أثار قرار محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بأكاديمية الشرطة، صباح اليوم الثلاثاء، بمد أجل النطق في الهزلية المسيسة والمعروفة إعلاميًّا بـ"الهروب من وادي النطرون" و"التخابر مع حماس" إلى جلسة 16 يونيو الجاري، حالة من الجدل في الشارع المصري على خلفية تزامن قرار "قاضى الإعدام" مع اعتقال قيادات جماعة الإخوان المسلمين محمود غزلان وعبدالرحمن البر، وزيارة قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي إلى ألمانيا، فضلاً عن ضبابية الرؤية حول رأى مفتي العسكر في أحكام الإعدام.
تأخر المفتي
الفقيه الدستوري محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق أرجع قرار "قاضي الإعدام" بمد أجل النطق بالحكم على الرئيس الشرعي محمد مرسي و36 من قيادات وكوادر الإخوان وحركة حماس في هزلية "اقتحام السجون" و"التخابر الكبرى" إلى تأخر وصول تقرير المفتي إلى هيئة المحكمة مساء أمس الإثنين، وهو ما أعاق دراسته بالشكل الكافي.
وسيطرت حالة من التخبط حول الرأي الذي خلص إليه المفتي شوقي علام؛ حول إعدام 16 من قيادات الجماعة؛ حيث أكد مصدر مطلع بدار الإفتاء، أن رسالة المفتي رفضت أحكام الإعدام على المتهمين لعدم ارتياح المفتي ومستشاريه إلى الأدلة التي استندت إليها المحكمة في حكمها.
وأكد المصدر أن المفتي حاول التواصل مع عدد من المسئولين حول الحكم؛ من أجل الوصول إلى صيغة مناسبة تضمن خروج رأي الإفتاء بما لا يغضب سلطة الانقلاب، وهو السبب الذي أدى إلى تأخر وصول رد المفتي إلى هيئة المحكمة إلى ساعة متأخرة من مساء أمس. واعتبرت مصادر قضائية أن رأي المفتي جاء بمثابة طوق النجاة للنظام السياسي للخروج من مأزق تأكيد الحكم على مرسي؛ بسبب عدم اعتراف الرئيس الشرعي بالمحاكمة واتجاهه لرفض استئناف أو معارضة الحكم، وهو الأمر الذي سيضع سلطات الانقلاب في موقف لا تحسد عليه أمام المجتمع الدولي حال إعدام أول رئيس مدني منتخب على خلفية قضية هزلية.
وأضاف المصدر أنه من المتوقع أن تخرج المحكمة لتعلن عن عدم موافقة المفتي على الإعدام، وتصبح أمام هيئة المحكمة ثلاثة سيناريوهات، جميعها تمنحها رفاهية الوقت لمد أجل التقاضي، إما بالنزول بالعقوبة من الإعدام إلى السجن 25 عامًا، وهو الرأي القانوني الذي أفتى به رأفت فودة أستاذ القانون بجامعة القاهرة في وقت سابق حول إمكانية رفض المفتي أو إعادة المرافعة في القضية من جديد ونظرها أمام نفس الدائرة القضائية وفقًا لترجيح محمود السقا أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة حال عدم موافقة المفتي.
واتفق الكاتب الصحفي سليم عزوز مع سابقيه، قائلاً: "قد يعني عدم إعلان القاضي لما جاء في تقرير المفتي وإعلانه المداولة أن تقرير المفتي جاء رافضًا الإعدام، إذ كيف يتداول فيما تداول فيه قبل إحالته الأوراق إلى المفتي؛ فالتداول يكون حول رفض التقرير أو قبوله، وعلق: "اتكلم جد في مشهد هزلي".
تسييس الشامخ
واعتبر المراقبون أن قرار المحكمة برهن على أن أحكام الشامخ مسيسة بامتياز؛ بغض النظر عن رأى المفتي، ويتم التحكم في سير القضايا والمحاكمات عبر مكتب اللواء عباس كامل "بطل التسريبات" وفقًا للأجندة السياسية وبما يحقق مصالح الجنرالات في الداخل والخارج.
الناشط الحقوقي أحمد مفرح أكد في تعليقه على تأجيل الأحكام بأنه دليل جديد على تسييس القضاء، وأن الأحكام الصادرة منه غير شرعية والمحاكمة الصادرة في قضية وادي النطرون والتخابر حولتها من محكمة جنائية إلى محاكمة سياسية بحتة ليس فيها أدنى انتماء للقانون. وقال مفرح – في تصريح خاص – ما حدث اليوم من تأجيل النطق بالحكم إلى جلسة 16 يونيو الجاري دلالة جديدة وتأكيد على تسييس هذه القضية، وأسند الأصل القانوني للقضية أن الرأي الخاص بالمفتي في مثل هذه القضايا هو استشاري بحت لا يلزم المحكمة بالأخذ به.
وتابع مفرح: "وفقًا للمادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية، التي أوجبت قبل الحكم بعقوبة الإعدام على أي متهم إحالة أوراق القضية إلى مفتي الجمهورية لأخذ رأيه، وفقًا لما تقتضيه أحكام الشريعة الإسلامية في توقيع عقوبة الإعدام، وليتم تأصيله شرعًا، بحيث إن عدم مراعاة هذا الإجراء يترتب عليه بطلان الحكم، إلا أن رأي المفتي ليس ملزمًا لها.
وفنَّد الناشط الحقوقي حكم اليوم، قائلاً: "هو كما قال – في إشارة لشعبان الشامي- للمداولة بعد وصول تقرير المفتي في القضيتين وفي رأيي لا يخرج عن سببين، الأول: هو أن قرار المفتي كان برفض الحكم بالإعدام على كل أو بعض الذين أرسلت المحكمة بياناتهم لاستطلاع رأي المفتي في إعدامهم لذلك كان لا بد من تأجيل القضية لمداولة هذا القرار".
وتابع: "الثاني: وهو سبب سياسي بحث ينبني على الزيارة السياسية التي يقوم بها السيسي ومن معه إلى ألمانيا والتي تم الاعتراض عليها بشكل كبير سياسيًّا ومجتمعيًا في ألمانيا، لذلك كان القرار هو إبلاغ المحكمة بضرورة تأجيل النطق بالحكم لحين انتهاء هذه الزيارة".
وأضاف مفرح: لكن هذين السببين في رأيي يضربان مصداقية الحكم والمحكمة، خصوصًا إذا كان قرار المفتي برفض كل أحكام الإعدام أو بعضها، والتي دعت شعبان الشامي لإصدار قراره بإعادة مداولة الحكم مرة أخرى أو أن قراراته مرهونة بموافقة الأجهزة الأمنية والمعطيات السياسية في القضية.
هنا ألمانيا
شاء الله أن يتزامن قرار شعبان الشامي بإحالة أوراق 16 معتقلاً إلى المفتي في هزليتي التخابر والهروب مع الإعلان عن زيارة قائد الانقلاب العسكري إلى ألمانيا؛ حيث أعلنت كافة المنظمات الحقوقية في البلد الأوروبي رفض استقبال السفاح على خلفية الممارسات القمعية بحق الشعب المصري.
وأعلن البرلمان الألماني في بيان رسمي أن رئيس "البوندستاج" نوربرت لامرت ألغى لقاءً مقررًا مع السيسي في ألمانيا، موضحًا أن السبب يعود إلى انتهاكات حقوق الإنسان في مصر.
وأكد لامرت: "بدلاً من تحديد موعد للانتخابات البرلمانية التي طال انتظارها، نشهد منذ أشهر اضطهادًا منظمًا للجماعات المعارضة واعتقالات جماعية وأحكامًا تصل إلى السجن المؤبد وعددًا لا يصدق من أحكام الإعدام"، مضيفًا: "إنه نظرًا لهذه الانتهاكات التي لا تسهم لا في إحلال السلم الداخلي في البلاد ولا في تطور ديمقراطي فإنه لا يرى أساسًا لعقد محادثات مع الرئيس المصري".
وجاء قرار الشامي بمد أجل النطق بالحكم قبل 24 ساعة من زيارة السيسي المتوترة إلى برلين، والتي يرغب الانقلاب أن تمر بلا منغصات، لذلك أصدر أوامره بتأجيل المحاكمة لحين العودة إلى القاهرة.
مسمار في نعش الشامخ
واعتبر قانونيون وسياسيون أن الحكم الفاشل في القضية جاء بمثابة المسمار الأخير في نعش القضاء، بعدما كشف بجلاء عن أكذوبة استقلالية الشامخ، حيث وصف المحامي محمد الدماطي أن مد أجل الحكم في قضيتي التخابر والهروب من سجن وادي النطرون "قرار سياسي" بسبب زيارة السيسي إلى ألمانيا.
وعلق د. أيمن نور مؤسس حزب غد الثورة أن هناك ارتباطًا بين مد أجل الحكم في القضيتين وزيارة السيسي إلى ألمانيا، في إشارة إلى مخاوف قائد الانقلاب من ردود الفعل الغاضبة من الساسة الألمان، خاصةً من مخاوف سلطات العسكر من الزيارة وما قد يترتب عليها من ردود فعل سلبية في ظل حالة الغضب الغربي من فاشية النظام المصري.
بدوره، أكد المهندس حاتم عزام – نائب رئيس حزب الوسط – أن مد أجل النطق بالحكم متوقع من مجرم لا يخشى الله، ويخشى على زياراته لميركل، مضيفًا: "الثورة مستمرة والرئيس مرسي صار أيقونتها والقصاص قادم لا محالة".
من جانبه، أوضح محامي جماعة الإخوان أن قرار الشامي يعكس حالة التخبط والعشوائية التي يعيشها القضاء المصري منذ الانقلاب العسكري والذي يمثل امتدادًا لتلك الموروثات التي رسخها مبارك للسيطرة على مفاصل الدولة، مدللاً على ذلك بأن المشهد بالفعل مرتبك، وليس من المعقول أن يحاكم مرشد الجماعة د. محمد بديع في 35 قضية.
ولم يختلف د. طارق الزمر رئيس حزب البناء والتنمية عن آراء سابقيه، وزاد من الشعر بيتًا، مشددًا على أن مد أجل الحكم تم بطلب شخصي من ميركل، حتى لا يعرضها للحرج أمام شعوب تستنكر أحكام الديكتاتور الدموية!.
ولخص المستشار وليد شرابي – عضو حركة قضاة من أجل مصر – المشهد في محاولة لتأصيل ما هو قادم والتعامل مع أحكام القضاء في ظل حكم العسكر دون اندهاش، مؤكدًا أن القضايا التي طرحت منذ 30 يونيو وحتى الآن ما هي إلا تعبير عن رأي القيادة العسكرية في مصر. وأوضح شرابي أن أحكام الإعدامات هي قرارات عسكرية صدرت من قائد الانقلاب من خلال إملاءات على القاضي الذي سيصدر الحكم، مشددًا على أن رأي المفتي استشاري والرأي الأول والأخير هو للعسكر.