هكذا تعامل “أبناء حارة اليهود” مع قضية القدس

- ‎فيغير مصنف

لا يعبأ نظام السيسي بالحديث حول حقيقة التسريبات التي نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، والتي فضحت الموقف الحقيقي لنظام الانقلاب حول قضية القدس، خاصة أن هذه التسريبات تقف خجلى أمام المواقف المعلنة لنظام الانقلاب والتي يعلن فيها السيسي ابن حارة اليهود مرارا وتكرارا ولاءه للكيان الصهيوني، إلا أن آفة العلم هو النسيان، وقد كتب المصريون على أنفسهم نسيان كل شيء، حتى بات الخونة يرتعون مثل الأفاعي في الحجرات التي سكنها الخراب على أيديهم.

وبالرجوع قليلا لما انفردت به “الحرية والعدالة” مع بداية القرار الأمريكي لدونالد ترامب، والذي لم يجد فرصة سانحة يجرؤ فيها على مثل هذا القرار خيرا من هذا التوقيت، كشفت مصادرنا وقتها عن أجندة التعامل مع هذا القرار من قبل سلطات الانقلاب قبل التسريبات بشهرين كاملين، وقالت المصادر إن آلة السيسي الإعلامية سوف تظهر بوجه المندد والمستنكر في العلن، في حين كشفت كيف يتم إدارة الملف في الخفاء لإجهاض أي تحرك أو انتفاضة ضد القرار الأمريكي.

ودارت التصريحات -التي كشفتها المصادر- في تعامل نظام الانقلاب مع الملف الخاص بالقدس على طريقة التعامل مع البالون المنتفخ بالهواء، حينما تريد ألا تنفجر في وجه طفلك حتى لا يفزع منها فتقوم بإخراج الهواء منها بدلا من شكها بإبرة صغيرة فتنفجر، وهي الطريقة التي تعامل بها النظام العسكري في مصر على مدار عقود عديدة، حتى أن المصريين اكتسبوا الخبرة مع بعضهم البعض من خلال سلوكيات العسكر، فحينما ترى ابنك قد تسلل للتلصص على ابنة الجيران وتم ضبطه فوقتها لا تجد أمامك إلا طريقين، أحدهما صفع ابنك استرضاء لجيرانك أو تتركه فريسة في أيديهم.

السيسي يرد على التسريبات

وجه عبدالفتاح السيسي كلمة إلى ما يسمى بالشعب الإسرائيلي قائلا: «لدينا في مصر تجربة رائعة وعظيمة في السلام معكم منذ 40 سنة ويمكن أن نكرر تلك التجربة الرائعة، وأن يكون جنب أمن المواطن الإسرائيلي جنبًا إلى جنب مع الفلسطيني».

وأضاف السيسي لليهود، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة السابقة، أنه «يجب عليكم الوقوف خلف قياداتكم السياسية ولا تتردوا ونحن معكم جميعًا من أجل إنجاح تجربة السلام»، مؤكدا «حريصون على أمن المواطن الإسرائيلي جنبا إلى جنب مع الفلسطيني. وأناشد الرأي العام الإسرائيلي الوقوف خلف قياداته السياسية».

وطالب الدول العربية بمساندة خطوة السلام بين إسرائيل وفلسطين، وأن تدعم دول العالم تلك الخطوة، موجها دعوة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن يدعم خطوة السلام لأنها ستغير منطقة الشرق الأوسط كلها.

هكذا كانت تجربة السيسي مع التسريبات مسبقا، في ندائه للشعب الإسرائيلي بأن يقف خلف قيادته التي تنهب وتستوطن وتقتل الفلسطينيين، بل إن نظام السيسي عن طريق وكلاء مخابراته أكدوا مرارا أن أمن إسرائيل هو خط أحمر بالسبة لإدارة الانقلاب في مصر.

السيسي يفتخر بعمالته

هذه التسريبات لا تغضب السيسي.. بل يحولها إلى مكافآت وفواتير مستحقة السداد من مشغليه في الخارج، بالتوازي مع تسريبات عن الداخل مضمونها: لا أحد يقدر على السيسي حتى الجيش.

يتساءل الكاتب الصحفي وائل قنديل: “هل عبد الفتاح السيسي مهتم بالرأي العام في الداخل؟ ويقول للإجابة: عليك أن ترجع إلى محطات مهمة، في مقدمتها حكاية جزيرتي تيران وصنافير، وكيف كان الشارع المصري بنخبه وجماهيره يفور بالغضب من فكرة التنازل عن قطعة من جغرافيا مصر؟ إذ اندلعت تظاهرات، وتطايرت بيانات، واحتشدت شخصياتٌ وأحزابٌ ونقابات، وانهالت أحكام قضائية، ترفض البيع وتجرّمه وتؤثمه، حتى بدا أن مصر كلها مجروحةٌ مما جرى. فماذا فعل السيسي سوى أنه دهس ذلك كله بحذائه، ثم ضرب به عرض الحائط، وواصل صفقته إلى منتهاها؟”.

وأضاف قنديل -خلال مقاله بصحيفة “العربي الجديد” اليوم الاثنين- أن تسريب صحيفة نيويورك تايمز الخاص بمجهودات نظام السيسي للدفاع عن قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة يتزامن مع أعنف عاصفة يواجهها مخبول البيت الأبيض، والتي يفجرها كتاب “نار وغضب” فيأتي من القاهرة ما يؤكد أن حماقة “السيد الرئيس” أثبتت نجاعتها في التحكّم في مفاصل القرار في أكبر عاصمة عربية معنية بالقضية الفلسطينية، بحكم التجربة التاريخية والواقع الجغرافي.

لتصبح فحوى تسريبات السيسي: لبيك يا ترامب، نحن معك، كما تعهدت لك، وأنا واقف بين موظفي دائرتك الصغيرة في البيت الأبيض، وأنت جالسٌ ترسم خطوط المستقبل، وتوزّع المهام. لحظتها قلت لك “لن تجدني إلا معك” في حربك على الإرهاب الذي هو كل أشكال مقاومة التصور الأميركي الإسرائيلي للمنطقة والعالم.

تمرير تسريبات صغيرة

وأكد أنه لو كان السيسي مؤرقًا بصورته المخجلة بوصفه المفضل لدى الكيان الصهيوني، لانبرى إعلامه يتصدّى لشلال شهادات العمالة الدامغة الذي يتدفق من أفواه الصهاينة. حاخامات يقيمون الصلوات من أجله، ويدعون له بطول البقاء، خدمة للاحتلال الإسرائيلي، وجنرالات يدينون بالفضله له في جعل أوضاعهم الأمنية أفضل وأكثر استقراراً، وسياسيون يعتبرونه رجلهم الخدوم المعطاء في القاهرة.

وقال قنديل إنه بالتوازي مع ذلك لا بأس من تمرير تسريبات داخلية صغيرة، من نوعية أن الجيش ليس راضيًا عن مسلك السيسي، خارجيًا وداخليًا، وهي تسريبات أشبه بدهانات التدليك المهدئة، مثل حواديت صراع الأجهزة وصدام المؤسسات، والانتخابات هي الحل الوحيد لإزاحة الجنرال بجنرال آخر، وأحمد شفيق يهز عرش السيسي، حتى أن جديد 2018 مسربًا عن”العسكري المجهول” أن السيسي بعيد عن الجيش، والجيش غاضب على السيسي، لكن ما باليد حيلة، فقد أنشأ مليشيا عسكرية ضخمة، أقوى من الجيش، تحيط به وتؤمن سلطته، وأغرق الجيش في أمواج البيزنس وجحيم “داعش”، وأبعده عن مناطق التأثير.

وأضاف أنه باختصار يريد أن يقول لك إنه لا أحد يقدر على السيسي، حتى الجيش نفسه لا يستطيع إزاحته، وإذا وضعت في الاعتبار توقيت مثل هذه الإشارات، استباقًا لمناسبة مرور 7 أعوام على ثورة 25 يناير، ستكون الخلاصة: لا الجيش ولا الشعب يستطيعان زحزحة السيسي (القوي) عن سلطته، فلا تفكروا في تظاهرات أو غيرها، ولا تحاولوا في شيءٍ لأنكم منهزمون لا مفر!

ويبقى الاستسلام لتعاطي هذا النوع من”الصنف” السياسي وسيلةً تتكرر في مثل هذا التوقيت كل عام، لإحراق ما تبقى لديك من أمل ويقين في القدرة على الحراك، وسحق أي محاولةٍ للتفكير في التغيير، من خلال إظهار “تنظيم السيسي” قوةً باطشة لا قِبَلَ لأحد بها، تماماً مثلما نجحوا في زراعة أسطورة “إسرائيل التي لا تقهر” في المنطقة.