“ممالك النار”.. الصلابي يكشف عن أسباب سقوط المماليك أمام الفتح العثماني

- ‎فيتقارير

يستهدف مسلسل “ممالك النار”، الذي بدأ عرضه على قناة “إم بي سي” التي تمتلكها السعودية ويقع مقرها في الإمارات، الخلافة العثمانية، وكذلك الجمهورية التركية الحالية ممثلة في الدولة العثمانية، وهي المرة الأولى التي يشهد فيها الإعلام الرسمي العربي هجوما علنيا بهذا المستوى يستهدف تركيا.

وبالرغم من خطاب الكراهية الذي يحمله المسلسل، إلا إنه لم يعد أحد لدى العرب يعتبر الدولة العثمانية دولة استعمارية، كما لم يعد بين الأتراك، باستثناء من لا يعرف نفسه وتاريخه وثقافته، من يعتبر العرب خونة ضربونا من الخلف، والأهم من ذلك كله أن الطرفين صارا يمتلكان وعيًا كبيرًا، بشأن أنّ هذه الدعاية المغرضة لا تخدم سوى غرض محتل استعماري.

صورة مغلوطة

يقول الدكتور علي الصلابي :”لا شك أن قراءة التاريخ لم تعد عبر الكتب والمقالات أو المؤتمرات والمحاضرات فقط، فاليوم أصبحت الدراما ووسائل التواصل الاجتماعي رافدًا مهمًا في إنتاج التصورات التاريخية لدى الشعوب والأمم”.

مضيفاً:”وفي تاريخنا الإسلامي المعاصر هناك من يحاول من خلال مسلسل يتم إنتاجه وعرضه حاليًا باسم “ممالك النار” تقديم صورة مغلوطة عن واحدة من أهم مراحل التاريخ العثماني، وهي الدخول العثماني للمنطقة العربية”.

وتابع:”وقد تعمد منتجو هذا المسلسل والقائمون عليه مخالفةَ الحقيقة وتحريف الوقائع، فمالوا إلى أهوائهم وخالفوا شرع الله وسنة رسوله الذي يأمر بالقسط وشهادة الحق حتى مع العدو، فقد قال الله تعالى: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”.

احذروا من الخونة..!

ولا شك أنّ من بين العرب خونة ضربوا الدولة العثمانية من الخلف، لكن كان هناك كذلك من خانوا الدولة العثمانية، وفعلوا ما هو أكثر من الخيانة، من بين الأتراك وسائر الشعوب الأخرى التي كانت خاضعة للحكم العثماني.

بل على العكس تمامًا، فهناك من العرب وسائر الشعوب العثمانية الأخرى من كان مخلصًا للخلافة الإسلامية لدرجة جعلته يحارب ويستشهد جنبًا إلى جنب مع الأتراك في جنق قلعة وطرابلس الغرب وبلاد الحجاز وسائر الجبهات الأخرى.

يقول الدكتور الصلابي:” قام السُّلطان قانصوه الغوري سلطان الدَّولة المملوكيَّة بالوقوف مع بعض الأمراء العثمانيِّين الفارِّين من وجه السُّلطان سليم، وكان في مقدِّمتهم الأمير أحمد أخو السُّلطان سليم، وأرادت السُّلطات المملوكيَّة أن تتَّخذ من وجود هؤلاء الأمراء لديها أداةً لإثارة مزيدٍ من المتاعب في وجه السُّلطان سليم”.

وتابع:”بالإضافة إلى الموقف السَّلبي للدَّولة المملوكية في وقوفها المعنوي مع الشَّاه إِسماعيل الصَّفوي، فهي لم تلتزم الحياد التَّامَّ بين العثمانيِّين، والصَّفويِّين، ولم تتَّخذ موقفاً عدائيَّاً صريحاً من السُّلطان سليم”.

وعن تفشِّي ظلم الدَّولة المملوكيَّة بين النَّاس، ورغبة أهل الشَّام، وعلماء مصر في التخلُّص من الدَّولة المملوكيَّة، والانضمام إِلى الدَّولة العثمانيَّة؛ يقول الصلابي:”اجتمع العلماء، والقضاة، والأعيان، والأشراف، وأهل الرَّأي مع الشَّعب، وتباحثوا في حالهم، ثمَّ قرروا أن يتولَّى قضاة المذاهب الأربعة، والأشراف كتابة عريضةٍ نيابةً عن الجميع، يخاطبون فيها السُّلطان العثماني سليم الأوَّل”.

وجاء في العريضة:”إِنَّ الشعب السُّوري ضاق بالظُّلم المملوكي، وإِنَّ حكام المماليك يخالفون الشَّرع الشَّريف، وإِنَّ السُّلطان إِذا قرر الزَّحف على السَّلطنة المملوكيَّة؛ فإِنَّ الشعب سيرحِّب به، وتعبيراً عن فرحته، سيخرج بجميع فئاته، وطوائفه إلى عينتاب ـ البعيدة عن حلب ـ ولن يكتفوا بالتَّرحيب به في بلادهم فقط، ويطلبون من سليم الأوَّل أن يرسل لهم رسولاً من عنده، وزيراً ثقةً، يقابلهم سرَّاً، ويعطيهم عهد الأمان، حتَّى تطمئنَّ قلوب النَّاس”.

بذور العداء

يتعمد مسلسل ممالك النار تجاهل حقيقية تاريخية هامة، ألا وهي محاولة الأعداء  نشر بذور العداء والكراهية بين كلا الطرفين من خلال حملات متعددة من أجل الإيقاع بين العرب والأتراك، ولهذا السبب تحديدًا فإنّ كراهية العرب وكراهية الأتراك شقيقتان، وإذا ما تخلصنا من الكراهيتين فإننا نجد أنه لا يبقى بين الشعبين سوى الأخوة.

لقد كان علماء مصر يراسلون السُّلطان سليم الأوَّل؛ لكي يقدم إِلى مصر على رأس جيشه؛ ليستولي عليها، ويطرد منها الجراكسة المماليك، يقول الصلابي:” رأى علماء الدَّولة العثمانيَّة أنَّ ضمَّ مصر، والشَّام يفيد الأمَّة في تحقيق أهدافها الاستراتيجيَّة؛ فالخطر البرتغالي على البحر الأحمر والمناطق المقدَّسة الإِسلاميَّة، وكذلك خطر فرسان القدِّيس يوحنا في البحر المتوسط كانت أسباب وجيهة دعت السُّلطان العثماني لأن يتوجَّه نحو الشرق، فتحالف مع القوَّات المملوكيَّة لهذا الغرض في البداية، ثمَّ تحمَّل العبء الكامل في مقاومة هذه الأخطار بعد سقوط الحكم المملوكي”.

وخلص الصلابي الى حقيقة هامة مفادها :”نستدلُّ على ذلك بما قاله السُّلطان سليم الأوَّل العثمانيُّ لـ: «طومان باي» آخر سلاطين المماليك بعد أن هزمه في معركة الرَّيدانيَّة: (أنا ما جئت عليكم إِلا بفتوى علماء الأمصار، وأنا كنت متوجِّهاً إِلى جهاد الرَّافضة (يعني: الصفويِّين) والفجَّار (يعني بهم: البرتغاليِّين، وفرسان القدِّيس يوحنا)، فلمَّا بغى أميركم الغوري، وجاء بالعساكر إِلى حلب، واتَّفق مع الرَّافضة، واختار أن يمشي إِلى مملكتي الَّتي هي موروث آبائي، وأجدادي، فلمَّا تحقَّقتُ؛ تركت الرَّافضة، ومشيت إِليه”.

وفي الأخير يبقى أن الاهتمام الذي حظت به المسلسلات التركية في العالم العربي في السنوات الأخيرة وانتشار تأثيرها إلى هذا القدر يبرهن – في الحقيقة – إلى أيّ مدى اشتاق العرب لمعانقة إخوتهم من الأتراك، وأبرز ما يعبر عن هذا الاشتياق نذكر على سبيل المثال لا الحصر الإقبال الشديد على مسلسلات مثل قيامة أرطغرل والسلطان عبد الحميد وكوت العمارة بل وحتى سائر المسلسلات الدرامية الأخرى الشهيرة.

ولا يتطرق أي من هذه المسلسلات لأي مسألة عليها خلاف بين العرب والأتراك، بل إنها لا تسعى حتى للرد على مثل هذه الدعاية المغرضة. فهذه المسلسلات لا تستهدف الأنظمة العربية الحالية، كما لا تحمل أي هدف أو بُعد يرمي لمعاداتها أو تحريض الشعوب ضدها.

لكن بالرغم من ذلك فإن قناة إم بي سي اختارت كأول مشروع ضخم يهدف لخفض تأثير هذه المسلسلات مسلسلا يستهدف الدولة العثمانية بشكل مباشر، وهو الأمر الذي يحمل الكثير من كشف التحالف الحالي بين خونة العرب وأعداء الأمة الغربيين.