افتتح جنرال الانقلاب عبد الفتاح السيسي، اليوم الإثنين، معرض “إيديكس 2018” للصناعات الدفاعية والعسكرية، الذي يمتد 3 أيام حتى الأربعاء المقبل 05 ديسمبر، وسط حالة من الجدل والتفسيرات المختلفة حول أسباب إقامة المعرض بالقاهرة هذه السنة، رغم أن الإمارات اعتادت تنظيمه كل سنتين منذ سنة 1993، حيث أقيم أول معرض في أبو ظبي. إضافة إلى أن الشركة التي تشارك في تنظيم معرض إيديكس 2018 في مصر، هي ذات الشركة التي تشارك في تنظيم معرض إيديكس بالإمارات، وهي مؤسسة «كلاريون العالمية»، التي تعد أكبر منظم للمعارض العسكرية والأمنية على الصعيد الدولي.
استخدم النظام أبواقه الإعلامية من صحف وفضائيات لتنظيم حملة دعاية كبيرة حول أهمية وجدوى ورسائل المعرض، واستضافت الصحف والفضائيات من يطلقون عليهم “خبراء عسكريين” من أجل المبالغة في الدعاية باعتباره إنجازًا يضاف إلى إنجازات النظام، ودليلا على حالة الأمن والاستقرار التي تعيش فيها البلاد، ويمثل دعمًا لقطاع سياحة المعارض والمؤتمرات، زاعمين أن مجرد إقامة المعرض بالقاهرة يبعث برسائل طمأنة، وأنه يعد دليلا على قوة مصر ومكانتها الإقليمية في عهد جنرال الانقلاب، كما يسهم بحسب زعمهم في دعم تبادل الخبرات والتصنيع العسكري مع كبريات شركات السلاح في العالم.
المبالغة امتدت كذلك للتباهي بحجم المشاركة الدولية في المعرض، حيث تشارك أكثر من 373 شركة عارضة تمثّل 41 دولة من جميع أنحاء العالم. وستشارك في المعرض 42 شركة من الولايات المتحدة، و37 شركة من فرنسا، والصين 28 شركة، بالإضافة إلى حضور العديد من الوفود الرسمية التي سيتقدَّمها وزراء دفاع ورؤساء أركان ووزراء إنتاج حربي من مختلف الدول. ومن المتوقع حضور أكثر من 10 آلاف زائر من كبار العسكريين والمصنعين للمعدات الدفاعية على مدار الثلاثة أيام، حسب المنظمين. اللافت أنه من المقرر فتح أبواب المعرض للجمهور في اليوم الثالث فقط.
تفاخر أجوف
في مقابل بروباجندا النظام التي تستهدف المبالغة والتضخم في المعرض؛ يرى الدكتور نادر الفرجاني، الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة، أن هذا المعرض «مجرد مظاهر للتفاخر الأجوف من المؤسسة العسكرية التي تستورد غالبية سلاحها».
واعتبر المحلل السياسي د.محمد ماهر قابيل، أن ما يتم تسويقه حول المعرض هو مجرد لافتة مشبوهة ومغرضة يُراد بها الكثير من الباطل، كما حدث في الماضي عندما حدث الاستسلام تحت لافتة السلام، ونُهبت موارد مصر تحت لافتة الانفتاح، حسب تعبيره. كل هذا أدى إلى حالة من التدهور الشامل، وبالتالي الحديث عن بداية تقدم في مجال الصناعات العسكرية يبدو أمرًا مستبعدًا، كما يرى قابيل.
وكان تقريرٌ صدر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، في مارس 2018، ذكر أنَّ مصر أصبحت الآن ثالث أكبر مستوردٍ للأسلحة (بعد الهند والمملكة العربية السعودية). وفي الواقع، زادت واردات مصر من الأسلحة بنسبةٍ هائلة بلغت 225% في السنوات الـ5 الماضية، منذ أن أصبح الجنرال عبد الفتاح السيسي متربعًا على كرسي الحكم في البلاد.
ففي أثناء تلك المدة، أبرمت مصر صفقاتٍ كبيرة مع مجموعةٍ متنوعة من المُورِّدين، من بينهم الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا. وخلال الفترة ما بين 2014 حتى ديسمبر 2017 أبرم السيسي 14 صفقة سلاح، بلغت 22 مليار دولار في أول سنتين فقط حتى 2016م، كان نصيب روسيا منها حوالي 15 مليار دولار. لكن ما تم شراؤه فعليا يصل إلى 6 مليارات دولار بخلاف ما سيتم توريده خلال السنوات المقبلة.
وأظهر تقرير “معهد ستوكهولم” أن فرنسا أصبحت أكبر مورد للسلاح لمصر بنسبة 37% من إجمالي وارداتها، مستبدلة الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تحتل هذا المركز منذ السبعينيات، وكانت الأخيرة تورد لمصر 45% من أسلحتها في فترة ما بين 2008 و2012.
وكانت الولايات المتحدة قد أوقفت واردات بعض الأسلحة إلى مصر في فترة ما بين 2013 و2015، خصوصًا الطائرات المقاتلة. ورغم ذلك فقد زادت واردات الأسلحة الأمريكية إلى مصر في فترة 2013-2017 مقارنة بفترة 2008-2012 بواقع 84%، حيث رفعت حظرها على الأسلحة إلى مصر في 2015. وشكلت كل من فرنسا والولايات المتحدة وروسيا أكثر ثلاثة دول تصديرًا للسلاح إلى مصر بنسبة 37% و26% و21% على التوالي.
أكذوبة صناعة السلاح في مصر
وبالنظر إلى ما سيعرضه الجانب المصري في المعرض- بحسب تصريحات اللواء طارق سعد زغلول، رئيس هيئة التسليح بالجيش- فإنه لم يتجاوز الحديث عن منتجات «الهيئة القومية للإنتاج الحربي» و”الهيئة العربية للتصنيع”. ومنها عربة التمساح والمدرعة فهد، بالإضافة إلى أجهزة كهروبصرية، وقطع بحرية مثل الكوفيت «جوويند» ولنشات ورادارات، لكن الواقع والتاريخ يؤكدان أن مصر لديها مشكلة في تصنيع الطائرات القتالية، لأنها ليس لها باع طويل في هذه الصناعة، ولم تشهد فيها أي تطوير».
وخلال فترة الديكتاتور جمال عبدالناصر، تم الإعلان عن تدشين برنامج لتصنيع الطائرات في في 1963، وتم إنشاء مصنع 135 لمحركات الطائرات، ثم توقف المشروع سنة 1969 في ظروف غامضة بعد أن تكلف 135 مليون جنيه وقتها دون طائل.
واقع الأمر بعيدًا عن مبالغات الدعاية الصادرة عن أبواق النظام، فإن مصر تستورد معظم سلاحها من الخارج، يؤكد ذلك تصريحات اللواء جمال مظلوم بأن ثمة صعوبة في منافسة مصر للدول الكبرى في مجال تصنيع الأسلحة، لأنها ما زالت تعتمد على الاستيراد بنسبة كبيرة.
ويشير مظلوم إلى أن «إنتاج الطائرة يحتاج إلى 800 مصنع مغذٍ، وإنتاج الدبابة يحتاج إلى 1000 مصنع مغذ أو أكثر، وهذا يتطلب استيراد مكوناتها من الخارج وتركيبها في مصر، وهو ما يكلف أموالا كثيرة». بينما يؤكد كثيرون أن وضع الصناعات العسكرية في مصر لم يتغير، إنه مجرد تجميع، فلا يوجد بحسب الدكتور محمد ماهر قابيل نظام للتسليح في مصر يعتمد على الذات، وأنه لا يزال كما هو لم يتغير.
ويوضح ذلك بقوله: إن «ما يطلق عليها مسمى صناعات عسكرية، تكون في أحيان كثيرة عبارة عن تجميع وتركيب بإذن من المصدر الأصلي المصنّع للسلاح، مثلما يفعلون مع السيارات وأجهزة التلفزيون». ويضيف قائلا: «هم يقومون باستيراد مكونات الطائرة أو الدبابة وتركيبها في المصانع العسكرية، ثم يطلقون عليها صناعات عسكرية مصرية»!.