لماذا الآن.. نيويورك تايمز تكشف أسرار اللحظات الأخيرة في التخطيط لانقلاب السيسي

- ‎فيتقارير

في كشف للحقيقة لأول مرة منذ خمس سنوات على الانقلاب العسكري، حول الجهات الأجنبية التي مولت وخططت لتنفيذ هذا الانقلاب الدموي، كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية واسعة الانتشار، معلومات جديدة عن تعامل الإدارة الأمريكية، مع عملية الانقلاب العسكري، في 3 يوليو 2013، .

وقالت الصحيفة التي قامت بجمع شهادات مسئولين أمريكيين حول التخطيط للانقلاب، خلال تقريرها المنشور لمدير مكتبها في القاهرة ديفيد كيركباتريك، إن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما رفض الانقلاب على الرئيس مرسي لمدة يوم واحد فقط، خوفا من حدوث ردود فعل سلبية، ثم غيَّر رأيه بعد ذلك، بعد تأثير وزير خارجيته جون كيري، ووزير دفاعه جيم ماتيس اللذين كان يؤيدان موقف الجيش بشده.

وأضاف كيركباتريك الذي يعكف على إصدار كتاب جديد حول مصر والشرق الأوسط، أن تباهي ترامب بأنَّه يفعل عكس سياسة سلفه أوباما في الشرق الأوسط، غير صحيح، ففي حين أمِل أوباما بأن يكسب القلوب والعقول، يؤيِّد ترلمب البديهية القائلة إنَّ القوة الغاشمة هي الرد الوحيد على التطرف، سواء في إيران، أو سوريا، أو اليمن، أو الأراضي الفلسطينية. فقد أيَّد ترلمب رجال السياسة في إسرائيل والخليج العربي، المؤمنين باستخدام القوة في المنطقة، واعتبرهم مرشديه وحلفاءه الرئيسيين.

وبحسب الكاتب الأمريكي، فإن هذا النهج المتشدد بدأ يترسخ في ولاية الرئيس باراك أوباما بطرق عديدة، وذلك حين دعم حلفاء أمريكا في المنطقة الانقلاب العسكري عام 2013 على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس منتخب في مصر، وشكَّلت عملية انقلاب الجيش نقطة تحول في المنطقة، فقد أخمد أحلام الديمقراطية، مشجعاً في الوقت نفسه الحكام المستبدين والتطرف.

وأوضح ان السياسة الأمريكية تركَّزت على تمكين أولئك الذين يحكمون «والذين يقولون إنَّه ليس عليك سوى أن تسحق هؤلاء الأشخاص»، كما قال أندرو ميلر، الذي عمل مديراً للملف المصري في مجلس الأمن القومي التابع للرئاسة الأمريكية أثناء ولاية أوباما، والذي يعمل حالياً في مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط.

ولفتت الصحيفة إلى أكثر المؤيدين الأمريكيين للانقلاب من الإدارة الأمريكية الذين يصلون إلى مراتب عليا في إدارة ترامب، ومن ضمنهم وزير الدفاع جيمس ماتيس ومايكل فلين، أول مستشار لترمب في شؤون الأمن القومي.

ويقول الكاتب الأمريكي: “كنت مديراً لمكتب صحيفة نيويورك تايمز في القاهرة أثناء الانقلاب، وعُدت إلى تلك الوقائع بعد عدة سنوات من أجل أن أفهم دور واشنطن في ذلك الوقت بشكل أفضل. ووجدت أنَّ دعم إدارة أوباما للربيع العربي قد واجه صعوبات منذ البداية، بسبب حدوث خلافات داخلية حول القضايا ذاتها التي تظهر جلية في سياسة ترامب، وهي خلافات حول طبيعة كراهيته للإسلام السياسي، وولائه للحلفاء المستبدين مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وصعوبة إحداث تغيير ديمقراطي في مصر والمنطقة.

وأضاف أن أوباما وأقرب مستشاريه يتبنّون الرأي نفسه في تلك النقاشات. إذ كانوا يأملون بتغيير السياسة الأمريكية المترسخة، وتكوين علاقة جديدة مع العالم العربي من أجل التقليل من إغراء التطرف المعادي للغرب.

وحتى في الأيام الأخيرة التي سبقت الانقلاب، كان أوباما لا يزال يحث على احترام الانتخابات الحرة في مصر. وفي مكالمة أجراها أوباما في اللحظات الأخيرة قبل الانقلاب، ناشد الرئيس مرسي بأن يتَّخد «مبادرات جريئة» للتمسك بمنصبه، بحسب المقال. لكن معظم الشخصيات في حكومته اتَّخذت الجانب المقابل، وهو ما يعكس وجهة النظر القديمة للإدارة الأمريكية حول مستقبل الديمقراطية ووصول التيار الإسلامي للحكم، والعقبات التي تقف في وجه الديمقراطية المصرية.

وفي اجتماع للبيت الأبيض بعد يوم من الانقلاب ويومين من آخر مكالمة هاتفية مع أوباما- خضع أوباما لتلك الآراء، عندما قبل باستيلاء العسكر على السلطة. وباتّخاذه لهذا القرار، اتَّخذ خطوة أولى نحو ترسيخ السياسات التي صارت بمثابة المبادئ الأساسية لإدارة ترامب.

كيري يسب الرئيس مرسي

ولرفض الرئيس محمد مرسي الانصياع للإدارة الأمريكية كما اعتاد حكم العسكر في مصر منذ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وحتى حسني مبارك، كشف الكاتب الأميركي، أنه منذ وصول الرئيس مرسي، إلى السلطة في 30 يونيو 2012. وقد أنفق الكثير من جهده وهو يكافح المقاومة التي تبديها مؤسسة راسخة مكونة من الجنود، والجواسيس، والشرطة، والقضاة، والبيروقراطيين الذين استمروا في مناصبهم طوال ستة عقود من الحكم الأوتوقراطي، إلا أنه لم يعجب الإدارة الأمريكية لرفضه الانصياع لأوامرها.

وأشار الكاتب إلى ضغوط كل من السعودية والإمارات، اللتين خشيت حكوماتهما من الانتخابات، وارتعبت أكثر من تلك الانتخابات التي تُقدم على أنها إسلامية، من أجل إقناع واشنطن بأن الرئيس مرسي والإخوان المسلمين يُشكلون تهديداً لمصالح الولايات المتحدة.

وكشف مسؤولون أمريكيون بعد ذلك أن الإمارات كانت تقدم تمويلاً سرياً للاحتجاجات ضد مرسي، بحسب المقال.

واستطرد الكاتب الأمريكي، أن الولايات المتحدة قدمت 1.3 مليار دولار سنوياً إلى مصر على هيئة مساعدات عسكرية، أي أكثر مما تقدمه لأي دولة أخرى، ما عدا إسرائيل. وبعد الثورة عام 2011، تباهى البنتاجون بأنَّ دعمه ساعد على إقناع الجنرالات المصريين بقبول حدوث تحول في مصر نحو الديمقراطية. وبحلول ربيع عام 2013، أصبحت المحادثات بين ضباط الجيش المصري ونظرائهم من الأمريكيين عبارة عن «جلسات شكوى» متبادلة حول الرئيس مرسي، كما أخبر عدد من الأمريكيين الذين حضروا تلك الجلسات.

وأشار إلى دور الجنرال مايكل فلين، الذي ترأس وكالة استخبارات الدفاع الأمريكية في ذلك الوقت. وزار القاهرة في الشهور التي سبقت الانقلاب من أجل الحديث مع الجنرالات حول الرئيس مرسي.

كما كان وزير الخارجية جون كيري قريباً من العديد من أفراد العائلات المالكة فى الخليج الأكثر شراسة والمعادي للإسلاميين خلال العقود التي قضاها في مجلس الشيوخ، حتى إنه كان يخرج معهم في رحلات بحرية باليخت في بعض الأحيان، وأخبر الكاتب الصحفي صاحب التقرير بأنه كان يكره بشدة الرئيس مرسي.

وبحسب المقال، كان كيري أكثر انسجاماً مع عبدالفتاح السيسي أثناء الاجتماع الشخصي الذي جمعهما، وكان رئيس المخابرات العسكرية المصرية في ذلك الوقت، الذي أصبح وزيراً للدفاع قبل بضعة أشهر فقط من ذلك. قال السيسي لكيري كما ذكر لي فيما بعد «لن أسمح لبلادي بالانهيار». وقال كيري وعلامات الارتياح بادية عليه، كان يعلم حينها أن «وضعية مرسي لم تكن جيدة» لقد كان السيسي مستعدا للتدخل، بحسب الصحيفة الأمريكية.

وتابع: أخبرني دبلوماسيون أمريكيون كبار في القاهرة، في مارس، أن التدخل العسكري كان «غير متوقع». ولكن بحلول الشهر التالي، التقطت السفيرة آن باترسون إشارات أخرى من كبار الجنرالات. وأخبرني أحد المسؤولين من أنها حذّرت بعض الأشخاص في البيت الأبيض عبر بريد إلكتروني مشفر، من أنه «من المحتمل حدوث انقلاب في غضون بضعة أشهر، إذا لم يكن ذلك وشيكاً»، وتوقعت أنه من المؤكد أن أي تدخل عسكري سيكون عنيفاً.

بحسب الصحيفة ، كان البيت الأبيض يرسل وزير الدفاع تشاك هيجل للتحدث عن نقاط يقصد بها تحذير الجنرال السيسي، بأن واشنطن ستعاقبهم في حالة وقوع انقلاب. كلف قانون الولايات المتحدة قطع المساعدات عن أي جيش انقلب على رئيس منتخب. وقال تشاك هيجل للسيسي: «أنا لا أعيش في القاهرة، لكن أنت تعيش هناك. يجب عليك الحفاظ على الأمان وحماية بلدك». وقال لي أحد كبار المسؤولين في مجلس الأمن القومي، الذي كان قد قرأ نصوص المكالمات في وقت لاحق، إن الرسالة التي أرسلها هيجل «كانت مختلفة كلياً»، وأضاف: «أراد البيت الأبيض أن يؤكد على أهمية الديمقراطية»، في حين أراد هيجل أن يكون مفادها: «نريد بناء علاقة جيدة»، ولم نستطع إقناعه بالتحدث حول نقاط حاسمة.

واستكمل الكاتب الأمريكي، في مقابلة أجريت في بداية 2016، أخبرني هيجل أنه كان مغموراً في شكاوى من إسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة حول الرئيس مرسي.

وقال هيجل إن ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، الحاكم الفعلي للبلاد، والقائد العسكري، قد وصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها «العنصر الأكثر خطورة في الشرق الأوسط اليوم». وقال القادة الإسرائيليون إنهم يعتمدون على السيسي؛ لأنهم قلقون من تهديد الإخوان المسلمين عليهم، أو مساعدتهم لحماس، على الرغم من تعهدات مرسي المتكررة.

وقد قال السيسي نفسه لهيجل إن «هناك بعض القوى الشريرة والسيئة جداً التي تحيط بنا، لا يمكنك فهمها، كما يمكننا فهمها هنا»، بحسب الصحيفة .

وبحسب الكاتب الأمريكي، سحق الجيش المصري معارضي توليه الحكم، من خلال سلسلة من عمليات إطلاق النار الجماعية، التي بلغت ذروتها في الرابع عشر من أغسطس، إِذْ قُتِل ما يصل إلى بضعة آلاف شخص في ميدان رابعة العدوية شرقي القاهرة. وسُرعان ما وسَّعت الشرطة المصرية نطاق حملتها لقمع المنظمين الليبراليين المستقلين، واليساريين، والمسيحيين أيضاً. وأثار رد الفعل العنيف ضد الاستيلاء على السلطة، تمرداً متطرفاً يتمركز في شمال سيناء، الذي يستمر حتى يومنا هذا.

وأشاد الرئيس ترامب ومستشاروه بالسيسي، باعتباره نموذجاً للزعيم العربي. وقال الرئيس ترامب عندما التقى بالسيسي لأول مرة: «إنه شخص رائع تولّى الحكم في مصر، وتمكن بالفعل من السيطرة عليها».