كتب- كريم محمد:
لم يقتصر الأمر على تعاونها مع شركات إيطالية وفرنسية وإسرائيلية لمراقبة شعبها واعتقال من يكتب أي تعليق مخالف لتوجهات أولاد زايد، ولكنها تسعي لحماية الأنظمة التي دعمت استيلاءها على السلطة بعد دعمها للانقلاب علي التجربة الديمقراطية عبر تمويل شراء اسلحة واجهزة تعذيب وأخيرا اجهزة مراقبة عالية الجودة علي المصريين هاتفيًا وإلكترونيًا.
الفضيحة الأخيرة كشفها تحقيق نشرته مجلة تيليراما Télérama الفرنسية 5 يوليو 2017 مؤكدة أن الامارات أهدت السيسي نظاما للمراقبة الإلكترونية واسعة النطاق «سيريبر» تطوره شركة فرنسية تدعى «آميسيس»، تكلفته 10 ملايين يورو.
وبحسب الصحيفة الفرنسية والفيدرالية الدولية لحقوق الانسان، "يوفر النظام مراقبة حية للمستهدفين عبر أجهزتهم اﻹلكترونية، باﻹضافة إلى تخزين البيانات الوصفية لهذه النشاطات بما يسمح بمعرفة أي اﻷجهزة اتصل بأي المواقع اﻹلكترونية، بجانب تعقب المكالمات التليفونية والبريد اﻹلكتروني والرسائل النصية وغرف المحادثات الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي"!!.
ويسعي السيسي ونظام الإمارات الداعم له منذ انقلاب 3 يوليه 2013 وتدبير عشرات المجازر ضد المعارضين لمراقبة لصيقة لكل المصريين الساخطين على حكمه، خاصة بعدما انضمت أعداد أكبر من المصريين لمعارضته واتهامه بالفشل ما دعا الإمارات لمده بنظم مراقبة حديثة للشعب.
ومنذ استلائه على السلطة أوعز قائد الانقلاب لداخليته بشن حملة شرسة ضد المعارضين ومراقبة اتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي عبر أجهزة تم شراؤها خصيصا للداخلية لتتبع أي معارضة على تلك المواقع التي كان لها دور كبير في ثورة يناير 2011، كما أوعز لبرلمان الانقلاب بإصدار عدة تشريعات لتقييد حرية الإنترنت.
حملة حجب إلكتروني
وبدأت مؤخرا حملة أخرى لحجب مواقع الأخبار المستقلة التي لا تتقيد بتعليمات النظام وبلغ عدد المواقع المحجوبة حتى الان 125 موقع في غضون شهرين فقط، ووصل الامر لمحاولة السيطرة على انظمة تفك حجب المواقع أو تمنع النظام من التنصت على الإنترنت.
وفي مارس 2015 أعلنت شركة جوجل في بيان لها أن شركة مصرية تدعى MCS Holdings أحدثت اختراقًا أمنيًا استشعره مهندسوها، عبر محاولة النفاذ إلى حزم البيانات أثناء تمريرها عبر الشبكة بين المرسل والمستقبل، بما يتضمن إمكانية الاطلاع على المحتوى الذي يقرأه المستخدمون، وكذلك مراسلاتهم الخاصة، وبياناتهم الشخصية، وانتحال هويّات المواقع والأفراد، والاستحواذ على بيانات سريّة.
المخابرات الحربية وسيط
وكشفت مجلة تيليراما عن أن عقد منظومة المراقبة الجديدة جري ابرامه بواسطة المخابرات الحربية المصرية وتم توصيل النظام لها، وذلك عبر شركتين وسيطتين أسسهما رئيس الشركة الفرنسية، اﻷولى فرنسية تدعى Nexa، والثانية شركة «أنظمة الشرق اﻷوسط المتقدمة»، التي تعمل من دبي.
ونقلت المجلة الفرنسية عن مصدر، لم تذكر اسمه، أن مراكز البيانات لنظام التجسس الجديد "لم تُفعل حتى الآن، ومن المتوقع أن يحدث ذلك بنهاية العام الحالي 2017، بشكل سيُسهل من عمليات تحليل وأرشفة البيانات".
عقد يخالف القوانين الفرنسية
وتقول المجلة الفرنسية والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان في باريس أن العقد الذي ابرمته الشركة الاماراتية لتوريد اجهزة تجسس لمصر مخالف للقانون الفرنسي الذي يمنع تصدير هذه الاجهزة لأنظمة قمعية تقتل شعوبها وتحد من حريتهم.
وقالوا إن الشركة الفرنسية ذاتها تورطت في فضيحة تصدير أنظمة مراقبة مماثلة لنظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، ساعدت في استهداف معارضيه.
وبحسب القانون الفرنسي، يتطلب تصدير أنظمة مراقبة مماثلة تصريحًا من هيئة عليا تشرف على تصدير المنتجات ذات الحدين، أي التي يمكن إساءة استخدامها بشكل مخالف للقانون، وتتنوع من مواد كيميائية إلى وحدات طاقة نووية.
وسبق أن طالب البرلمان اﻷوروبي الدول اﻷعضاء فيه ثلاث مرات خلال اﻷعوام اﻷربعة الماضية بتعليق صادراتها من منتجاتها إلى مصر، بسبب تصاعد انتهاكات حقوق اﻹنسان. كان آخر هذه المرات عقب مقتل الباحث اﻹيطالي جوليو ريجيني العام الماضي بعد اختفائه يوم الذكرى الخامسة للثورة في 25 يناير 2016.
ووصف باتريك بودوان، محام الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ورئيسها الشرفي، بيع هذه المعدات للسيسي بانه «الأداة الرقابية التتبعية" في يد نظام السيسي، الذي بلغ قمعه اشده بحسب تعبيره، "لا يرقى إلى مصاف الاستهتار المروع فحسب، بل إنه قد يشكل فعلًا إجراميًا"، وطالب وزارة العدل الفرنسية بالتحقيق في الامر ووقف الدعم المقدم للآلة القمعية المصرية.
فضيحة قمعية
وقالت ماريز أرتيجلون، نائبة رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ورابطة حقوق الإنسان، إن «هذه الفضيحة الجديدة تبرهن على شعور مسؤولي أميسيس بأنهم بمأمن من العقاب، لأن التحقيق القضائي السابق معهم لتوريدهم أدوات قمعية لنظام القذافي السابق لم يؤثر عليهم بسبب بطء وطول الإجراءات القضائية".
وطالبت السلطات السياسية الفرنسية باتخاذ جميع التدابير اللازمة لوقف الدعم المقدم للنظام المصري على الفور ودون تأجيل إذ يتعلق الأمر فعليًا بانتهاك صريح لمسؤولية الشركات التجارية تجاه احترام حقوق الإنسان".
وتخضع شركة "أميسيس" لتحقيق قضائي في فرنسا منذ 2011 وذلك لقيامها بتزويد النظام الليبي بمنظومة للمراقبة الإلكترونية واسعة النطاق، مما سمح بالتعرف على المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، واعتقالهم ثم تعذيبهم.
ودعت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان ورابطة حقوق الإنسان الحكومة الفرنسية بالتحرك الفوري لوقف تصدير المعدات الرقابية للحكومة المصرية، التي ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق المدافعين عن حقوق الإنسان وبحق كل صوت معارض.
وطالبتا في بيان السلطات القضائية المختصة بتوسيع التحقيق الجاري حاليا بشأن تصدير المعدات الرقابية إلى ليبيا ليشمل الدعم المماثل المقدم للنظام المصري.
وقالا إن "المعلومات المنشورة في تحقيق لقناة "تليراما"، حول بيع منظومة رقابية مماثلة لنظام الجنرال عبد الفتاح السيسي في مصر بـ "مباركة" من السلطات الفرنسية المختصة "تمثل فضيحة مدوية جديدة".
واتهما نظام الانقلاب في مصر بأنه "ارتكب انتهاكات غير مسبوقة في جسامتها واتساع نطاقها فمنذ وصول السيسي إلى السلطة، عن طريق انقلاب عسكري في يوليو 2013، والتقارير تتوالى عن أعمال تعذيب واختفاءات قسرية واحتجازات تعسفية وإعدامات خارج إجراءات القضاء".
كما اتهمت المنظمتان السيسي بإعدام أبرياء بالمئات، واعتقال عشرات الآلاف باسم مكافحة الإرهاب، واستهداف الصحفيين وجمعيات المجتمع المدني باستخدام قانون خانق للحريات صدر في مارس 2017.