رغم مرور 36 ساعة على عملية سيناء التي أعلن المتحدث العسكري مقتل واصابة 26 ضابطًا وجنديًا فيها، لا تزال كمية كبيرة من الألغاز تثار حول العملية وسط شائعات غير مؤكدة عن مقتل قادة في ليبيا لا سيناء، وتضارب في عدد الضحايا الحقيقيين، وتضارب آخر في المعلومات الرسمية، وجدل حول مشاركة غزاويين، واختراق اتصالات الجيش.
اللغز الأول: قتلوا في ليبيا أم سيناء؟
كان هذا أول لغز أثاره نشطاء مصريون على مواقع التواصل وصل لحديث الدكتور محمود رفعت المحامي الدولي، ورئيس "المعهد الأوروبي للقانون الدولي والعلاقات الدولية" عما قال إنه معلومات وصلته من "مصدر موثوق" تؤكد أن "الهدف من العملية هو التغطية على عدد قتلى جيش مصر الكبير في ليبيا".
وقال "رأفت" إن العقيد أحمد المنسي قتل وهو يحارب في ليبيا برصاصة قناص في منطقة خريبيش في بنغازي، ومات بعد وصوله بيومين في بنغازي، واللواء محمد لطفي قائد المنطقة الشمالية العسكرية الذي ادعى المتحدث العسكري في وقت سابق موته بحادث سيارة "مقتول برصاص قناص بالرأس بمنطقة سوق الحوت في بنغازي أثناء قيادته كتيبة تفكيك ألغام".
كما أن النقيب ابراهيم زكي أحمد الذي قيل إنه مات في سيناء أمس أيضا "مات في تفجير لغم في منطقة الصابري في بنغازي وهناك قرابة 175 فردًا جنودًا وصف ضباط ماتوا في ليبيا الأسبوع الماضي وحده، بحسب تعبيره.
وزاد البلبلة نشر شخص يدعي محمد يوسف بوست منذ 4 يوليه (قبل الهجوم بثلاثة أيام) يزعم مقتل عقيد أركان حرب (أكرم زكي أحمد ابراهيم) وعميد صاعقة (أحمد المنسي) في ليبيا وهي التي تقاتل بجانب حفتر، وتوقعه: "سيعلنون بعد ايام وفاته إثر حادث إرهابي في سيناء".
ولكن الناشط جلال الشايب نشر تحذير يؤكد أن هذا البوست الكاذب وأن هذا الشخص "قام بتعديل البوست الذي كتبه منذ أربعة أيام وأضاف اسم العميد صاعقة أحمد المنسى بعد أن استشهد في العملية الإرهابية الأخيرة في جنوب رفح ليخدع الناس ويزعم أنه قد قتل في ليبيا وليس في سيناء".
وأرجع الناشط "هيثم أبو خليل" بيان تنظيم ولاية سيناء الذي يؤكد أنه وراء هجمات سيناء وقتل واصابة 60 ضابط وجندي رد على من اسماهم "أصحاب نظرية المؤامرة إن جنودنا قتلوا في ليبيا".
اللغز الثاني: هل شارك مهاجمون من غزة؟
اللغز الثاني الذي تتحدث عن صفحات مؤيدة للجيش المصري هو أن صور 3 من الخمسة التي أوردها المتحدث العسكري على حسابه على فيس بوك، هم من غزة، وأسماؤهم بحسب "الجيش المصري الالكتروني" الذي اورد صورهم ايضا: محمد سعدي أبو عاذرة، ومعاذ القاضي، وخليل الحمايدة.
وأكد هذا الناشط السيناوي "عيد المرزوقي" الذي ذكر أن "عناصر داعش الذين نفذوا الهجوم في سيناء العناصر الأهم منهم مقاتلون من قطاع غزة منضمين للتنظيم وقتلوا أثناء الهجوم منهم أربعة مهاجمين"، مؤكدا أن "دواعش غزة أشرس مقاتلين في تنظيم داعش سيناء".
وتشكك مصادر فلسطينية في أن يكونوا قدموا من غزة بعد الجهود التي أقدمت عليها حماس بالتنسيق مع مصر، لإنشاء منطقة عسكرية امنية لمنع التسلل عبر الحدود، وترجح أنهم من المقيمين في سيناء، ومن السلفية الجهادية المعادين لحماس وأن الهجوم ربما يستهدف وقف تحسين الأوضاع لغزة والرد على انشاء المنطقة الأمنية.
اللغز الثالث: لماذا التعتيم على عدد الضحايا؟
اللغز الثالث هو عدم إعلان المتحدث العسكري أو بيان تنظيم ولاية سيناء العديد الفعلي للضحايا القتلى من الجيش المصري والإرهابيين الذين هاجموا المعسكر الأقوى من نوعه على الحدود مع غزة.
فالمتحدث العسكري قدر الضحايا القتلى والمصابين معًا بـ26 ضابطًا وجنديًا، وولاية سيناء قال في بيانه الذي تبني فيه العملية انه قتل وأصاب 60 جنديًا، وسكاي نيوز ورويترز قالا في حصيلة جديدة: 23 قتيلا عسكريًا 33 مصابًا.
ومصادر أخرى مختلفة ذكرت ارقام غير مؤكده عن مقتل 92 جندي أو مقتل واصابة 33.
علي عكس ما ذكره المتحدث العسكري، نشرت صفحة "الجيش المصري الإلكتروني" التي يعتقد أنه يديرها ضباط جيش لديهم تواصل رسمي مع قيادة الجيش، أسماء – في كشف رسمي – لـ 33 ضابط وجندي من القتلى والمصابين دون ان تحدد عدد القتلى وحدهم.
ولكن المفارقة أن أسماء الـ33 قتيل ومصاب الذين نشرت الصفحة أسماءهم بدقة لم تتضمن أسماء الضباط الذين قتلوا والذين تتحدث المصادر المصرية عن 4 منهم على الأقل هم: العقيد أحمد منسي، والرائد احمد الشبراوي، والنقيب خالد المغربي، وملازم أول أحمد محمد حسنين شاهين.
الامر نفسه حدث مع ارقام من تم قتلهم من تنظيم داعش من المهاجمين، فقد ذكر المتحدث العسكري أنهم 40 ارهابي تم قتلهم، ولكنه نشر صور 5 فقط.
وجاء في بيان ولاية سيناء أن عدد قتلي التنظيم في الهجوم خمسة فقط.
ونشرت حسابات سيناويه على مواقع التواصل صورا متداولة لكمين البرث جنوب مدينة رفح الذي تم استهدافه بعد تفجيره ما أثار تعليقات نشطاء حول حجم الدمار.
اللغز الرابع: لماذا الترويج لفيديو "منسي" ثم تأكيد أنه "مفبرك"؟
اللغز الرابع كان ترويج فضائيات مصرية محسوبة على أجهزة سيادية للفيديو المنسوب للعقيد أحمد منسي قائد الكتيبة 103 وهو يستنجد بالجيش وفي الوقت نفسه يؤكد صموده مع 4 جنود فقط في الكتيبة التي تضم قربة 60 ضابطًا وجنديًا ثم نفي المتحدث العسكري لذلك ووصفه بأنه "مفبرك".
وبالمقابل تأكيد الضابط المصري "محمد عبد المنعم" الذي شارك في نجدة الكمين الذي وقع عليه الهجوم في الطريق، عبر حسابه على فيس بوك، أن الفيديو صحيح و"المقطع الصوتي صحيح 100% وهو للبطل (احمد فهيم) وليس للشهيد القائد احمد منسي"، بحسب تعبيره.
وروي هذا الضابط تفاصيل الهجوم على الكمين بدقة شديدة في نفس البوست، وحجم الهجوم الضخم ورد فعل الجيش بعد 13 دقيقة بقصف مركز للإرهابيين وتتبعهم.
وظهر تسريب صوتي منسوب لقائد الكتيبة 103 العقيد أحمد المنسي (قال موقع الجيش الإلكتروني انه للنقيب احمد فهيم) وفي الفيديو المسرب كان يؤكد أنه لا يزال صامد مع 4 جنود فقط وأن الإرهابيين دمروا كل الموقع (دخلوا بكام عربية مفخخة وهدوا المبيتات، وهدوا كل النقطة).
اللغز الخامس: هل اتصالات الجيش المصري مخترقة؟
ومن الغاز الهجوم أن تسريب رسالة من قيل إنه قائد الكتيبة التي كان يستغيث فيها ويطلب حمايتهم بقوله: (بسرعة يا رجالة أي حد يعرف يوصل للعمليات، يبلغهم يضربوا مدفعية، إحنا لسة عايشين) ؟! طرح تساؤلات حول: هل تم اختراق اتصالات الجيش وتسجيل الفيديو؟
أم سرب الفيديو ضباط زملاء من قتلوا ليبينوا تقاعس عمليات الجيش عن نجدة الكمين خاص أن الدعم تأخر 13 دقيقة؟ أم ان الفيديو المسرب "مفبرك"؟ أم نفاه الجيش لينفي أن اتصالاته مخترقه؟ ولماذا كان يطالب "أي حد يعرف العمليات" يبلغهم؟ هل انقطعت الاتصالات بينه وبين الجنرالات أم هناك شيء غير معروف؟
واظهر التسريب الصوتي – الذي نفاه المتحدث العسكري متأخرا -ان من كانوا في الثكنة العسكرية على اهميتها كانوا غير قادرين على التواصل مع قيادة العمليات لطلب دعم جوي رغم حضور الطائرات لاحقا وقصف أماكن عديدة.
وسبق المخبر أحمد موسى، المقرب من المخابرات الحربية، المتحدث العسكري في نفي صحة التسجيل الصوتي المتداول للعقيد أحمد صابر المنسي، قائد الكتيبة 103 صاعقة في شمال سيناء، ووصفه بأنه "مفبرك" و"غير صحيح ولا علاقة له بالشهيد".
وكان من الملفت حرص موسي خلال تقديمه برنامج "على مسئوليتي"، المذاع عبر فضائية "صدى البلد"، مساء الجمعة على تأكيد أن "شبكة القوات المسلحة مؤمنة وعير مخترقة، ولا أحد يستطيع الحصول على تسجيل منها ونشره على الفيس بوك أو تويتر".
وتأكيده أن "تسجيل الشهيد أحمد المنسي ضمن حرب المعلومات وهدفها توصيل رسائل سلبية ضد الجيش المصري".
ولاحقا نفي المتحدث العسكري في تصريح صحفي صحة التسريب وقال إنه "مفبرك" وحرص على تأكيد أن "الاتصالات بين أفراد القوات المسلحة تتم بطريقة مؤمنة تمامًا يصعب اختراقها، وذلك من خلال شبكة خاصة بالقوات المسلحة ولم يتم التناول عبر شبكات المحمول".
وكانت قناة DMC التي يشاع أنها قريبة من أجهزة المخابرات اذاعت عدة مرات التسجيل الصوتي للشهيد أحمد المنسي، كأنه حقيقة قبل أن ينفي المتحدث العسكري ذلك رسميا ما اثار تساؤلات حول أسباب تضارب المعلومات الرسمية حول واقعة الفيديو وهل هو صحيح أم مفبرك؟ وحذفت صفحة القناة التسجيل لاحقا.
هذه هي الطريقة الوحيدة لوقف الهجمات
وعقب الهجمات انتشرت عشرات التعليقات لخبراء امنيين وعسكريين سابقين في الصحف المصرية والفضائيات تسعي للتغطية علي فشل السيسي وقادته بأكاذيب تتهم قطر والاخوان بأنهم وراء هجوم سيناء، بيد أن أصوات اخري انتقدت هذه الاكاذيب وارجعت سبب الهجمات لاسباب اقليمية واخري تتعلق بالقمع الامني في سيناء.
وقال الباحث ماهر فرغلي أن "المنطقة كلها ستشهد موجة عنف وليس سيناء وحدها لأسباب لها علاقة بانهيار التنظيمات في الشام، وحالة السيولة الحدودية".
واعتبر أن السبب الأهم لاستمرار العنف في سيناء هو "غياب التنمية في سيناء لعقود طويلة، واتحاد ثالوث المخدرات والسلاح مع التكفيريين ومهربي الأنفاق، وكلهم لا يريدون للدولة وجود بسيناء، فضلاً عن الخطايا التي ارتكبها الأمن الفترة الماضية، ومنها توسيع دائرة الاشتباه، مما أوجد بيئة حاضنة للجماعات الإرهابية".
ووزعت "الهيئة العامة للاستعلامات" التابعة لحكومة الانقلاب على المراسلين الأجانب في مصر، بيانا حول "دلالات العملية الارهابية برفح "، و"تحليل لأبعاد العملية الارهابية في رفح" ركزت فيه على أنها "عملية انتحارية جماعية" وليست عملية "للسيطرة أو التمركز" في ظل تدهور قوة التنظيم في سيناء.
وقالت إن هدف العملية هو "لفت انتباه وسائل الاعلام العالمية بعيدا عن انهيار قدرات التنظيم في سوريا والعراق، وتقليل الضغط النفسي على جمهور التنظيم الإرهابي، ومحاولة إظهار أنه مازال يمتلك القدرة التنظيمية".
وأوضحت الهيئة العامة للاستعلامات ـ في بيان أعدته باللغات العربية والانجليزية والفرنسية ـ أن قوات الجيش المصري تمكنت من تحقيق هدفين ساعدا على خفض معدل العمليات الإرهابية والتي وصلت إلى 6 عمليات ارهابية خلال النصف الأول من العام الجاري 2017 في سيناء.
ورصدت انخفاض عدد عمليات داعش في مصر من 532 عملية ارهابية عام 2015، منها ما يقرب من 120 عملية في سيناء، لما يقرب من 25 عملية ارهابية العام الماضي، مرجعه هذا "لضعف بنية التنظيم الإرهابي ونجاح العمليات العسكرية للجيش المصري منذ بدء عملية (حق الشهيد)" بحسب الهيئة الحكومية.