“رئيسة الكونجرس” تصفعه.. كيف أثرت أزمتا “الإغلاق” و”الجدار” على ترامب؟

- ‎فيعربي ودولي

يواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الحرب الأشرس منذ توليه منصبه في يناير 2017، في امتداد لسلسلة الأزمات التي يتعرض لها، والتي وصلت لحد مطالبات بمحاكمته وعزله من منصبه وتقديم استقالته، رغم العناد الشديد الذي يتميز به ترمب.

واستعرت الأزمة بين ترمب ورئيس مجلس النواب في اليومين الماضيين، بعدما أجبرت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على إرجاء خطابه الخاص بـ”حالة الاتحاد”، إلى ما بعد انتهاء الإغلاق الحكومي.

وقال ترامب عبر “تويتر”: “بسبب الإغلاق الحكومي، اقترحت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب، موعدًا لاحقًا لإلقاء خطاب حال الاتحاد، وهذا من صلاحياتها”.

وأضاف: “سألقي الخطاب عن حال الاتحاد عندما ينتهي الإغلاق الحكومي”.

وكان مقررًا أن يلقي ترامب الخطاب في 29 يناير الجاري، قبل الدورة المشتركة لمجلسي الكونجرس، في قاعة مجلس النواب.

غير أن “بيلوسي” أبلغت ترامب بأن مجلس النواب لا يمكن أن يسمح بإلقاء الخطاب في قاعته بسبب أزمة الإغلاق الحكومي، داخل مقر المجلس، إلى أن ينتهي الإغلاق الحكومي الجزئي.

وفي رسالة إلى ترامب، قالت بيلوسي: “أكتب إليك لإبلاغك أن مجلس النواب لن ينظر في قرار.. يسمح بإلقاء الرئيس خطاب حالة الاتحاد داخل المجلس حتى يعاد فتح الحكومة”.

تبادل ليّ الذراع

في غضون ذلك، قال مسؤول في الإدارة الأمريكية، إنه مع دخول الإغلاق الحكومي شهره الثاني، إلا أن الرئيس دونالد ترامب ما زال يعتزم إلقاء خطاب حالة الاتحاد السنوي أمام الكونغرس أواخر الشهر الجاري .

وأضاف المسؤول، أن البيت الأبيض بعث بطلب إلى المسؤول عن النظام في مجلس النواب، لإجراء «استعراض» خطاب حالة الاتحاد يوم 29 يناير 2019.

وكانت رئيسة الكونجرس نانسي بيلوسي، قد طالبت ترامب في الأسبوع الماضي، بإلقاء خطاب حالة الاتحاد أمام جمع من أعضاء مجلسي «النواب» و»الشيوخ» وشخصيات أخرى، باعتبار أن نحو ربع الحكومة الأمريكية مغلق منذ يوم 22 ديسمبر 2019. ويتعين على ترامب أن يقدم إلى الكونجرس تقريراً عن الدولة، لكن ليس مطلوباً منه بالضرورة أن يقدمه في خطاب يلقيه أمام المشرعين الأمريكيين في بث تلفزيوني مباشر.

وبعثت “بيلوسي” رسالة إلى ترامب يوم 16 يناير 2019، حثته فيها على إرجاء إلقاء الخطاب أو تقديمه إلى الكونجرس مكتوباً. ليرد ترامب على بيلوسي إثر ذلك بمنعها من استخدام طائرة عسكرية في رحلة يصحبها فيها مشرعون آخرون إلى أفغانستان، لزيارة القوات الأمريكية هناك.

فيما شهد ترمب إهانة أخرى تداولتها وسائل إعلام دولية، حينما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، أن دونالد ترامب الرئيس الأمريكي، قد أقام مأدبة عشاء بالكامل من الوجبات السريعة في البيت الأبيض لبعض ضيوفه، وقالت الإذاعة البريطانية في تقريرها، “شهد البيت الأبيض العديد من حفلات العشاء الخاصة والمهمة على مدار تاريخه، إلا أن مأدبة العشاء التي أقامها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كانت الأكثر غرابة، حيث قدم ترامب وجبات جاهزة وسريعة لضيوفه بسبب الإغلاق الحكومي”.

الإغلاق الحكومي

ويأتي قرار ترامب فيما صوت الجمهوريون والديمقراطيون الخميس في مجلس الشيوخ على نصين متنافسين، لمحاولة الخروج من توقف العمل في عدد من الإدارات الفدرالية على خلفية الإغلاق الحكومي الحاصل على مدار شهر كامل في الولايات المتحدة الأمريكية.

ودخل الإغلاق الجزئي للحكومة الأمريكية شهره الثاني، بعد فشل البيت الأبيض والكونجرس في التوصل إلى اتفاق بشأن الموازنة، مع إصرار ترامب على تضمينها تكاليف إنشاء جدار على حدود بلاده مع المكسيك.

ويجمد النقاش حول الجدار التصويت على إقرار الميزانية، ما يحرم نحو 800 ألف موظف فدرالي من رواتبهم ويوقف عمل أجزاء غير أساسية من الحكومة.

ويطالب ترامب بإضافة 5.7 مليار دولار إلى مشروع الموازنة لتمويل بناء الجدار، فيما يعارض الديمقراطيون ذلك.

وفي ظل غياب اتفاق على الموازنة، يتوقف عمل نحو ربع المؤسسات الفيدرالية، بما فيها وزارات الأمن الداخلي والنقل والزراعة والخارجية والعدل، إضافة إلى المتنزهات العامة.

وأدى الخلاف بشأن تمويل الجدار الحدودي الذي وعد بإقامته الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للفصل بين حدود بلاده والمكسيك إلى أطول فترة إغلاق للجهاز الحكومي في تاريخ الولايات المتحدة.

ويقول ترامب إنه يلزم الحصول على تمويل قدره 5.7 مليار دولار لمواجهة “أزمة إنسانية وأمنية” في الحدود الجنوبية، محذرا من أن الإغلاق الحكومي قد يستمر إلى أن يحصل على الأموال.

ويصف الديمقراطيون الجدار بأنه إهدار لأموال دافعي الضرائب، متهمين إدارة ترامب بأنها تتحدث عن “أزمة مفتعلة”.

فقبل تولي ترامب السلطة، كان يوجد 654 ميلا (أكثر من ألف كيلومتر) من الحواجز القائمة على طول الحدود الجنوبية، 354 ميلا من الحواجز لمنع المارة و300 ميل عبارة عن سياج حاجز لمنع المركبات.

ووعد ترامب خلال حملته الانتخابية لرئاسة البلاد ببناء جدار على طول الحدود الممتدة لألفي ميل، ثم تحدث بعد ذلك موضحا أن البناء سيقام على نصف المسافة فقط، لأن التضاريس الطبيعة، كالجبال والأنهار، تساعد في تغطية المسافة المتبقية.

غير أن ترامب عندما تولى السلطة، وعلى الرغم من استبدال بعض الحواجز الموجودة بالفعل، لم يبدأ بالبناء على أي امتداد للجدار، وصدق الكونجرس حتى الآن على توفير 1.7 مليار دولار لتمويل 124 ميلا للحواجز الجديدة والبديلة منذ دخول ترامب البيت الأبيض.

كما بنيت حواجز بديلة أو بدأت عمليات بناء على طول 40 ميلا. ومن المتوقع بدء عمليات بناء حواجز بديلة على طول أكثر من 61 ميلا في عام 2019. وهو ما يعادل أقساما جديدا بنسبة 15 % للهياكل المقامة حاليا.

وعلى الرغم من إصرار ترامب على بناء جدار على امتد الحدود بين البلدين، أشار مسح أجراه مركز “بيو” للبحوث الشهر الماضي إلى أن غالبية الأمريكيين، 58 %، يعارضون الفكرة، فيما يدعمها 40 %.

وتفاوتت تقديرات مؤسسات رسمية وغير رسمية بشأن كلفة الجدار الخرساني بين 12 مليار دولار إلى 70 مليار دولار.

وأثارت الكلفة المبدئية التي حددها ترامب، وتراوحت قيمتها بين 8 مليارات دولار و 12 مليار دولار لبناء جدار يغطي نصف الشريط الحدودي، خلافا واسع النطاق.

وكان سياج بطول 650 ميلا قد بني خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش بكلفة 7 مليارات دولار، ولا يمكن وصفه بأنه يفي بوعود ترامب الرامية إلى بناء حاجز “طويل وقوي وجميل”.

بيد أن ترامب يطلب حاليا 5.7 مليار دولار بالإضافة إلى مبلغ 1.7 مليار دولار مخصصة بالفعل للحواجز الجديدة والبديلة.

سياسة النفس الطويل

وكانت صحيفة “واشنطن بوست” إن الموظفين الأمريكيين الفيدراليين البالغ عددهم 800 ألف والمتوقع أن يفقدوا راتبهم للشهر الثانى على التوالى في الأيام القادمة بسبب الإغلاق الحكومى الأطول فى التاريخ الأمريكى، هم المثال الأكثر تطرفاً حتى الآن على التكتيك التفاوضي الذى يستخدمه باستمرار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب منذ توليه منصبه، ليحول الأزمة إلى نفوذا يستفيد منه.

وأضافت الصحيفة الأمريكية أن ترامب اعتاد تبنى نهج خلق أو التهديد بخلق كارثة، ثم يصر على أنه لن يعالج المشكلة إلا إذا استسلم خصمه لتلبية طلب منفصل.

واستخدم ترامب نفس قواعد اللعبة خلال المواجهات مع كندا والمكسيك واليابان والصين وكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية والاتحاد الأوروبي في العامين الماضيين بنجاح متفاوت.

خسائر بالمليارات

وتقول التقديرات إن التكلفة الاقتصادية للإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة، ستتخطى بالفعل مبلغ الخمسة مليارات دولار الذي طالب به الرئيس دونالد ترمب لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك، فوضعه عصا غليظة في عجلة الحكومة.

وأغلقت 9 من بين 15 إدارة فيدرالية، إلى جانب العشرات من الوكالات والبرامج الاتحادية، وتوقفت عدة خدمات، فيما تأثر حوالي 800 ألف موظف حكومي بالإغلاق الجزئي، تم توجيه بعضهم بالبقاء في المنزل بدون أجر أو العمل دون تلقي مقابل خلال فترة الإغلاق.

فعندما حدث إغلاق حكومي عام 2013 واستمر 16 يومًا، قال راند بول، السيناتور الجمهوري من ولاية كنتاكي: “لقد كلفنا أكثر من إبقاء الحكومة مفتوحة.

فالعمال الفيدراليون الذين لا يتقاضون رواتبهم أثناء إغلاق الحكومة يحصلون عادةً على رواتبهم ولو متأخرة، بمجرد انتهاء عملية الإغلاق، لذلك لن يكون هناك أي خفض في عبء الضرائب عليهم. والأهم أن الحكومة وقت الإغلاق لا تتمكن من جمع الرسوم التي تعتبر من بين مصادر الإيرادات الحكومية، وبالتالي فهي تصنف ضمن “الإيرادات المفقودة”.

ثم يأتي تأثير الإغلاق على الاقتصاد ككل، فعند إغلاق الحكومة في أكتوبر 2013، قدر الباحثون أنه قلص النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2% إلى 0.6%، وهو ما يشكل بين مليارين و6 مليارات دولار من “الناتج الاقتصادي المفقود”.

وبالتالي قد تتجاوز تكاليف الإغلاق الحكومي الجزئي بالفعل مبلغ 4 إلى 5 مليارات دولار، وهو ما يوازي التمويل الإضافي الذي يتفاوض عليه الكونغرس والرئيس #ترمب.

ولعدم وجود نهاية في الأفق، يبدو حجم تأثير إغلاق الحكومة الجزئي على الاقتصاد الأميركي، غير واضح.

وعلى الرغم من أن الديمقراطيين في مجلس النواب يعتزمون تمرير خطة لإعادة فتح الحكومة دون تمويل للجدار الحدودي، إلا أنه من غير المرجّح أن يوافق عليها مجلس الشيوخ بسبب عدم تلبيتها شرط الرئيس، “تمويل بناء الجدار”. غير أن ترمب قالها بتحدٍّ: الإغلاق سيستمر لأشهر بل لـ”سنوات” إن تطلب الأمر ذلك.