هويدي يحذر من شبيحة البلاغات والإرهاب القانوني للشرفاء

- ‎فيأخبار

حذر المفكر والكابت الكبير فهمى هويدى من الإرهاب القانوني الذى يمارسه «شبيحة» قابعون في الظل، جاهزون للتنكيل بأي شخص من خلال تلويث سمعته واغتياله أدبيا وسياسيا، مشيرا إلى أنه ما على الواحد منهم سوى أن يقدم بلاغا إلى النائب العام ينسب إلى الشخص المستهدف تهما من قبيل تكدير الأمن العام، أو زعزعة الاستقرار، أو إثارة الفتنة وتهديد الوحدة الوطنية.. أو غير ذلك من العناوين الفضفاضة التي تتسع للعديد من الأفعال والجرائم، التي يمكن أن يرمى بها أي أحد.

وفي هذه الحالة فإن البلاغ يفحصه النائب العام لكي يحدد إمكانية تحويله إلى وكيل النيابة المختص للتحقيق فيه، وفي الوقت ذاته يسرب الخبر إلى الصحف ضمن حملة التشويه المرتبة.

وأضاف -فى مقال له بعنوان "حرب البلاغات" نشر فى صحيفة الشرق القطرية، اليوم الاثنين-: إن مثل هذه البلاغات إما أن تتم لحساب أشخاص يستهدفون الكيد والإيقاع بالمخالفين لهم، وإما أن تتم لحساب الأجهزة الأمنية التي توعز لرجالها في أوساط المحامين باتخاذ ما يلزم في إطار حملة التخويف والترويع التي تلجأ إليها لتأديب وإنذار من لا ترضى عنهم.

وأشار هويدى إلى أن الصحف والمواقع الإلكترونية نشرت الأسبوع الجارى أن أحد المحامين قدم بلاغا للنائب العام ضد باسم يوسف صاحب «البرنامج»، لأنه قدم حلقة يوم الجمعة الماضي سخر فيها من الهرج والمزايدة الإعلامية التي باتت تملأ الفضاء المصري في تزكية عبدالفتاح السيسي وترشيحه رئيسا للجمهورية، وهو ما اعتبره المحامي المذكور دعوة إلى زعزعة الاستقرار وبث الكراهية.

وتابع قائلا: اللافت للنظر أن حلقة البرنامج أذيعت مساء الجمعة، الماضى في حين أن البلاغ قدم أول أمس السبت، الأمر الذي يوحي بشبهة التربص والتصيد.

وقال هويدى: في حدود علمي البلاغ ليس الأول من نوعه، ولكن بلاغات مماثلة سبق أن قدمت ضده ولم تؤخذ على محمل الجد، ومثل هذه البلاغات التي تلاحق المئات من البشر ترفع شعار «العيار الذي لا يصيب فإنه يدوِّي ويفزع». بمعنى أن أي طلق ناري إذا لم يصب هدفه فإنه يحدث دويا ويروع الطرف المستهدف.

وكشف عن أنه بعد تقديم البلاغ فإن مكتب النائب العام يفحصه، ومصيره يختلف من حال إلى حال، والاختلاف هنا ليس مرجعه إذا كان المشكو في حقه بريئا أم أن التهمة الواردة في البلاغ جديرة بالبحث، ولكن المصير يتحدد غالبا في ضوء المواءمة السياسية والموقف الأمني منه، فثمة بلاغات تحفظ ويكتفي فيها بالفرقعة الإعلامية التي تحدث جراء تسريب الخبر إلى الصحف، وهناك بلاغات أخرى تخزن في مكتب النائب العام مراعاة لحسابات معينة أمنية أو سياسية، مؤكدا أن عملية التخزين قد تستمر عدة سنوات، ولا يمنع ذلك من تحريك البلاغ وإخراجه من «الثلاجة» في ظروف سياسة معينة، وهناك بلاغات أخرى تخص غير المرضي عنهم تحال إلى النيابة المختصة خلال ساعات أو في اليوم التالي مباشرة، لأن أجهزة السلطة تقف وراءها.

ولفت هويدى إلى أنه في هذه الحالة الأخيرة يحال البلاغ للتحقيق فيه، ويستدعى المشكو في حقه إلى النيابة لسماع أقواله، وقد تأمر النيابة باحتجازه أو تصرفه لحين استكمال التحقيقات في جلسة أخرى أو لحين استطلاع رأي جهاز الأمن القومي، وفي الذهاب والعودة تتناقل الصحف الخبر، ويظل صاحبنا متهما ومشتبها فيه، كما أنه يصبح محلا للغمز واللمز من جانب شبيحة الإعلام من كتبة التعليقات الصحفية، وفي النهاية إما أن يكتفي بشد الأذن وتلقي الإنذار من خلال حملة التأديب والتشهير فيحفظ التحقيق معه، وإما أن يحال الأمر إلى القضاء لكي يذهب الرجل وراء الشمس.

وأوضح أن المسألة لها أبعاد وأعماق أخرى؛ منها إن البلاغات التي تقدم ضد المخالفين المراد التشهير بهم والكيد لهم لا تقتصر على مجموعة من المحامين أو المزايدين الذين يقفون ببلاغاتهم على باب مكتب النائب العام، ولكنها أيضا تكمن في الدور الذي تلعبه السياسة والأمن في تحديد مصائر تلك البلاغات.

ومن ناحية أخرى، فإن أمثال أولئك الشبيحة موجودون في مجالات أخرى، الإعلام في مقدمتها، لأن بعض المحامين إذا كانوا يتقدمون ببلاغاتهم مباشرة إلى النائب العام، فإننا نجد بعض الكتاب ينشرون بلاغاتهم على صفحات الصحف، لإحداث أثر التشهير والتخويف في أوساط الرأي العام من ناحية ولإبلاغ الجهات الأمنية المعنية من ناحية ثانية.

وقال هويدى: لا نستطيع أن نعفي المناخ العام من المسئولية عن تفشي تلك الظاهرة؛ لأنه إذا كان أصحاب البلاغات يحاولون تشويه وتخويف بعض الأبرياء، فإن ممارسات السلطة ذاتها تقدم نموذجا يحتذيه هؤلاء، وعناوين مثل -تكدير الأمن العام أو زعزعة الاستقرار.. إلخ- خرجت أصلا من عباءة السلطة، وبسببها أقحم مئات من الأبرياء في قضايا لا علاقة لهم بها، وعلى ذمتها جرى اعتقالهم وصودرت أموالهم، ومن هؤلاء اثنان أعرفهما توفاهما الله قبل سنوات (هما الدكتور عبدالحميد الغزالي الذي كان أستاذا بكلية الاقتصاد والعلوم السياسة، والمهندس جلال عبد السميع الذي كان مديرا عاما بمصلحة التليفونات في كفر الشيخ).

وحذر من أن الدولة بأدائها وبالنموذج الذي تقدمه تقوم بدور المربي الذي يرشد الناس، ويعلمهم الاستقامة والأدب أو العكس، وفي هذه الحالة فإن انتشار سوء الأدب يجب أن يحاسب عليه المربي أيضا، وليس الأبناء المنحرفون وحدهم.