“ماكرون” في القاهرة.. 3 عوامل تفسر أسباب مبالغة العسكر في صفقات السلاح

- ‎فيتقارير

تستهدف الزيارة التي يقوم بها حاليا الرئيس الفرنسي جون ماكرون للقاهرة، واجتماعه برئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي تحقيق عدة أهداف متزامنة تتعلق بالمخاوف الفرنسية والغربية إقليميا ودوليا. وكان الرئيس الفرنسي بدأ أمس الأحد 27 يناير 2019م زيارة للقاهرة تستغرق ثلاثة أيام وسط انتقادات حقوقية وإعلامية للزيارة التي تؤكد دعم الحكومات الغربية التي تتشدق بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان للطغاة العرب وتعزيز الاستبداد في المنطقة.

وفي منتصف أكتوبر 2018، اتهمت منظمة العفو الدولية فرنسا ببيع معدات عسكرية للقاهرة تستخدم بـ”حملات قمع قاتلة”، بين عامَي 2012 و2015، بنحو 100 مليون يورو عام 2014 فقط، فيما أمدت إيطاليا مصر بأسلحة مشابهة بأكثر من 100 مليون يورو.

مراقبون اعتبروا السباق الإيطالي الفرنسي على توريد الأسلحة للجيش المصري سباقا حول كعكة سهلة الالتهام خاصة وأن السيسي يتساهل بشكل كبير بتلك الصفقات إرضاء للغرب وشراء للشرعية وإسكاتا للأصوات المنددة بالقمع بالبلاد،

تنافس بين شركات السلاح الفرنسية والإيطالية

الهدف الأساسي من الزيارة هو تعزيز صفقات السلاح التي بدأت في 2015 حيث تسلم نظام العسكر في مصر الدفعة الأولى بينما تسلم الدفعة الأخيرة من طائرات الرافال التي وصلت قيمتها “5,5” مليار دولار في إبريل 2017. ويقوم ماكرون خلال الزيارة بتسويق أسلحة بلاده في ظل التوتر المتصاعد مع الحكومة الإيطالية، فيما تسعى الشركات البحرية الفرنسية لتوقيع عقد فرقاطة “فريم” جديدة كالتي اشترتها مصر في 2015، أو 2 “كورفيت” من طراز “جويند” التي اشترت البحرية المصرية 4 قطع منها منتصف 2014.

وكانت صحيفة “لاتريبيون” الفرنسية كشفت في تقرير لها الأربعاء 16 يناير الجاري عن وجود منافسة شرسة بين شركتي “فينكانتيري” الإيطالية، و”نافال جروب” الفرنسية، لإمداد الجيش المصري ببعض البوارج البحرية، ما اثار كثيرا من التساؤلات حول دلالات ذلك التنافس، وتوقيته، وفائدة تلك الصفقات لمصر.

نظام العسكر من جانبه يتباهى دائما بهذه الصفقات رغم الوضع الاقتصادي المتدهور ووصول العجز في الموازنة إلى “541” مليارا لأول مرة في تاريخ مصر، ومع التوترات المتصاعدة والتنافس المحتدم بين فرنسا وإيطاليا بشأن الملف الليبي وغيره من الملفات؛ فإن الشركة الإيطالية تقدمت بعرض منافس للشركة الفرنسية، لبيع فرقاطة “فريم بيرجاميني” متعددة المهام لمصر كونها النسخة الإيطالية من فرقاطات “فريم” الفرنسية – الإيطالية المشتركة والتي اشترتها قطر عام 2017.

وعرضت “فينكانتيري” الإيطالية أيضا، على مصر شراء “الكورفيت الشبحي” الأثقل من الكورفيت الفرنسي “غويند 2500″، والذي يتم بناؤه بالترسانة البحرية بالإسكندرية مع فرنسا.

وفي نفس السياق، أكدت مجلة “شبيغل” الألمانية 10 يناير الجاري أن مجلس الأمن الفدرالي الألماني وافق على بيع فرقاطة “meko a200” لمصر، مع احتمال بناء شركة “تيسن جروب” الألمانية فرقاطة أخرى للقاهرة بتكلفة تربو على ملياري يورو، وبتمويل سعودي.

وأثناء معرض (إيدكس 2018 EDEX) للسلاح بالقاهرة، وقعت البحرية المصرية عقودا في 6 ديسمبر 2018، مع “سيلينجر” الفرنسية لتصنيع القوارب المطاطية، ومع “داسو” و”رافال” لإمداد سلاح الجو المصري بقطع الغيار، دون الكشف عن قيمة تلك الصفقات، وفي أبريل 2017، تسلمت القاهرة الدفعة الأخيرة من طائرات “رافال” الفرنسية (5.5 مليارات دولار) عام 2015.

وعلى إثر تلك الصفقات اعترف المدير التنفيذي بشركة “سيلينجر”، إيفان دي كواتريباربيه أن 2017 و2018، شهدا زيادة بالصفقات العسكرية الفرنسية لمصر.

أسباب ودلالات التنافس الأوروبي

وحول أسباب ودلالات التنافس الفرنسي الإيطالي فإن ثمة عوامل تفسر هذه التوجهات:

أولا، الأمر يرجع إلى تفكك الاتحاد الأوروبي وعودة المنافسة داخل أوروبا بديلا عن التعاون عقب توقيع الشعب الإنجليزي على استفتاء الخروج من الاتحاد”؛ وهو ما انعكس على السياسة الخارجية لدول الاتحاد، ومنهم فرنسا صاحبة الإرث التاريخي بدائرة بناء المستعمرات، ومن ثم ضرورة وجود حلفاء لها لتعزيز موقفها والحفاظ على تواجدها داخل أفريقيا وزيادة رقعتها بالقارة السمراء”،

ثانيا، اقتصاديا، فمصر تعد سوقا نشيطا لفرنسا وبناء علاقات اقتصادية بالجانب العسكري يعود عليها بمكاسب كبيرة فضلا عن وضع تلك الأسلحة محل الاختبار لمعرفة مدى جدواها، وتاريخيا ومنذ عقود بعيدة تطمح فرنسا إلى التواجد بقوة بمصر”. ومن جانبه قال أستاذ العلوم السياسية نادر فرجاني، معلقا على صفقات التسليح: “انتظروا مزيدا من الديون والإفقار”.

ثالثا، ترتبط هذه الصفقات بوظيفة الدولة المصرية والتي تحددها ثوابت تتعلق بانقلاب حركة الضباط في 23 يوليو 1952م و اتفاقية كامب ديفيد 1979م، وهما العاملان المؤثران في رسم ثوابت النظام في مصر منذ سيطرة العسكر على الحكم منذ ستة عقود؛ حيث بات الدور المرسوم للمؤسسة العسكرية مرتبطا بهذه الوظيفة وهي أولا ضمان المصالح الأمريكية في المنطقة سياسيا واقتصاديا . وثانيا ضمان أمن الكيان الصهيوني وقمع أي حركات شعبية تستهدف معارضة المشروع الأمريكي الصهيوني وهو ما يتعين معه ضرورة أن يكون النظام الحاكم في مصر عسكريا للقيام بهذه الوظيفة المشبوهة وقمع أي انتفاضية شعبية تستهدف تحرير القرار المصري واستقلاله. وثالثا تشديد القبضة السلطوية على الشعب وإحكام قبضة الإمبريالية العالمية باستخدام الجيش(المخطوف من جانب كبار الجنرالات) كمؤسسة احتلال بالوكالة، لأن تحرر مصر شعبا وأرضا كارثة على سيطرة الامبريالية بالمنطقة كلها”.

رابعا، استخدام الخزان البشري المصري (مئة مليون) كقرابين بشرية لحروب السيطرة الغربية على المنطقة دون خسائر بشرية لديهم واستخدام المصريين بديلا عن ذلك، وما حدث بالحريبين العالميتين دليل على ذلك” بحسب الباحث السياسي عمرو عادل. وخامسا ترتبط وظيفة الجيش المصري بوظيفة الدولة من خلال استخدام القوة المادية المتمثلة بالسلاح والقوة البشرية لضبط المنطقة حال حدوث تغيير غير محسوب بميزان القوى، والصعود التركي والإيراني الحالي يحتاج للشريف حسين ولورانس العرب مجددا، وسيقوم الجيش المصري بذلك وستستخدم القوى البشرية المصرية بالمحرقة”.

هذه العوامل ربما تفسر بعض أبعاد ومغزى صفقات السلاح الكبرى التي يبرمها جنرال الانقلاب عبدالفتاح السيسي رغم عدم الحاجة إليها خصوصا في ظل العلاقة الحميمة التي تجمع نظام العسكر في مصر بحكومة الاحتلال الصهيوني في فلسطين بينما مواجهة ما يسمى بالإرهاب المزعوم فإنها تحتاج نوعية أخرى من السلاح غير تلك التي يشتريها النظام استرضاء للغرب وتسويقا لشرعية مفقودة، أما أهداف هذه الصفقات من الناحية الإستراتيجية فليس إلا لمواجهة تركيا أو إيران في ظل توجهات إدارة دونالد ترامب نحو تشكيل تحالف عربي جديد “ناتو عربي” يكون ذراعا عسكريا لواشنطن لتحقيق أهداف واستنزاف المنطقة بالدخول في صراعات إقليمية يكون ضحايا شعوبنا وممولة من أموال العرب والمسلمين في الخليج.