كتب- أحمدي البنهاوي:
مجددًا، هاجم الكاتب الصحفي وائل قنديل النخبة السياسية والإعلامية المصرية، محملاً إياها المسؤولية عن مذبحة رابعة العدوية كواحدةٍ من أبشع مجازر القرن.
ووصف "قنديل" رموز هذه النخبة تارة بالفاشية وأخرى بالليبرالية المتوحشة، وثالثة بأن ضمائرهم ماتت لا تستجيب للوخز، معتبرًا أنهم "لعبوا الدور الأكبر في الضغط على السلطة، لكي تفضّ الاعتصام وتبيد المعتصمين، وكلما كانت تلوح بادرة حل سياسي، تصعّد هذه النخب من ابتزازها واتهامها الأمن بالتقصير والتراخي، وتعريض مصلحة البلاد للخطر، بتباطئها في فض الاعتصامات.
وأشار في مقاله بموقع "العربي الجديد" تحت عنوان "رابعة".. جريمة نخبة أم مذبحة نظام؟ قال في خاتمته بيت القصيد عندما أشار بأصبع الاتهام إلى رمز من رموز تلك النخبة المتوحشة قائلاً: "أزعم أن شهادة المستشار رئيس محكمة جنايات القاهرة، بالإضافة إلى شهادة لا يزال يحجبها الدكتور محمد البرادعي نائب ما يسمى "رئيس الجمهورية المؤقت" في تلك الأثناء، تصلحان لمخاطبة الضمير العالمي، كي يتم فتح تحقيق في واحدةٍ من أبشع مجازر القرن".
إلا أن مقدمة المقال أوضحت العبارة حيث كان سنده على "تصريح المستشار حسن فريد" فيما يتعلق بأن النائب العام الراحل هشام بركات "لم يصدر أمرًا بفض اعتصام رابعة العدوية، وأن أمره جاء بخصوص ضبط الجرائم التي ترتكب بالاعتصام".
واعتبر أن "المستشار حسن فريد، رئيس محكمة جنايات القاهرة التي تنظر قضية "فض رابعة العدوية"، يُسقِط بتصريحه آخر أوراق التوت عن النخب السياسية والإعلامية التي تحاول غسل يديها من دماء حرّضت على إسالتها في "رابعة العدوية" وأخواتها، مشيرًا إلى أن تصريح رئيس المحكمة "فجّر مفاجأة، تؤيد رواياتٍ كانت تساق، من دون توثيق".
جريمة نخبة
ويوازي وائل قنديل، في مقاله، بين جريمة السلطة وجريمة النخبة بشأن مجزرة "رابعة"؛ حيث قال: "تنقل هذه الشهادة، الرسمية، النقاش حول كارثة فضّ الاعتصامات من كونها، فقط، مجازر ارتكبتها سلطة غير شرعية، بقصد إنهاء عصر الجماهير، بوصفها قوة ضاغطة، ومانعة للاستبداد، إلى اعتبارها، بالقدر ذاته، جريمة نخبة، من السياسيين والمثقفين والإعلاميين، كان إسهامها في إراقة الدماء أكبر بكثير ممن ضغط على الزناد، مفرغًا الرصاص في أجساد الضحايا، أو أمر ببدء المذبحة، أو اختار لها ساعة الصفر".
وأضاف: "إسهام هذه النخب المنحطّة، من سياسيين ومثقفين ملء السمع والبصر، كان أضخم، ذلك أنهم لعبوا الدور الأكبر في الضغط على السلطة، لكي تفضّ الاعتصام وتبيد المعتصمين، وكلما كانت تلوح بادرة حل سياسي تصعّد هذه النخب من ابتزازها واتهامها الأمن بالتقصير والتراخي وتعريض مصلحة البلاد للخطر، بتباطئها في فض الاعتصامات".
وأكمل: "الحاصل أن الاعتصام الذي سخرت منه تلك النخب الدموية في البداية، واعتبرته مجرّد تجمع صغير لمجموعة من المجانين، في إشارة مرور صغيرة، قد فاجأ الجميع بقدرته على التمدّد والاتساع، حتى صار يحاصر سلطات الانقلاب، أخلاقيًا وسياسيًا، على نحو أشد وطأة من حصار المجنزرات والبلطجية للمعتصمين، إذ وبمرور الوقت نجحت هذه "الإشارة الصغيرة" فى فرض واقع سياسي على جميع الأطراف، وأثبتت أن مغامرة الثلاثين من يونيو لم ولن تمر كنزهة أو نزوة عابرة من المتعطشين للقفز على السلطة واختطافها".
ذاكرة الدم
وأعتبر قنديل أن ما روجته النخبة بحق الاعتصام السلمي من قبيل الحواديت و"هلاوس ليلة الفض"، استدعته ما سماها بـ"جوقة الانقلاب"، لترويج "حزمة الأكاذيب المستخدمة في تشويه وشيطنة الاعتصام، مع التسريبات الخاصة بتحرك القوات لافتتاح الحرب ضد الاعتصام".
وأكد أن ما رددته "النخبة" ثبت كذبه وزيفه من عينة "الجثث الطافية فوق مياه محيط رابعة الأطلسي، أو المدفونة تحت الكرة الأرضية.. وجهاد النكاح وحد الحرابة وأسلحة الدمار الشامل"، لافتًا إلى أن ذلك كشف "حالةٍ الإفلاس الفكري والأخلاقي داخل معسكر الانقلاب".
وأضاف: "تحتفظ ذاكرة الدم بنماذج من بعض النخب، تجاوزت مرحلة "العسكرة" التقليدية، لتطل في ثياب رادوفان كاراديتش، زعيم الصرب صاحب أكبر سلسلة من مجازر الإبادة الجماعية في القرن الماضي، والذي كان أديبًا وطبيبًا متخرجًا في جامعة كولومبيا، قبل أن يصير داعية قتل وإبادة".
غطاء سياسي
واتهم "قنديل من وصف حالهم بتبني "الليبرالية المتوحشة" بتوفير "الغطاء السياسي والأخلاقي لقرار حكومة الانقلاب بمحو اعتصامي ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر من الوجود، بل يذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، حين يتهم الأجهزة الأمنية بالتراخي؛ لأنها تصمت على هؤلاء الأوغاد المعتصمين بأطفالهم وبناتهم ومسابحهم وتهجداتهم ودعائهم على القتلة، وعلى من صفق وابتهج للقتل من مصاصي الدماء المختبئين خلف تهويماتهم الفكرية الفاسدة".
وأضاف: "رصدت وقتها أن أحد الليبراليين العواجيز المفصول مبكرًا جدًّا من كلية الشرطة في نهاية الستينيات، لأسبابٍ هو يعلمها، لم يخجل من نفسه، وهو يطالب بالأحكام العرفية وحظر التجول والسحل لمن يعترض"، مشبهًا حديثهم بـ"المنطق التجاري الوضيع"، عندما رددوا "عباراتٍ منحوتة من قاموس الطغيان والتوحّش"، مثل "لا مانع من التضحية بمجموعة كي ينعم المجموع بطيب العيش"، أو أن يثغو آخر بأنه لا بأس من إراقة دماء، ثمنًا لتطهير مصر من أعدائها المصريين، ورفع رايات علمانيتها".
قبضوا الثمن
وقال وائل قنديل: إن الدور التحريضي لتلك النخب السياسية الفاسدة، "حفرت قنوات، بمخالبها، وطلبت من السلطة أن تملأها بالدماء، وقد قبضت أثمان تحريضها على الدم، مناصب في مؤسساتٍ ومجالس تدّعي دفاعها عن حقوق الإنسان، وتحاول التخلص من ملامح "دراكيولا" التي كانت تتسابق على إظهارها أيام الاعتصام، وترتدي أقنعة القديسين والرهبان والدعاة والوعاظ الآن، وتشعل النار في "أرشيفاتها" المكتوبة بأحبار العنصرية السوداء.