ميدان التحرير.. السيسي يُجرده من رائحة الثورة ويبيعه لعصابة “أبوظبي”

- ‎فيتقارير

من ميدان التحرير اندلعت شرارة ثورة 1919، بعد اشتباكات بين متظاهرين وقوات الشرطة، كما كان ساحة لمظاهرات 1935 ضد الاحتلال الإنجليزي، وفي الميدان تجمّع الآلاف ضد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

وبعد هزيمة 1967 أخرج جمال عبد الناصر بالأمر آلاف العمال والفلاحين إليه للهتاف ورفض تنحّيه عن الحكم، كما خرجوا بالأمر مرة أخرى عام 1968 احتجاجا على محاكمة الجنرالات المسئولين عن الهزيمة!

وترتبط ذكرى ثورة 25 يناير في مصر باعتراف دستوري مرتين، في عامي 2012 و2014، وخطاب رسمي بوجهين، أحدهما شرعي منتخب يمجدها، والآخر انقلابي ديكتاتوري يحذر منها ومن تداعيات أطوارها المتجددة، ويرى أن تحركات شعبية أخرى تجسدت في الانقلاب العسكري في صيف العام 2013، أنقذتها من الانحراف.

شعلة المظاهرات 

وقبل حرب أكتوبر بعام واحد، اشتعل ميدان التحرير بمظاهرات ضد أنور السادات؛ لتأخّره عن قرار الحرب، وعلى أرضه كانت “ثورة الخبز”، في 18 و19 يناير 1977، كما كان الوجهة الأولى للاحتجاجات ثورة المصريين الحقيقية في 25 يناير 2011 ضد حكم الطاغية مبارك طوال 30 عاما.

كان الهتاف في ميدان التحرير “العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية”، شعارات الـ25 من يناير التي ربما لم يبق منها شيء، فبين المصريين من لا يبدي اكتراثًا، وصار يطلب من العيش أقله وينشد الأمان على النفس والعيال، ومصريون لا يقامون إغواء لحظة الحنين القاسية، ومصريون غاضبون وخائفون بعد سفك الدماء بالآلاف وأخبار التعذيب المروعة.

وفضلاً عن القمع شهد اقتصاد البلاد تدهورًا غير مسبوق، وطُحن الفقراء في قوت يومهم كما لم يطحنوا من قبل في ظل انهيار العملة المحلية وتراجع حاد في معدلات السياحة وتغول المؤسسة العسكرية في قطاع الاقتصاد وانتقاص متواتر في حقوق البلاد من ثروات البحار وماء النيل وسيادة الأرض.

ومرت ذكرى يناير العام الجاري 2019، ومصر في قبضة “ديكتاتور” بدا صعوده مثل الصدفة، وما زال يضرب بأركانها حتى تصغر إلى حجم يديه، ومن ذلك أن يغرق البلد الكبير اليوم فيما يشبه الهزل المبكي عن انتخابات لتجديد ولايته يكمن فيها الكمائن المكشوفة للجميع في أداء كان مبارك فيه أكثر حرفية منه، ورغم ذلك سقط.

عاصمة الانقلاب

وبعد البدء في ترتيبات انتقال حكومة الانقلاب إلى عاصمة العسكر الجديدة، بدأت مطامع العسكر تظهر في القاهرة ومبانيها التاريخية، ومعالمها الأثرية والسياحية، وميدان التحرير هو أحد أهم الميادين التي يشتهي العسكر استثمار موقعها المميز، بعد أن كان أيقونة الثورة في مصر، ومقر انطلاق المظاهرات الحاشدة، وردود الأفعال القوية على كافة الأحداث المهمة بالبلاد؛ أصبح في قبضة العسكر الذين يستعدون لطمس معالمه وتغيير هويته وإخفاء رائحة ثورة المصريين ضد عصابة العسكر.

هذا التحول الجذري الذي يشهده الميدان أصاب الكثيرين بالصدمة من تحوّل رمز الحرية إلى مطمع لجشع وفساد ذمم العسكر، تطوير ميدان التحرير ضمن القاهرة التاريخية ومسلة 19 مترا تزينه، كان ذلك أحد عناوين الصفحة الأولى لصحيفة “اليوم السابع” المخابراتية، اليوم الأحد 28 أغسطس الجاري، وهو العنوان الذي يعكس بالضبط ما سيحدث للميدان في الأشهر القادمة.

وأسس الخديوي إسماعيل الميدان على غرار ميدان الشانزلزيه بفرنسا، ويُعتبر من أكبر ميادين القاهرة، بينما يقول مصطفى مدبولي رئيس وزراء حكومة الانقلاب، إن جنرال إسرائيل السفيه السيسي كلفه بتطوير الميدان على أعلى مستوى، وهى العبارة التي تعني استثماره وبيعه بالقطعة والمباني الأثرية والحكومية لمستثمرين أغلب الظن أنهم خليجيون من عصابة أبو ظبي.

ولدغدغة مشاعر المصريين والاستهلاك الإعلامي، يقول مدبولي: “سيتم تزيينه بإحدى المسلات، التي يتم ترميمها بطول 19 مترا، وكذا الاهتمام بأعمال الرصف، والإنارة، وتنسيق الموقع”، مطالبًا المهندس شهاب مظهر، بسرعة الانتهاء من مخطط التطوير لتتولى شركات المقاولات التنفيذ على الفور!.

مقاهي الثورة

وفي الذكرى الثامنة الماضية لثورة 25 يناير في العام الجاري 2019، خيم “خوف وسكون حذر” على المقاهي الشعبية في محيط ميدان التحرير وسط القاهرة، وهي التي طالما لعبت دورا فاعلا في ثورة 25 يناير 2011.

وقبل سنوات قليلة، كانت تلك المقاهي من أهم روافد الثورة، وكانت مستقرا لنشطاء سياسيين، ومنطلقا لتجمعات احتجاجية، قبل أن تتحول بفعل تطورات سياسية عديدة إلى مكان لقضاء أوقات الفراغ، دون التطرق إلى السياسة وإلا سقط المتكلم في أيدي مخبري الأمن الوطني.

وثمة تحولات شهدتها البنية السياسية لميدان التحرير منذ ثورة 2011، زادت حدة وتيرتها قبل أكثر من خمسة أعوام، عقب الانقلاب العسكري وغدر السفيه السيسي بالرئيس الشهيد محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، حيث اختفت السياسة من على طاولات المقاهي في الميدان.

وتتمتع مقاهي ميدان التحرير بوسط القاهرة بطابع معماري مميز، وهي مقر لميلاد معظم الحركات الاحتجاجية قبل ثورة يناير، من أبرز هذه الحركات: الحركة المصرية من أجل التغيير كفاية أواخر 2004، والتي نادت بعدم التمديد لمبارك، وعدم توريث الرئاسة لنجله الأصغر جمال.

كما كانت تلك المقاهي شاهد عيان على التطورات السياسية لثورة 2011، إذ تحولت في تلك الفترة إلى مقر ثابت لنشطاء وأدباء وفنانين وحزبيين، على اختلاف أطيافهم وتنوعاتهم السياسية والأيديولوجية.

أيقونة الثورة

وسجل نشطاء أسماء بعض المقاهي الشهيرة وسط القاهرة على دعوات التظاهر، التي كانوا ينشرونها على منصات التواصل الخاصة بالثورة، مقرا لتجمع النشطاء وانطلاق الاحتجاجات ضد نظام مبارك، وسجّل مسجد عمر مكرم وسط الميدان مكانًا رئيسًا لتجمع الثوار وعلاجهم من رصاص قناصة المخابرات الحربية التي كان يرأسها في ذلك الوقت السفيه عبد الفتاح السيسي.

كما فتحت الكنيسة الإنجيلية بقصر الدوبارة أبوابها لوضوء المسلمين المتواجدين بالميدان للتأكيد علي مطالب الثورة، ويعد هذا الميدان الذي يطلق عليه البعض اسم “ميدان الثورة” الرمز الأبرز الذي توجهت إليه الأنظار، وركزت عليه وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، نظرا لموقعه في قلب العاصمة المصرية القاهرة، فكان أبرز “أيقونة” ترتبط بـ”ثورة يناير”.

فقد اعتبر هذا الميدان الذي يريد السفيه السيسي طمس معالمه مركز الثورة الأول، وفيه تجمعت أغلب رموز الحركة الوطنية المصرية من جميع التيارات السياسية والحزبية والمستقلة، ومنه كانت تعلن أبرز التصريحات والمطالب على لسان شخصيات سياسية بارزة، وشباب متحمسين ربما لم يكن يعرفهم كثيرون قبل ذلك.