قال الصحفي والخبير الاقتصادي مصطفى عبدالسلام إن الإعلام في بعض الدول العربية كثف نشر تقارير مزيفة ومبالغ فيها عن الاقتصاد التركي وإن وسائل الإعلام تلك نسجت قصصا خيالية من نوعية أن الأسواق التركية باتت خاوية على عروشها، وأن الأتراك يعانون من زيادات قياسية في الأسعار، خاصة السلع الرئيسية.
وعن بعض عناصر القصة الصحفية الخيالية روجت وسائل الإعلام العربية أن تركيا في حال انكماش حادة، وأن الليرة تهاوت وهبطت في بحر سحيق لا خروج منه، وأن تركيا تغرق في ظلمات الديون الخارجية والمحلية، وأن الحكومة مطالبة بسداد ديون فلكية خلال فترة وجيزة تتعدى قيمتها 179 مليار دولار، أي ما يعادل نحو ربع ناتج البلد الاقتصادي.
وأضاف أن غالبية الأسر التركية باتت تشتري “هياكل” وأجنحة الدواجن بعد عجزها عن شراء اللحوم والدواجن، وأن الفواكه اختفت من الأسواق، وأن الفقر زاد بمعدلات كبيرة داخل المجتمع، وأن آلاف الشركات الأجنبية أغلقت أبوابها ورحلت بعد أن طردت العمالة.
وأبان عن أن من واقع هذه الدعاية تخيّل بعض المواطنين العرب المتأثرين بهذه “الآلة الإعلامية” أن ملايين التركيات سيتدفقن غدًا على دول المنطقة العربية ويقمن بالهجرة من بلادهن بحثا عن فرصة عمل أو حتى الستر والزواج، وأن ملايين الأتراك سيخرجون اليوم وليس غدا مطالبين بعزل أردوغان من منصبه، بل ومحاكمته بتهمة الفشل في إدارة الاقتصاد.
وقال “عبدالسلام” في مقال نشره على “فيسبوك” بعنوان “هل نتعلم من تركيا فن إدارة الأزمات الاقتصادية؟” إن تلك التقارير والأخبار والتحليلات عن “انهيار” الاقتصاد التركي بدأت فعليا في أغسطس الماضي، وأنه مع غزارة الحديث عن انهيار الاقتصاد التركي تجاهلت وسائل الإعلام العربية والعالمية يومها الحديث تماما عن الحرب الاقتصادية التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضد هذا الاقتصاد، وفرض عقوبات اقتصادية أمريكية على البلاد، وزيادة ترامب الرسوم الجمركية على صادرات الحديد التركية بنسبة 25%، ولم يتحدث أحد عن الحرب الاقتصادية المتواصلة التي تشنها بعض دول الخليج ضد الليرة التركية والمضاربة عليها، خاصة في أوقات الانتخابات، سواء الرئاسية والبرلمانية أو استفتاء تعديل الدستور.
خطوات الأتراك
وأوضح أن الحكومة التركية عملت وبقوة على إجهاض هذه الحملات الإعلامية الهجومية والحد من تأثيراتها السلبية خاصة على المواطن والاقتصاد، ونجحت خلال أشهر قليلة في زيادة إيرادات البلاد من النقد الأجنبي خاصة من قطاعات الصادرات والسياحة والاستثمارات الأجنبية والخدمات.
وأضاف أن من بعض تلك الإجراءات الصعود برقم صادرات البلاد الخارجية إلى 168.8 مليار دولار خلال الـ12 شهرا الأخيرة، ليعد الارتفاع الأعلى في تاريخ البلاد، ورفعت رقم صادرات البلاد في شهر واحد هو نوفمبر 2018 إلى 15.5 مليار دولار، وهو ما يعادل صادرات عدة دول عربية لمدة عام كامل.

واعتبر أن تحسن سعر الليرة التركية نتيجة لهذه السياسات التي طبقها البنك المركزي التركي، ليتراجع سعر الدولار من 7.3 ليرات في أغسطس الماضي إلى 5.2 ليرات حاليا، وتفتتح البلاد المرحلة الأولى من مطار إسطنبول الجديد، أكبر مطار في العالم، والبالغة كلفته نحو 14 مليار دولار، وأن ترفع الحكومة عدد السياح القادمين إلى البلاد خلال الأشهر العشرة من العام الجاري بنسبة 22.43%.
وقال: “تواصل الحكومة وبقوة تنفيذ عدد من المشروعات العملاقة منها إقامة محطة نووية، ومشروع لنقل الغاز الروسي لأوروبا عبر تركيا، وفتح قناة صناعية تصل بين البحر الأسود وبحر مرمرة تسمى قناة إسطنبول، وبناء 3 جزر صناعية على الأقل في بحر مرمرة، ومشروع نقل الغاز الطبيعي العابر للأناضول (تاناب) لنقل الغاز من أذربيجان إلى تركيا والذي يعد واحدا من أهم مشاريع الطاقة”.
وأشار إلى استقطاب استثمارات أجنبية مباشرة قيمتها 8.1 مليارات دولار من يناير إلى سبتمبر 2018، بعد إقرار قانون الجنسية التركية وتسهيل شروط الإقامة، حيث باتت الحكومة تمنح الجنسية التركية للأجنبي في حال شراء عقار أو أراضي بقيمة 250 ألف دولار، أو في حال ضخ 500 ألف دولار في مشروع استثماري.
إجراء غير طبيعي
وكشف مصطفى عبدالسلام عن أن أحدث خطوة قامت بها الحكومة في هذا الشأن كانت الثلاثاء 25 ديسمبر، حيث قررت زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 26%، ليصبح 2020 ليرة (381 دولارا) شهريا، كما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمس أيضا عن خفض أسعار الغاز الطبيعي 10% للمنازل والشركات في 2019 في محاولة لخفض العبء عن المواطن وتنشيط الاستثمار.
واعتبر أن الخطوة كانت أنسب رد على الحملات الإعلامية التي وصف تركيا بالمنهارة اقتصاديًا، ترفع الأجور وتخفض أسعار الوقود وتجذب الاستثمارات الخارجية المباشرة، وتحسن من قيمة الليرة مقابل الدولار، وتفتح أسواقا جديدة لصادراتها، وتبحث عن فرص لشركات المقاولات المنتشرة في العديد من دول العالم.
وعن مثل تلك السياسات التركية وانعكاسها في عالمنا العربي استغرب أن يحدث العكس داخل معظم دول المنطقة العربية، فلم نسمع مثلا عن رفع أجور الموظفين، بل إن هناك حكومات عربية عدة قامت في المقابل برفع أسعار السلع الرئيسية والوقود والكهرباء والمياه بشكل قياسي رغم تهاوي أسعار النفط، وتبحث معظم هذه الحكومات إجراء زيادات للأسعار في عام 2019، مع خفض الدعم، وتحرير بعض الأسعار ليتم بيعها بالأسعار العالمية، بل إن بعض الحكومات تبحث تقليص عدد الموظفين بالجهاز الإداري للدولة، خضوعًا لإملاءات صندوق النقد الدولي.