أحمدي البنهاوي
"بين 15 يوليو الماضي وذكراه السنوية هذا الأسبوع، مضى عام تغيرت فيه حياتي كثيرا، عشت الأشهر الثلاثة الأولى بصعوبة بالغة، كنت أمشي متكئا على العكاز وحركتي قليلة".
المؤلم برأي المواطن التركي الشاب صبري غوندوز ليس فقدان ساقه بل فقدان وطنه، "غوندوز" يرى أنه من المخزي أن يجد الانقلابيون من يدافع عنهم ويطلب لهم العفو، "لم تكونوا هناك. لم يطلق عليكم الانقلابيون الرصاص، لا تعرفون ماذا يعني أن يمر حولك نحو 260 رصاصة"، معتبرا أن من عاش أحداث ليلة الخامس عشر من يوليو، يغضبهم حقا سماع هذا الكلام ممن هربوا ليلة الانقلاب وتابعوا أحداثه عبر الشاشات، ثم جاءوا ليكتبوا التعليقات حولها.
حزب الشعب
ويرى "غوندوز" أن محصلة هذا الكلام بعد مرور عام على الانقلاب مخزية؛ لأنه يُعد حديثا لجني بعض الأصوات في الانتخابات.
ويؤكد بـ"نعم"، قائلا: "لو كان حزب الشعب الجمهوري المعارض هو من يحكم تركيا، وحدثت محاولة الانقلاب كنت سأخرج للتصدي لها، لكن هذا الحزب يصف محاولة الانقلاب بأنها أمر مخطط له (أي تم بإشراف الحزب الحاكم).
وعلى الرغم من أن والد "صبري" كان ينتمي إلى حزب "الرفاة"، كابن من أبناء منطقة البحر الأسود، إلا أنه ترعرع بين الصراعات السياسية، وعايش القوميين منذ كان في سن العاشرة، وقت وقوع انقلاب 28 فبراير، لذلك فلديه تمتع بالحاسة السادسة التي أدرك من قراءته مقالات تتحدث عن عمليات تطهير ستحدث في تركيا، وأن انقلابا وشيكا ربط بينها وبين الانقلاب الأخير للوهلة الأولى، قائلا: "أدركت أنها فرصتهم الأخيرة".
"بوغاز إيتشي"
ويعتبر صبري غوندوز، أحد المواطنين الأتراك والذي كان بين المجموعة التي تصدت للانقلابيين على جسر "بوغاز إيتشي"، (الذي أطلق عليه "جسر 15 يوليو" بعد محاولة الانقلاب) في إسطنبول.
وعن ذكرياته في ذلك اليوم، قال "صبري": "أعيش في منطقة أيازاغا، ذهبت لأنام بعد صلاة العشاء، وكانت زوجتي عند الجيران تشارك في حفل عيد ميلاد صديقتها. عادت زوجتي إلى البيت في الحادية عشرة مساء، أيقظتني بفزع قائلة: انهض هناك شيء ما يحدث. التلفاز يعرض أشياء غريبة!".
وتابع: "جميع القنوات كانت تتحدث عن انقلاب يجري في تركيا. اتصلت بأخي وأصدقائي وأبي، فقال لي والدي: يا بني، إنهم يقومون بالانقلاب، وعلينا فعل شيء ما. سألته: هل هناك أخبار من الرئيس أو رئيس الوزراء، وفي أثناء حديثنا الهاتفي قرأ الانقلابيون بيانهم العسكري على تلفزيون (تي آر تي) الرسمي. فقررت التوجه برفقة أصدقائي إلى منطقة "زينجرلي-كوي" وسط إسطنبول، وهناك كانت الأخبار تتوافد".
وأضاف "اتصلت بي زوجتي تحذرني من التوجه نحو الجسر لأنهم أغلقوه، تحدثت عن إطلاق نار وجرحى في المكان، لكن صممت على الذهاب إلى هناك.. وصلت فسقط رجل أمامي بعد أن أطلقوا الرصاص عليه، ورفعت يدي وقلت لهم اسمحوا لي بأن آخذه واقتربت وأخذته.. الجندي الذي أطلق النار عليه كان يمشي متكبرا، وعاد ليقول للجنود: أطلقوا النار على هؤلاء، موجها إلينا الشتائم، ووقتها أطلقوا وأُصبت".
سقطت على الأرض ولم أعد أقوى على الحركة، سمعت أصوات الرصاص تعبر من حولي، وحين سكت الرصاص حاولت الوقوف، نظرت إلى قدمي، لم يكن بإمكاني الوقوف، كان واضحا أن ساقي قد تحطمت، وأن الشريان فيها قد قُطع. أدركت هذا لأني تلقيت من قبل تدريبا على الإسعافات الأولية. فزحفت إلى الوراء محاولا الابتعاد عن الجنود.
تم نقلي إلى المستشفى وأنا أربط ساقي بعَلم كان يحمله صديقي، بدا الوضع هناك سيئا؛ بسبب العدد الكبير للحالات التي نُقلت إلى هناك. كان هناك طبيب واحد يجول بين الجرحى يرسل مَن حالتهم ليست بخطيرة إلى مشفى آخر، ويتابع الحالات الحرجة، وبجانبي مصابون يفارقون الحياة.
أمر الطبيب بنقلي بشكل عاجل إلى غرفة العمليات، وحين استيقظت بعد العملية سألت: هل نجح الانقلابيون في محاولتهم؟ أجاب والدي: الحمد لله، لم ينجحوا.
لا ندم على وطن
ولصبري غوندوز عبارة شهيرة "أعيش بلا ساق لكن لن أعيش بلا وطن"، رددها في حواراته الصحفية التركية، ولكنّ الشوق يمنيه بالوقوف للصلاة واصطحاب ابنته للحديقة.
وبالمقابل، لم تتخل الدولة عن المصابين، فقد "أمّنت لنا فرص العلاج حتى في المشافي الخاصة؛ الأمر الذي أنقذ كثيرا من أصدقائي من الوقوع في حالة إعاقة"، بحسب مصاب الانقلاب صبري غوندوز.