صحافة مصر بعد الانقلاب.. غلق وقتل واعتقال وملاحقة

- ‎فيتقارير

* اعتقال 76 صحفيا.. مقتل ثمانية.. غلق صحيفتي "الحرية والعدالة" و"الشعب"

* مداهمة مقرات المواقع الإلكترونية..منع المقالات المعارضة من النشر.. حصاد حرية الإعلام في عهد الانقلاب

* مراسلون بلا حدود: مصر تأتي في المرتبة 158 من أصل 179 في الترتيب العالمي لحرية الصحافة

* المرصد الأورومتوسطي: اعتقال 76 صحفيًا خلال النصف الثاني من 2013 ولا يزال 37 منهم رهن الاعتقال التعسفي

صافيناز صابر

في عهد الانقلاب أصبحت حرية الرأي والتعبير والممارسة الصحفية والإعلامية أمرًا في غاية الخطورة؛ إذ تقوم سلطة الانقلاب بالتضييق على الصحفيين وبخاصة المؤيدين للشرعية والرافضين للانقلاب العسكري ضاربة بقوانين حريات الصحافة عرض الحائط.

تعكف هذه السلطة على تكميم أفواه أي صوت معارض لها وتُمارس ضدهم العديد من الانتهاكات الصارخة والتي تنوعت ما بين اعتقال وقتل وملاحقات قضائية وغلق جرائد ومداهمة مقرات العديد من المواقع الإلكترونية ومنع مقالات من النشر، لينذر ذلك بوجود مؤشر خطير لغياب حرية الرأي والتعبير وعودة الصحافة إلى وضع أسوأ مما كان عليه في عهد نظام مبارك.


صُنّفت مصر في المرتبة 158 من أصل 179 في الترتيب العالمي لحرية الصحافة بحسب منظمة "مراسلون بلا حدود"، وأيضًا احتلت المرتبة الثانية في البلدان التي يُقتل فيها أكبر عدد من الصحفيين في عام 2013.


وأعلن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في بيان له صدر في ديسمبر الماضي أنه وثّق اعتقال 76 صحفيًا خلال النصف الثاني من العام المنصرم (2013)، فيما يزال 37 منهم رهن الاعتقال التعسفي حتى اللحظة، مضيفا أن السلطات المصرية تتعمد استهداف الصحفيين والإعلاميين الذين ينقلون صورة أخرى لما يجري في الشارع غير الصورة التي يريدها النظام.


في حين أشارت التنسيقية الوطنية للصحفيين والإعلاميين ضد الانقلاب في بيان لها إلى أن سلطات الانقلاب منذ 3 يوليو 2013 اعتقلت أكثر من 40 صحفيا، وقتلت 8 صحفيين وإعلاميين، وحجبت مقالات العشرات في الصحف القومية، وأغلقت أكثر من 8 قنوات فضائية.


إغلاق القنوات المؤيدة لـ"مرسى"

منذ أن وقع الانقلاب وممارسته حافلة بمعاداة الصحافة والصحفيين والإعلاميين؛ فمنذ اللحظة الأولى لقرار الانقلاب تم قطع بث جميع وسائل الإعلام الموالية للرئيس محمد مرسي والتي تبث المظاهرات المؤيدة له، وعددها 7 قنوات منها قناة الناس والرحمة والحافظ ومصر 25، كما ألقت الشرطة القبض على العاملين بالقنوات والمذيعين وبعض الضيوف.


فيما اقتحمت أجهزة الأمن وأغلقت مكاتب واستوديوهات قنوات: الجزيرة مباشر مصر، والجزيرة الإخبارية، الجزيرة الإنجليزية وأوقفت أجهزة البث وانقطع بثها على القمر الصناعي نايل سات، واحتجزت مدير قناة الجزيرة مباشر مصر وكذا مدير مكتب الجزيرة الإخبارية بالقاهرة مع عدد من العاملين، وأجبرت العاملين والضيوف في الجزيرة مباشر مصر على التوقف عن الكلام وإيقاف بث نقل صورة ميدان التحرير.


بخلاف التشويش على قنوات القدس والحوار وإغلاق قناة اليرموك الأردنية بسبب بثها المباشر لاعتصام مؤيدي الشرعية في ميدان رابعة العدوية قبل فضه.


قتل 8 صحفيين ومصورين

بلغ عدد الصحفيين الذين قُتلوا منذ الانقلاب وحتى الآن نحو 8، من بينهم: أحمد عاصم المصور الصحفي بجريدة الحرية والعدالة والذي استشهد أثناء تصويره ارتكاب قوات الجيش بارتكاب مجزرة الحرس الجمهوري، كذلك قُتل 6 صحفيين ومصورين في مجازر فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة ومسجد الفتح من بينهم حبيبة عبد العزيز، وأحمد عبد الجواد الصحفي في "الأخبار"، فضلا عن مقتل الصحفي تامر عبد الرؤوف مراسل جريدة الأهرام بالبحيرة في كمين للجيش.


صارت تهم حيازة كاميرا أو نشر أنباء كاذبة هي التهم الرائجة لدي سلطات الانقلاب بعد اعتقال أي صحفي، إذ اعتقلت قوات الأمن بعد مجزرة فض اعتصام رابعة العدوية حوالي 18 صحفيًا ومصوّرًا بحسب ما ذكره مركز دعم لتقنية المعلومات، فضلا عن اعتقال اثنين من مراسلي شبكة رصد في الإسكندرية لقرابة 100 يوم حتى الآن بتهمة حيازة كاميرا، كما اعتقلت الصحفي أحمد أبو دراع مراسل المصري اليوم في سيناء بتهمة نشر أخبار كاذبة وحكمت عليه المحكمة العسكرية بـ6 شهور حبس مع إيقاف التنفيذ.


صحفيون وراء القضبان

هناك صحفيون يقبعون في خلف السجون منذ عدة أشهر، وهم:، كل من محسن راضي، وأحمد سبيع، وهاني صلاح الدين، وإبراهيم الدراوي، حمادة السعيد، ويأتي من بين الصحفيين المعتقلين أيضا أحمد عز الدين مدير تحرير جريدة الشعب، سعيد أبو حج، المصور الصحفي ومراسل مركز إعلام سيناء، عمرو قزاز مدير شبكة رصد الإخبارية، باسم الشريف مراسل موقع المحيط الإخباري، إضافة إلى اثنين من صحفيي الحرية والعدالة هما محمد آمر وسماح إبراهيم.


ما بين القتل والاعتقال يوجد هناك صحفيون يعانون من الملاحقة القضائية الجائرة بحقهم نتيجة لظهور عدد منهم على الفضائيات العربية والدولية للتعليق على التطورات في مصر، وتطور الأمر إلى إصدار مذكرات بحث واعتقال بحقهم، بمجرد وصول أحدهم إلى مطار القاهرة، أو عبر أي منفذ بري آخر إلى مصر، من بينهم الصحفي سامي كمال الدين بالأهرام ومدير مكتب مجلة “الدوحة” في مصر، والصحفي أحمد الشرقاوي، والكاتب الصحفي محمد القدوسي والصحفي جمال نصار.


إحالة صحفيي الجزيرة للمحاكم

وخلال الأيام الماضية تم إحالة 20 إعلاميًا من شبكة الجزيرة إلى المحاكم المصرية بتهم نشر معلومات كاذبة وتهديد الأمن القومي واستخدام معدات دون ترخيص وإضعاف هيبة الدولة وتكدير السلم العام، تحتجز السلطات الانقلابية ثمانية فقط، فيما لا يزال الباقون قيد الملاحقة.


واتهمت النيابة 16 مصريا بـ"الانتماء لجماعة إرهابية، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، في حين وجهت النيابة للأجانب الأربعة، وهم بريطانيان وأسترالي وهولندية اتهامات بـ"الاشتراك مع المتهمين المصريين بطريقة المساعدة في إمداد أعضاء تلك الجماعة بالأموال والأجهزة والمعلومات، وإذاعة بيانات وأخبار وشائعات كذابة وصور غير حقيقية"، وذلك بغرض الإيحاء للرأي العام الخارجي أن البلاد تشهد حربا أهلية.


ففي إحياء الذكري الثالثة لثورة يناير تم احتجاز 19 صحفيا، منهم إسلام الكلحي، أحمد القعب، أحمد فؤاد، أحمد هشام، وليد فكري، محمد جبر، عمرو صلاح الدين، طارق وجيه، حسن ناصر، محمد الجباس، محمد درويش، عيد سعيد، خالد كامل، أحمد الحسيني، عبد الخالق صلاح، وإصابة 4 هم حسام بكير، وعبد الله أبو الغيط ومحمد فوزي ومحمود خالد، واستشهاد اثنين من المصورين الصحفيين هما مصطفي الدوح ومحمد ندا، حيث يعمل هؤلاء بعدد من الصحف والمواقع، منها المصري اليوم والبديل والوادي والوفد ووكالة الأنباء الصينية، وذلك وفقا لما نشره موقع الوادي ومصادر التنسيقية الوطنية.


غلق الصحف

مارست السلطة الانقلابية سياسية قمع الحريات وقامت بغلق جريدة الحرية والعدالة في ديسمبر الماضي على خلفية قرار رئيس مجلس الوزراء حازم الببلاوي باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية وتم وقف إصدارها دون سند قضائي.


وأيضا تم غلق جريدة الشعب الجديد التابعة لحزب الاستقلال "العمل الجديد سابقا" في يناير الماضي بادعاء جريدة "الأخبار" أن مطابعها في حالة صيانة، ولجوء أجهزة وزارة الداخلية إلى مصادرتها بدعوى أنها تنشر مواد تهدد الأمن القومي.


وفي يوم السبت الماضي داهمت أجهزة الأمن بالقاهرة مقر شبكتي يقين وحصري بشارعي شامبيليون ومحمد حلمي بمنطقة وسط القاهرة، بإذن من نيابة قصر النيل وألقت القبض على 14 صحفيا وحرزت المضبوطات من أجهزة تصوير وبث، لكنها أطلقت سراحهم بعدها بيومين بكفالة.


تسعى سلطة الانقلاب إلى قمع أي صوت معارض لها حتى وإن كان مؤيدًا لها طالما أنه خرج عن الحدود والأطر التي تضعها؛ فها هو الكاتب بلال فضل مُنع مقاله الأخير من النشر في جريدة الشروق لأسباب سياسية رُغم أنه من الداعين لـ 30 يونيو.


ولم تتوقف الانتهاكات الصارخة لحرية الإعلام؛ حيث أقالت وزيرة إعلام الانقلاب درية شرف الدين رئيسة قناة "نايل تي في" ميرفت محسن بسبب عرضها ضمن البرنامج الصباحي "مصر اليوم" فيلما عن إنجازات الرئيس محمد مرسي كان قد أعده وزير الإعلام السابق صلاح عبد المقصود وأنتجه التليفزيون المصري، وأحالت عدة أفراد إلى التحقيق ولم تكتفِ بذلك بل قامت بوقف العاملين المتسببين بعرض الفيلم لمدة 3 أشهر وكلفت سامح رجائي برئاسة القناة مؤقتًا.


ظل عرض الفيلم مستمرًا على الشاشة لمدة ثماني دقائق، ثم تداركت القناة وقامت بتغيير البرنامج.


المزيد من الانتهاكات

تقول الدكتور نرمين عبد السلام -أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة-: "إن تكرار مسلسل غلق الصحف والمواقع الإلكترونية يعد مسلسلا لوأد حرية الإعلام والصحافة، وعودة إلى عصر الإعلام السلطوي ذي الاتجاه الواحد المؤيد تمامًا للسلطة والمروج لكل مواقفها، وهذا يخالف كافة قوانين الصحافة ويعد انتهاكًا كاملاً لها وللحريات".


وتضيف "من المتوقع الفترة القادمة وفي ظل الانقلاب العسكري حدوث المزيد والمزيد من الانتهاكات ومنع لحرية الإعلام، فنحن تسير من سيئ إلى أسوأ"، مؤكدة احتمالية أن يتم في المرحلة المقبلة ما يعرف بالنفي الإعلامي لكل أصحاب الآراء والأصوات التي كانت تحسب على ثورة 25 من يناير وأسهمت فيها وسيكون هناك حملة متصاعدة لمحوها.


وتتابع عبد السلام قائلة "ما حدث مع الكاتب بلال فضل ومنع مقالته من النشر في جريدة الشروق والتي كانت تحمل رأيًا معارضًا للانقلاب رُغم أنه كان من الداعين لـ30 يونيو لخير دليل على تكميم أي صوت تشتد لهجة معارضته ويخرج عن سياق المؤيدين للانقلاب وسياسات القمع"، موضحة أنه لا يشترط أن يكون هذا الصوت من دعاة الشرعية.


نرمين عبد السلام: حرية الإعلام تسير من السيئ إلى الأسوأ ونتوقع المزيد من الانتهاكات