كما وصف علماء السلطان والانقلابيون في مصر أمثال سعد الدين الهلالي، الذي وصف عبد الفتاح السيسي ومحمد إبراهيم وزير الداخلية الأسبق بأنهما من رسل الله، وقت الانقلاب على الرئيس الشرعي محمد مرسي، قال بيان للحزب الحاكم الجزائري، اليوم، إن «بوتفليقة مرسل من الله»؛ ردًا على معارضي العهدة الخامسة للرئيس الجزائري الثمانيني عبد العزيز بوتفليقة.
وبعد خروج حشود المتظاهرين في المدن الجزائرية، أول أمس الجمعة، أعلن حزب جبهة التحرير الوطني عن أن المظاهرات الرافضة لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة لن تغيّر موقفه، وأنه «ماض في الحكم لتنفيذ إصلاحات جوهرية». وقال رئيس المجلس الشعبي الوطني، معاذ بوشارب، خلال تجمّع شعبي أمس السبت في وهران: إن معارضي ترشح بوتفليقة حالمون، أحلام سعيدة وصح النوم». وفجّرت تصريحات بوشارب ردود فعل سريعة على شبكات التواصل الاجتماعي، ووصفت بالمستفزة لمشاعر الآلاف الذين تظاهروا بكافة أنحاء البلاد ضد العهدة الخامسة.
كان منسق هيئة تسيير حزب جبهة التحرير الوطنية معاذ بوشارب قد نظم تجمعًا شعبيًا بقصر المؤتمرات التابع لشركة سونطراك بولاية وهران غرب البلاد، قال فيه «إن الله بعث بوتفليقة للجزائر سنة 1999 ليصلحها».
واستعان بوشارب بالحديث النبوي الشريف قائلا: «إن الله يرسل على رأس كل قرن رجلا يصلح للأمة أحوالها».
الربيع العربي فزاعة
وتطرق بوشارب للمسيرات التي شهدتها البلاد، الجمعة الماضية، ضد العهدة الخامسة لبوتفليقة، مستعينا بلغة التخويف والتحذير من سيناريو الربيع العربي. ودافع عن منتسبي الحزب قائلاً: «أولاد جبهة التحرير مستعدون للموت جوعا، وأناس تناور عليهم بالقول أنتم تأكلون الكاشير». في إشارة إلى السخرية التي طالت المشاركين في تجمع القاعة البيضاوية بالعاصمة، يوم إعلان ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة، وروج على مواقع التواصل أنهم تم شراؤهم بساندويش الكاشير (اللحم المفروم).
كان بوتفليقة قد أعلن في رسالة ترشحه عن تنظيم وفاق وطني وتعديل عميق للدستور، إذا فاز بالانتخابات المقررة في 18 أبريل 2019. وقال بوشارب: «اليوم خارطة الطريق التي جاء بها الرئيس أشبهها بميثاق 1976، هذا الميثاق الذي أدى في شهر نوفمبر من نفس السنة إلى دستور جديد، وأحيا سلطة الثورة التشريعية في البرلمان». ودافع عن ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة، قائلا: «الخيار جاد (خيار الترشح) بالنظر للحصيلة التي أنجزها منذ 1999 وقبل هذا التاريخ وفي جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية، ولا يمكن إنكارها».

استفزاز شعبي
أثارت تصريحات معاذ بوشارب ضجة على الشبكات الاجتماعية، واعتبرها صحفيون وسياسيون مستفزة لمشاعر آلاف الجزائريين الذين خرجوا في مسيرات حاشدة بطريقة سلمية ضد العهدة الخامسة.
ووصل معاذ بوشارب إلى رئاسة المجلس الشعبي الوطني بعد عزل رئيسه السابق سعيد بوحجة، بطريقة منافية للدستور، إذ لم يقدم الأخير استقالته وعمد النواب إلى غلق باب البرلمان بالأصفاد والأغلال لمنعه من دخول مكتبه.
ويري مراقبون أن مرض بوتفليقة والشك في سيطرته الكاملة على السلطة، ربما كان وراء سعي المقربين منه في الرئاسة والجيش للترشح واختيار نائب عسكري له، مع التنسيق مع المخابرات كي يسهل مستقبلا، في حالة غياب بوتفليقة، على من سيخلفه، ويحكم بدون صراعات على السلطة.
ويشيرون في هذا الصدد إلى رئيس اركان الجيش ونائب وزير الدفاع الفريق “قايد صالح”، الذي تم تحويل كل المهام المسحوبة من المخابرات له، كمرشح قوي لخلافة بوتفليقة.

حرب التحرير
يشار إلى أن النظام السياسي الجزائري في شرعيته منذ الاستقلال يقوم على ديناميكيتين حاسمتين لموازنة القوة: (الأولى) أن الرئيس ظل يستمد الجزء الأكبر من مصداقيته من دوره في حرب الجزائر من أجل الاستقلال ومشاركته فيها.
(الثانية): تقاسم السلطة بين “جماعة تلمسان” في غرب الجزائر التي ينتمي لها الرئيس الحالي بوتفليقة، و”الجماعة الشرقية”، التي غالبا ما يمثلها جنرالات الجيش الكبار، وهما جماعتان تقسمان كافة شرائح الشعب الجزائري الرئيسية، ويجري تقسيم الحصص الحكومية والسلطة عليهما دائما.
ويرى الباحث الجزائري “عبد الإله بن داودي”، في دراسة نشرها معهد واشنطن في سبتمبر 2018، أن هذه القواعد في تقسيم السلطة تمثل حاليًا أزمة كبيرة، لأن معظم المحاربين القدامى الذين قاتلوا ضد الفرنسيين ماتوا، ما يعني أن الرئيس المقبل لن يكون من المشاركين في حرب التحرير، وأي رئيس من جيل ما بعد الاستقلال سيفتقر إلى الشرعية الموضوعية والمصداقية التي يملكها بوتفليقة حاليًا.
هذه الضبابية وعدم بقاء القواعد السابقة على طبيعتها ربما كانت وراء سعي إخوان الجزائر لترشيح رئيس الحركة للرئاسة، خصوصًا في ظل كون الحركة تشكل ركنًا سياسيًا مهمًا، ولها شعبية في الشارع الجزائري، ومن ثم السعي لإدخال البلاد مرحلة جديدة من الديمقراطية ومنع الفساد، بعدما جربت البلاد الانقلابات والفساد وانقسام الجنرالات وتدهور الاقتصاد.