أحدث خبر ترحيل السلطات التركية المهندس المصري الشاب محمد عبد الحفيظ حالة من اللغط والارتباك في صفوف المصريين المقيمين في تركيا، بعد شكوك واسعة في تواطؤ السلطات التركية مع نظام الانقلاب في مصر بتسليم الشاب المصري المحكوم عليه ظلما بالإعدام في هزلية “النائب العام”، وكان وقع الخبر سيئا على المصريين المقيمين بتركيا باختلاف توجهاتهم السياسية، فيما كان مبهجا للأذرع الإعلامية للانقلاب التي تلقفت الخبر للشماتة من رافضي الانقلاب والوقيعة بينهم من جانب، وبينهم والأتراك من جانب آخر.
وبعد الترحيل؛ ربما لم يخفف قرار ولاية إسطنبول توقيف وإبعاد 8 من أفراد الشرطة التركية العاملين بالمطار والذين أشرفوا على ترحيل الشاب المصري، كثيرا من الغضب الذي ثار في نفوس المصريين هناك؛ إلا أنه كان دليلا على أن ما حدث لم يكن بتوجه رسمي، وأن ثمة تلاعبًا وتآمرًا تم في التعامل مع تلك القضية الشائكة من جانب أطراف ترغب في الوقيعة بين المصريين والأتراك.
ويرى مراقبون أن ما تم كان للتأثير على سمعة أردوغان وتركيا في نصرة المستضعفين من ناحية، وضد قيادات الإخوان في تركيا وإظهارهم على غير الحقيقة بأنهم “يبيعون أبناءهم”، فضلا عن خلق مشكلة بين قيادات الإخوان والحكومة التركية.
من جانبه يشير المحامي ممدوح شعير إلى أن نشر صورة واضحة لـ”عبد الحفيظ” مقيدا بكرسي الطائرة يشير إلى الهدف من تدبير جريمة تسليم المهندس المصري الشاب.
وأكد “شعير” أن تركيا لا تتعاون مع انقلابيي مصر في تسليم مطلوبين، ويعيش في تركيا كثيرون ممن يريدهم نظام الانقلاب في مصر، لافتا إلى أن كل من يكتب عن الشاب محمد عبد الحفيظ لا يعرف الحقيقة كاملة.

تصريحات مستشار أردوغان
وعلى أكثر من شاشة رافضة للانقلاب خرج ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي، ليشير إلى أن الأمر غير مقصود وأن “بيروقراطية” أو ولاء لدول إقليمية، وتحديدا الإمارات، يمكن أن يكون الدافع لإحداث هذه الحالة من الشك والريبة لدى المقيمين في تركيا.
وأشار “أقطاي” إلى أن المهندس محمد عبدالحفيظ جاء من مقديشيو بتأشيرة غير مناسبة، ولم يطلب اللجوء السياسي، وأن السلطات التركية لم تتواصل مع الإخوان، كما أشيع، بشأن ترحيل محمد عبد الحفيظ إلى مصر، وأن صورته، وهو مقيد من الخلف في الطائرة، غير مقبولة.
أسباب تركية
وكشفت صحيفة “تركي عربي” أسباب ترحيل الشاب محمد عبد الحفيظ حسين، من مطار أتاتورك إلى القاهرة. وقالت: “بعد التدقيق تبين أنه لا يحمل الشروط المعتمدة في الحصول على الفيزا التي تخوله دخول تركيا، فتمت إحالته إلى مركز تدقيق الجوازات، وبعد إجراء التحقيقات تبين أنه يخالف شروط الفيزا نوع B1، بعدها تم إصدار قرار باعتباره مسافرا غير ممكن أن يدخل تركيا وتمت الإجراءات اللازمة لإعادته إلى مقديشو”.
وأضاف التقرير أنه “بعد محادثة الشخص المعني مع منسوبي الأمن قال إنه لا يريد الذهاب إلى مقديشو بل إنه يريد المتابعة إلى النقطة التالية حسب تذكرة سفره، أي القاهرة، علما أنه تأخر عن موعد الطائرة المتجهة إلى القاهرة يوم 17 يناير، بسبب محاولته الدخول إلى تركيا بشكل غير قانوني فتم تعديل التذكرة إلى موعد آخر في نفس اليوم”.
وأوضح التقرير “لكن قبل لحظات قليلة من السفر أبلغنا بأنه لا يريد الذهاب أيضا إلى القاهرة، وبعد الانتظار في مطار أتاتورك الدولي تم تعديل التذكرة لتصبح عند الساعة 01:30 بتاريخ 18 يناير، حيث تم إركابه الطائرة بمرافقة موظفي الخطوط الجوية التركية وتم تسفيره إلى القاهرة”.
وذكر التقرير أنه “خلال فترة تواجد الشخص المعني لم يتم إي إبلاغ لقوى الأمن أو السلطات العليا بأي طلب حماية إنسانية دولية، لو كان هناك أي طلب من هذا القبيل كان سيتم إيقاف الإبعاد إلى حين انتهاء الإجراءات الدبلوماسية”.
بعد الترحيل
وفي تصريحات للمستشار القانوني لحزب “الحرية والعدالة” مختار العشري لـ”القناة التاسعة” أشار إلى أن السلطات التركية لم تبلغ أحدا بشأن “عبد الحفيظ”. مضيفا: “لم نعلم شيئا عن هذا الشاب أو ظروفه إلا بعد أن تم ترحيله”.
وأوضح أن “عبدالحفيظ” وصل تركيا يوم 16 يناير، واتفق مع بعض الشباب على مساعدته في دخول تركيا، دون معرفة الإخوان، ولم يتقدم للحصول على تأشيرة الدخول سوى يوم 17 يناير، وبعد ذلك ألغوا تلك التأِشيرة بعد أن عرض الضابط المسؤول الأمر على السلطات التركية بشكل مبتور.
ولفت “العشري” إلى أن سلطات أمن الانقلاب في المطار عرضوا عليه الذهاب لمقديشو وأراد البقاء ثم عرضوا عليه الذهاب للقاهرة فلم يرد مباشرة أو يبدي امتعاضا ثم اعترض بعد أن أكدوا أنهم يحضرون لترحيله إلى مصر.
وعن انتماء محمد عبدالحفيظ للإخوان المسلمين أشار مختار العشري إلى أنه لا يستطيع نفي الأمر أو تأكيده، مشددا على أنهم في “جمعية رابعة” إحدى جمعيات النفع العام للمصريين، يخدمون الجميع “إخوان وجهاد وشخص عادي ومسيحي”، وقال: لا يعنيني كثيرا تصنيف الشخص، بل نتعامل بتجرد.. يعنيني خدمته دون النظر لانتمائه”.
وعن التواصل مع الأتراك أشار إلى أن السلطات التركية أكدت أن هذا تصرف فردي من ضابط في المطار، وأنهم يرفضون الانقلاب رفضا تاما ولا يتعاونون معه ويدخلون عشرات الحالات المشابهة لحالة محمد عبدالحفيظ.
وأعاد مختار العشري التذكير بأن الانقلاب لا يألوا جهدا أن يتصيد الشباب داخل مصر وخارجها، وأن تصفية 7 أو 8 أول أمس محاولة لتصفية الشباب عن طريق الإعدامات والقتل بدم بارد والتغييب خلف القضبان.
وأضاف أن ما حدث مع الشاب محمد عبدالحفيظ حدث مع كثير ممن حاول الخروج من مصر أو من هم خارجها، إلا أنه فشل فيها جميعا.

إنقاذ “أبو العلا”.. والجنسية
وقبل 5 شهور اعتقلت السلطات التركية حالة مشابهة لمحمد عبدالحفيظ وهو الشاب عبدالرحمن أبو العلا الذي أفرجت عنه انقرة أمس، بعدما كان مهددا بالترحيل إلى القاهرة، واستخرجت له السلطات التركية وثيقة إثبات شخصية.
وأشار الصحفي عطية أبو العلا إلى تواصله مع قيادات الإخوان في تركيا لإنقاذ “عبدالرحمن” من الترحيل، وأنه تم بالفعل الإفراج عنه.
وقالت الحقوقية أسماء شكر: “بعد ترحيل محمد عبدالحفيظ بات فرض عين على القيادات والنخب في تركيا إنشاء كيان واحد متفرغ لملف المصريين في تركيا، وتقنين أوضاع هؤلاء المصريين، والسعي إلى حصولهم على الجنسية التركية، التي حصل على مثلها السوريون والفلسطينيون”.