، التي تتجاهلها سلطات الانقلاب العسكري، فرغم أن إحصائيات المنظمة أظهرت تصدر مصر المركز الأول عربيًا بـ3799 حالة انتحار متفوقة بهذا العديد من مناطق الحروب، إلا أن حالات الانتحار ما زالت تتوالى يومًا تلو الآخر.

يدل هذا الوضع على خطأ ما في النظام الاجتماعي، وهو الخطأ الذي أشار إليه عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم، حينما أكد أن ارتفاع معدلات الانتحار هو إشارة دالة على التفسخ الاجتماعي، وأن القوى الاجتماعية هي الفاعل الرئيس لإقدام الفرد على الانتحار.

الخلاص

واستمر المعدل في الارتفاع إلى أن احتلت مصر المركز 96 عالميًا من حيث حالات الانتحار بين صفوف الشباب، حيث تجاوز عدد المنتحرين سنويًا 4250 منتحرًا، وفق دراسة أجرتها الصحة العالمية عام 2017.

حادث انتحار طالب بكلية الهندسة، نهاية نوفمبر 2019، من أعلى برج القاهرة، لم يكن الأول، كذلك الشائع في مصر عمليات الانتحار تحت عجلات المترو، ففي اليوم التالي انتحر شاب عشريني أمام المترو بمحطة أرض المعارض، وبين هذا وذاك تتوالى الأخبار بشكل شبه يومي عن حالات انتحار جديدة بين الشباب.

وهي الحالات التي وثقها كتاب “شهقة اليائسين”، الذي رصد حالات الانتحار في مصر والوطن العربي، وطبقًا للكتاب فإن الفئة العمرية الأكثر إقبالاً على الانتحار في مصر هي ما بين 15 و25 عامًا، حيث تبلغ نسبتهم 66.6 % من إجمالي عدد المنتحرين في كل الفئات.

تأتي بعد ذلك نسبة المنتحرين من المرحلة العمرية ما بين 25 و40 عامًا، حيث تمثل النسبة الأكبر لانتحار الرجال. وفي المرتبة الثالثة تأتي الفئة العمرية من 7 إلى 15 عامًا، إذ بلغت 5.21 % من إجمالي المنتحرين في مصر.

وفي محاولة تفسير ارتفاع معدلات الانتحار، نجد النظريات المفسرة والمتنوعة بين النفسية والاجتماعية والاقتصادية، فالنظريات النفسية ترى أن الانتحار هو نتيجة إخفاق دوافع الفرد العدائية نحو التعبير عن نفسها، فيتم توجيهها نحو الذات حيث يتم تدميرها بالقتل.

وأبرز الأسباب المسببة للانتحار هنا الاكتئاب، فالمكتئب يشعر باليأس ما يدفعه للتخلص من حياته بالانتحار، ويزيد هذا الدافع لديه أنه يركز تركيزًا انتقائيًا على المعلومات والخبرات التي تتطابق مع ما لديه من صيغ معرفية سلبية عن نفسه وعن العالم والمستقبل.

وتحولت وعود الرفاهية التي أطلقها السفيه السيسي غداة انقلابه العسكري في يونيو 2013، إلى سراب بقيعة، وعادت عصابة الانقلاب للبطش بالشعب حتى إنها ما عادت تفرق بين مؤيد ومعارض، وتراجع دور مصر إقليميًّا ودوليًّا، واشتدت الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وأصبح الموت بالنسبة للمصريين هو الخلاص مما حل بهم.