مقاطعون قسريا.. الفقراء يسخرون من”خليها تصدي وتعفن” في مواجهة الغلاء

- ‎فيتقارير

حملات ومبادرات يومية تطلقها منصات التواصل الاجتماعي لمواجهة الغلاء، في الفترةا لماضية، مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستراتيجية بشكل غير مسبوق.

فما بين هاشتاج “خليها تعفن” للحوم، و”خليها تصدي” للسيارات، و”خليها تحمض”للفاكهة و”خليها تعنس” للبنات، تنطلق هذه الوسوم والمبادرات لتحريض الغلابة على مقاطعة كل السلع التي ارتفعت أسعارها بشكل يعجز عنه الناس.

وبمجرد انطلاق هذه المبادرات والوسوم على منصات التواصل الاجتماعي، يتداولها الآلاف من الشباب، غير أن الكثير منهم لا يعرف أن ملايين الغلابة لا يحتاجون إلا إطلاق مثل هذه الحملات والمبادرات للمقاطعة، خاصة مع انتشار البطالة وتدني الرواتب، وانهيار العملة المحلية.

بينما تصب هذه المبادرات في وجود رفع التهمة عن نظام الانقلاب الذي تسبب في رفع هذه الأسعار بشكل جنوني، مع رفع الدعم عن الغلابة، ورفع سعر الوقود أضعافا كثيرة، وارتفاع فواتير الكهرباء والميباه ووسائل المواصلات بشكل غير مسبوق، ليكون المواطن الفقير هو الضحية.

خليها تعفن

وأطلق عدد من رواد موقع “فيس بوك”، حملة بعنوان “خليها تعفن”، لمقاطعة شراء اللحوم لمدة شهر، لارتفاع أسعارها.

ووصل سعر كيلو اللحوم الحمراء 140 جنيها، وبالرغم من تخفيض بعض الجزارين، سعر كيلو اللحوم إلى 100 و 120 جنيه، إلا أن هذا التخفيض جاء كارثة على رؤوسهم بحسب تصريحاتهم، نتيجة المقاطعة ، وتهديد تجارتهم بالكساد وخراب بيوتهم، في ظل ارتفاع أسعار العلف والنقل.

خليها تصدي

ورغم عدم وجود أي علاقة للغلابة بحملة خليها تصدي للسيارات، إلا أن المستشار أسامة أبوالمجد، رئيس رابطة تجار السيارات، علق على حملة “خليها تصدي”، قائلًا إن الحملة أثَّرت على قطاع السيارات بشكل عام.

وأضاف أبوالمجد، خلال مداخلة مع برنامج “90 دقيقة”، على فضائية “المحور”، أنه توجد حملتان للسيارات، هما “خليها تصدي” التي دشنت في عام 2015، و”خليها تصدي زيرو جمارك” التي دشنت خلال الأيام الماضية.

وأوضح أن السيارات تعد اقتصادًا وأموال دولة، وإذا استمرت هذه الحملة ستؤدي إلى كوارث، لأن المقاطعة خطيرة للغاية على اقتصاد الدولة، لافتًا إلى أن أكثر من 90% من المستوردين ألغوا اتفاقاتهم على استيراد السيارات لمدة 3 أشهر.

خليها تعنس

فيما تواجه حملة «خليها تعنس» ضد غلاء المهور وطلبات أولياء الأمور المبالغ فيها في الزيجات، رفضاً متزايداً في الشارع المصري، خصوصاً من فتيات اعتبروها تمثل إهانة لهن، فضلا عن كونها تدمير لبنية الأسرة المصرية وللنسل وتحريض على نشر الرذيلة والعنوسة.

كانت حملة واسعة قد ظهرت في الفترة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي والصحف المصرية تحمل رسالة إلى أولياء الأمور بأن تشددهم في مطالبهم المالية تجاه المتقدمين للزواج من بناتهم سيؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج، وينتهي إلى نتائج خطيرة أبرزها العنوسة بالنسبة لبناتهم.

وكشف استطلاع رأي أجرته صحيفة «اليوم السابع» التي تتبع مخابرات السيسي أن 53% رفضوا الحملة، و44% أيدوها، بينما اكتفى 3% من المشاركين في الاستطلاع بالامتناع عن التصويت.

وأعرب «المجلس القومي للمرأة» التابع لنظام الانقلاب عن استيائه من الحملة في بيانات إعلامية لجهة عنوانها وتحميلها للفتاة أو المرأة مسؤولية العراقيل في الزواج. وقالت أمين المجلس القومي للمرأة مايا مرسي، إن «هذه الحملات غير مقبولة، وارتفاع تكاليف الزواج لن يحل بمثل هذه الحملات».

الفقر مش محتاج “خليها”

وتوسعت خريطة الفقر في مختلف المحافظات؛ نتيجة رفع الدعم عن الغلابة، وارتفاع أسعار الغذاء والدواء، الأمر الذي أدى إلى انتشار ظاهرة الانتحار والقتل، وتشرد الأطفال، فضلا عن انتشار البطالة والاتجار وتناول المخدرات، واختطاف الأطفال، ورواج بيع الأعضاء البشرية.

وينتشر الفقر بشكل واسع في الريف المصري، خاصة في محافظات الصعيد، وبلغ عدد القرى الأكثر فقرًا 1200 قرية، كما أن أكثر من مليون أسرة فقيرة تعيش في الألف قرية الأكثر فقرًا، وأن 54% من إجمالي سكان الريف فقراء، وأن ثلاث محافظات بالوجه القبلي (أسيوط والمنيا وسوهاج) تضم 794 قرية يشكل فيها الفقراء 82% من إجمالي عدد الفقراء بالألف قرية الأكثر فقرًا. 85% من سكان الريف وحدد إحصاء الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر عام 2015، نسبة الفقر في كل محافظة، حيث بلغت فى الإسماعيلية 5%، وكفر الشيخ 55%، والغربية 6%، والسويس 7%، أما محافظة الشرقية فبلغت 21%، والدقهلية 16%، والبحيرة 9%، والقاهرة 12%، والإسكندرية 9%، والمنوفية 14%، ودمياط 29%، وبورسعيد 12%، بينما تصدرت محافظات الصعيد النسب المرتفعة، فجاءت محافظة سوهاج 57%، وتوجد تقديرات أخرى تصل بالنسبة إلى 66% في أسيوط وقنا، وتبلغ في المنيا 50%، وأسيوط 44%، وبنى سويف 32%، وأسوان 25%، وقنا 19%، والفيوم 11%، والأقصر 10%.

صعيد مصر

وقالت دراسة أجراها المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (2017)، إن 85% من سكان الريف فقراء، و42% في الحضر تحت خط الفقر، وأن الفقر يتركز بشدة في صعيد مصر، إذ تقع 762 من بين القرى الألف الأشد فقرا في المنيا وأسيوط وسوهاج، وهي قرى يعاني أكثر من نصف سكانها من فقر شديد، وتزداد خريطة الفقر في مصر تعقيدا بوجود نحو 63 في المئة من الفقراء خارج حدود هذه القرى.

وتأتي أسيوط بوصفها أفقر محافظات مصر، حيث يبلغ عدد الفقراء بها 58.1% من عدد السكان، منهم 24.8% لا يجدون قوت يومهم، فيما تحتل محافظة بني سويف المركز الثاني، حيث يبلغ عدد الفقراء بها 53.2% منهم 20.2% لا يجدون قوت يومهم، وتأتي محافظة سوهاج في المركز الثالث بنسبة 45.5%، منهم 17.2% لا يجدون قوت يومهم، في حين تحتل الفيوم المركز الرابع حيث يبلغ عدد الفقراء بها 35.4%، بينهم 10.9% لا يجدون قوت يومهم، تليها محافظة قنا 33.3% من بينهم 12.9% لا يجدون قوت يومهم، فيما تحتل محافظة الجيزة المركز الأخير بلائحة المحافظات الفقيرة بالوجه القبلي بنسبة 18.9% من سكانها 4.4% منهم لا يجدون قوت يومهم.

أما نسب الأسر الفقيرة فتحتل بني سويف المركز الأول إذ تعد 77.8% من الأسر التي تقطن فيها أسر فقيرة، تليها المنيا بنسبة 63.9%، ثم أسيوط بنسبة 58%، ثم الفيوم بنسبة 55%، ثم سوهاج بنسبة 50.9%، وأخيرًا أسوان بنسبة 45.7%.

15 مليار جنيه

وقالت الدراسة بشكل عام: إن الصعيد يحتاج إلى حوالي 15 مليار جنيه حتى يصبح متوازنًا فقط مع الوجه البحري. نسبة الأمية وكشفت الدراسة عن أن نسبة الأمية في المنيا قد بلغت 67%، وفي أسيوط 64%، وفي بني سويف 69%. وعلى مستوى الإنفاق القومي نجد أن نسبة ما يخصص للقاهرة يبلغ 49% من إجمالي الإنفاق العام للدولة، بينما نسبة ما يخصص لجميع محافظات الصعيد من هذا الإنفاق لا يتجاوز 6.7%، وهو أمر مفهوم تمامًا في ظل وجود القاهرة كمركز رأسمالي.

ويعاني 13.1% من سكان محافظات الوجه البحري من الفقر، وتعد محافظة المنوفية من أكثر محافظات الوجه البحري فقرًا بنسبة 21.7% بينهم 3.7% لا يجدون قوت يومهم، تليها محافظة الدقهلية بنسبة تصل إلى 17.7% ثم الشرقية بنسبة 16.1% والقليوبية 12.1% والإسكندرية 11.3% والبحيرة بنسبة 10.4% والغربية 10.1% والقاهرة 8.8% والإسماعيلية 7.9%، وأشارت إلى أن الوجه البحري في مصر يعد أفضل حظًا من الوجه القبلي، حيث توجد به أغنى محافظات الجمهورية، وهما محافظتا دمياط وبورسعيد.

التضامن الاجتماعي

وارتفعت نسبة الفقراء في الريف عنها في الحضر، حيث تقدر النسبة بـ85% من السكان، بينما تبلغ نسبتهم في الحضر 42%، ويعيش 48% من مجموع الفقراء في الوجه القبلي، بينما يعيش 36% في الوجه البحري. الطبقة الغنية في المقابل تضخمت ثروات الطبقة الغنية في مصر، التي يمثل أعضاؤها 20% فقط من المصريين، والذي يمتلكون 80% من الثروات، بينما يمتلك الـ80% النسبة الباقية من مجموع الشعب المصري والبالغة 20% فقط من الثروات، وأن هناك 1% فقط من أعضاء الطبقة الغنية يمتلكون 50% من حجم ثروات هذه الطبقة، بينما يشترك الـ99% الباقون في ملكية الـ50% الباقية، وأكدت انخفاض الدعم الحكومي المقدم للمنتجات الغذائية الرئيسة من 9.7 مليار جنيه في العام المالي 2005/2006 إلى 8.6 مليار جنيه حاليا بسبب انخفاض سعر صرف الجنيه، ويفقد 75% من المصريين أعمالهم بسبب الواسطة.

ولعل النسبة الأقرب للصواب هي التي أعلنتها وزيرة التضامن الاجتماعي لنظام السيسي د. غادة والي، أوائل العام 2018، والتي ذكرت فيها أن 54% من الشعب المصري يقعون تحت خط الفقر، ويحصلون على معونات التضامن الاجتماعي. القرارات الجائرة وترى الدراسة أن النسبة الحقيقية قد تفوق ذلك؛ بسبب القرارات الاقتصادية الجائرة للنظام الحالي والتي لا تراعي حقوق الفقراء أو محدودي الدخل، وخاصة أن مخصصات الدعم لم تزد رغم رفع الأسعار بدرجة كبيرة ودخول شرائح جديدة تحت خط الفقر، ورغم ذلك رفضت وزارة مالية الانقلاب زيادة المبلغ المخصص لوزارة التضامن الاجتماعي لمعاشات الدعم النقدي، وظل المبلغ كما هو 17.5 مليار جنيه (نحو مليار دولار فقط)، وهو المبلغ ذاته المخصص لها خلال العام المالي الجاري الذي ينتهي في يونيو 2019. وتتوقع الدراسة ارتفاع معدلات الفقر في المسح الجديد للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المقرر الإعلان عنه 2019، عن التقديرات السابقة المعتمدة لعام 2015، نتيجة الصعوبات الاقتصادية التي واجهتها مصر منذ تولي عبد الفتاح السيسي عام 2013، والذي لم تقدم سياساته شيئا لتحسين حياة المصريين العاديين.