كتب رانيا قناوي:
مضى العام الأول على محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، والتي كانت تهدد المستقبل التركي وتنذر بحرب أهلية تأكل الأخضر واليابس، وتدمر التقدم والإزدهار التي وصلت لها تركيا على مدار العشر سنوات الأخيرة، لتبدأ مع فشل الانقلاب مرحلة جديدة من رصّ الصفوف ولملمة الأوراق؛ عبر تطهير الجيش من "العناصر الانقلابية" لتعزيز قوة مؤسسات الدولة، وأخذ العبرة من أحوال البلاد التي قضى عليها الانقلابات العسكري مثلما حدث في مصر 2013.
إلا أن الأتراك لم يقبلوا الطعم كما قبله المصريون، حيث أفشل الأتراك الانقلاب بعزيمتهم، الذي شبّهه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بانتصار الجيش العثماني على قوات التحالف الغازية في معركة "جناق قلعة" سنة 1915، إبان الحرب العالمية الأولى (1914-1918).
وكانت المعارضة النزيهة في تركيا من ضمن معاول الهدم لهذا الانقلاب الغاشم، حيث خرجت تصريحات من كبار قادة قوى المعارضة التركية عبّرت عن رفضها المساس بأمن البلاد، كما قوبلت المحاولة الانقلابية، آنذاك، باحتجاجات شعبية عارمة في معظم المدن والولايات التركية. إذ قاوم الأتراك بصدور عارية آليات عسكرية جاءت لتنقلب على نظام الحكم.
ونشرت وكالة أنباء الأناضول التركية تقريرا مصورا في شكل "فيدوجراف" لرصد مراحل الانقلاب بدءا من المخطط والتحركات الأاولى ومرورا بخروج الشعب التركي لصد هذا العدوان ونهاية بالقضاء على هذا الانقلاب الفاشل.
وليلة النصف من يوليو 2016، شهدت العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول محاولة انقلاب نفّذتها عناصر محدودة من الجيش، تؤكد أنقرة أنها تتبع منظمة "فتح الله غولن"، وحاولت خلالها السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها الأمنية والإعلامية، قُتل خلالها 250 شخصاً، وأصيب 2193 آخرون.
بعد أشهر قليلة من محاولة الانقلاب الفاشلة، بَنَتْ تركيا جداراً لحماية نفسها من أطراف خارجية راهنت على سقوط دولة الجمهورية، مختزلة الزمن الطويل الذي كانت تحتاجه العديد من الخطوات الداخلية؛ تمثّل في طرح تعديلات دستورية على 18 مادة، صوّت لصالحها 337 نائباً من البرلمان التركي، في فبراير 2017، ما أفضى إلى استفتاء شعبي، انتهى بنسبة 51.3% صوّتوا بـ "نعم"، مقابل 48.6% صوّتوا بـ "لا".
هذه التعديلات التي صوّت عليها نحو 79 مليون تركي، منتصف أبريل الماضي، ستطبّق بشكل كامل مع حلول عام 2019، وتقضي بتحويل نظام الحكم في الدولة من برلماني إلى رئاسي تنفيذي، ومنح سلطات تنفيذية معزّزة للرئيس، الذي سيملك تعيين وإقالة الوزراء، وسيُلغى كذلك منصب رئيس الوزراء.
وستسمح التعديلات للرئيس بالتدخل مباشرة في عمل القضاء، الذي يراه الطيب أردوغان بأنه يخضع لتأثير عدوّه اللدود المقيم في الولايات المتحدة، الداعية فتح الله غولن، الذي يؤكّد أنه هو من يقف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة، في 15 تموز 2016.
وضمن مساعيها لضمان قوتها، بدأت تركيا في أعقاب محاولة الانقلاب حملة واسعة لتنظيف الجيش التركي ومؤسسات الدولة ممّن قالت إنهم متّهمون بالضلوع في تنفيذ مخطط "غولن" الرامي إلى الانقلاب على النظام التركي وفرض سيطرته.
وفي هذا الصدد، أعلنت وزارة العدل التركية، في 13 يونيو 2017، اتخاذ السلطات القضائية في البلاد إجراءات قانونية بحق 169 ألفاً و13 مشتبهاً، ضمن إطار التحقيقات الجارية في قضية مكافحة جماعة "غولن"، التي تصنّفها تركيا كـ "تنظيم إرهابي".
وأوضحت الوزارة في بيان أصدرته، أنها سجنت 50 ألفاً و510 أشخاص عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، التي جرت منتصف يوليو 2016، في حين أصدرت مذكرات قبض على 8 آلاف و87 شخصاً، بينهم 152 عسكرياً، و392 شرطياً وقائمقام، و265 شخصاً يعملون داخل الأجهزة القضائية المختلفة.
وتأتي إجراءات القضاء التركي بحق أعضاء تنظيم "غولن" ضمن مخططها في تطهير الجيش؛ لكونهم قاموا منذ أعوام طويلة بالتغلغل في أجهزة الدولة، لا سيما في الشرطة والقضاء والجيش والمؤسسات التعليمية، بهدف السيطرة على مفاصل الدولة، الأمر الذي برز بشكل واضح من خلال المحاولة الانقلابية الفاشلة.
وليلة النصف من يوليو 2016، شهدت العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول محاولة انقلاب نفّذتها عناصر محدودة من الجيش تتبع منظمة "فتح الله غولن"، وحاولت خلالها السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها الأمنية والإعلامية.
وعقب فشل الانقلاب، خرجت تصريحات من كبار قادة قوى المعارضة التركية عبّرت عن رفضها المساس بأمن البلاد، كما قوبلت المحاولة الانقلابية، آنذاك، باحتجاجات شعبية عارمة في معظم المدن والولايات التركية، إذ توجّه المواطنون بحشود غفيرة تجاه البرلمان ورئاسة الأركان بالعاصمة، ما أجبر آليات عسكرية كانت تنتشر حولها على الانسحاب، وأسهم بشكل كبير في إفشال المخطط الانقلابي.
واستجاب الشارع التركي، منذ اللحظات الأولى للعملية الانقلابية، وفي أوقات متأخّرة من ليلة الانقلاب، لنداء رئيسه في النزول إلى الشارع لإفشال مساعي عناصر من الجيش في السيطرة على مفاصل الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والإعلامية.
ورأى محللون ومراقبون أتراك أن يقظة الشعب التركي من أهم العوامل التي أسهمت في إفشال الانقلاب، إذ يدرك الأتراك أن الدول الغربية تقف وراءه وتدعمه، عبر مصالح تتقاطع مع تنظيم الكيان الموازي في تركيا، ولقد خلص الشعب إلى أن الانقلاب قد وقع بسبب وجود جماعة تسعى للسيطرة على مقاليد الأمور في تركيا بغير الطرق القانونية، ولا الطرق الديمقراطية.