فيما تبقى له من صحة تدهورت مؤخرا بشكل كبير، رأى السفير إبراهيم يسري أن “السيسي يملك بكل قوة مقاليد الحكم، ولن يسلم السلطة إلا بانقلاب عسكري عليه أو ثورة شعبية عارمة تطيح به، خاصة أن قانون الحكم العسكري هو أنه لا يسقط إلا بفعل من داخل المؤسسة العسكرية”.
ويبدو أن معالي السفير “يسري” يكنُّ للجيش مكانة كما هو حال أبناء جيله وكثير من المصريين، فرغم أنه يتحدث اليوم عن تلك “المؤسسة”، فقد نقل عنه الدكتور سيف عبدالفتاح تصريحًا لمساعد وزير الخارجية الأسبق، صرح به في 16 ديسمبر 2013، بعد الانقلاب بأن “مهمة الجيش الأصلية هي حماية حدود الوطن لا أن يؤسس لنفسه سلطة رابعة باسم المؤسسة العسكرية..!”.
ومصطلح الثورة العارمة سبق أنه سجله في حوارات، فقال في أحدها: “أراهن على الشعب، وعلى النار التي تحت الرماد، طال الوقت أم قصر، سنة سنتين أو عشر سنين سيستعيد الشعب ثورته”.
غير أن السفير عبّر ثانية عن فترة إحسان ظن المصريين بالجيش، عندما علت هتافات “الجيش والشعب إيد واحدة” في التحرير، ورغم أن هذا الهتاف كان لدى بعض الثوار معبرا عن فهم لطبائع الاستبداد، ولكفّ أذى الجيش بالمعنى العامي “تثبيته”، ففي 13 مارس استغرب من موقف البعض من بقاء الجيش فقال: “الجيش عايز يمشي وناس بتقول له يقعد”.
في حواره الأخير مع “عربي21″، قال السفير إبراهيم يسري إن: “إقامة نظام ديمقراطي حقيقي أمر في غاية الصعوبة في مصر طالما كان الحاكم عسكريا يعتمد على دعم الجيش”.
وحملّ “المعارضة” المسئولية واتهمها بأنها هشة وقادتها تنقصهم أولويات العمل السياسي؛ مستدلا بأن “النخب طلبت إجراء انتخابات مبكرة فأضاعوا مكسبا تاريخيا، وهو ضرب الشرعية والتآمر عليها، وشاركوا في حركة 30 يونيو، وشهدنا في المرحلة الحالية أقطاب 30 يونيو يتراجعون عن تأييد نظامها”.
ومعالي إبراهيم يسري سفير سابق لمصر في الجزائر، ومساعد وزير خارجية أسبق ، ومدير إدارة القانون الدولي والمعاهدات الدولية الأسبق.
ويذكر له الجميع الدعوى التي أقامها زمن مبارك لإلغاء صفقة تصدير الغاز إلى إسرائيل، ولم يبال بغضب هؤلاء ولا سخط هؤلاء.

وفي سؤال له عن تقييم موقف المؤسسة العسكرية وباقي مؤسسات الدولة المصرية من سياسات النظام؟ قال إن: “المؤسسة العسكرية اندمجت مع كل سلطات ومؤسسات الدولة واخترقتها وصارت لها السيطرة والرأي في كل أنشطتها، وهو وضع غير مألوف إلا في بعض الدول الشمولية ولا أستطيع تقييم ذلك، ولكني لا أتوقع لها أداء ضعيفا لنقص الكفاءات والخضوع لأسلوب العسكر”. مضيفا أن “باقي مؤسسات وأجهزة الدولة ليس لها من مواقف تخالف إرادة النظام، بل تتقبل كل سياسات واتجاهات المؤسسة العسكرية”.
هل اختلفت رؤيته؟
ومبكرا كان للسفير إبراهيم يسري مواقف من أجل هذا الوطن، ومعرفة الشائن من غيره، ففي 19 يونيو 2012، استغرب مفارقة صارخة يقوم بها العسكر ويصرون عليها إنها مقولته “الدولة ليس لها الحق في مناقشة وإقرار ميزانية الجيش لكن الجيش يقرر ميزانية الدولة؟!!”، وأضاف إلى استغرابه إشراف الجيش على سرقة الغاز المصري من “إسرائيل” وقبرص.
فمستقبل العسكر في حكم مصر كان مطروحا من بين أسئلة أخرى، شفعه المحرر بسؤال عن “هل قد نجد تدخلا عسكريا ضد السيسي؟”، فقال إن “الحكم العسكري استمر لما يقارب 70 عاما ولديه النية للبقاء 70 سنة أخرى ما لم تحدث مفاجآت غير عادية. والسيسي يملك بكل قوة مقاليد الحكم ولن يسلمها إلا بانقلاب عسكري عليه أو ثورة شعبية عارمة تطيح به، خاصة أن قانون الحكم العسكري هو أنه لا يسقط إلا بفعل من داخل المؤسسة العسكرية”.
وسابقا قال إن: “الجيش حامي الشعب لا حاكم الشعب”، وإن “الجيش يتملك أرض مصر بدعوى الخدمة الوطنية”، كما أنه في 5 يوليو 2013 وفور إلقاء السيسي خطاب الانقلاب قال “يسري”: “لا أساس قانوني للخطوة التي أقدم عليها الجيش ويتساءل أي دستور الذي أقسم عليه الرئيس المؤقت؟!”. مضيفا (“السيسي” ضيعنا).
فأسرها السيسي وأبداها فور ما تمكن، فاستدعى المسن المقعد، الفقير براتبه التقاعدي حسب تصريحاته، واستدعاه إلى مكتب النائب العام في أغسطس 2014.
لم أعتزل
وفي إشارات متعددة أبدى اهتماما في حواره الأخير بالشأن العام مؤخرا ردا على لغط بشأن اعتزاله العمل العام، وأكد أنه كان موجودا “كمحام بالنقض توليت قضايا الشأن العام وبدأت هذا التوجه عام 2007 في قضية بطلان اتفاق تصدير الغاز لإسرائيل التي نالت زخما شعبيا، وأنصفنا القضاء في إبطالها..”، وأنه أثار قضية بطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة التي أضاعت حقوقنا في ثلاثة حقول غاز استولت فيها قبرص على حقل أفروديت، ونهبت إسرائيل حقلي شمشون وليفيثيان الذي يقع أحدهما على بُعد 90 ميلا من محافظة دمياط و271 ميلا من إسرائيل.
ثم قضية بطلان اتفاق الخرطوم الثلاثي بين مصر والسودان وإثيوبيا، والتي تنازلت مصر فيها عن حقوقها القانونية النافذة والملزمة في مياه النيل، ومقبول بناء سد النهضة الإثيوبي، والثالثة اتفاق البحث في المكامن الهيدروكربونية في مياهنا دون السماح لمصر بالتنقيب عن هذه المكامن في المياه القبرصية.
وأشار إلى أنه طعن أمام الدستورية العليا بانعدام حكمها بصحة اتفاقية التنازل عن تيران وصنافير وطعن أمام المحكمة الإدارية العليا للاستمرار في تنفيذ حكمها ببطلان هذه الاتفاقية.
وكشف عن أن حالته الصحية منعته من المتابعة اللصيقة بعدما رحل المحامي المتطوع معه محمد الدماطي (رحمة الله عليه)، مبينا أنه لجأ إلى كتيبة من المحامين الوطنيين القديرين فأصدرت لهم توكيلات لمتابعة القضايا المذكورة…
الإعدامات
واعتبر أن حدث عشرات الإعدامات المتتالية “لم أشهده في القضايا الجنائية مما يبعث على الاعتقاد بوجود ثغرات في إجراءات قضايا الإعدام خاصة وأن عدد المحكوم بإعدامهم يبلغ العشرات، ولم تنشر وسائل الإعلام حيثيات تلك الأحكام، وهذا ما ينبغي اتخاذه حتى يقتنع الضمير الجمعي للشعب باستحقاق الحرمان من حقه في الحياة، وقد صادفت في عملي بالمحاماة قضاة تجنبوا الحكم بالإعدام طيلة ممارستهم القضائية”.
وأشار إلى تأكيد القانون إفساح المجال أمام المتهم ومحاميه بتقديم الدلائل القاطعة على البراءة دون الاقتصار على اعتماد شهادة الشهود أو تقارير الشرطة.
التعديلات
وقرأ إبراهيم يسري تعديل الدستور بأنه خطوة خطيرة يجب تناولها بالدراسة، لأن الدستور يأتي كعقد اجتماعي يتم اعتماده باستفتاء شعبي والقاعدة المُتبعة دوليا هي الحفاظ عليه لعشرات – إن لم يكن لمئات – السنين، ولكن الأمر في مصر مختلف تماما.
وعليه، قال “إن التسارع في استصدار الدساتير يكشف عن عيب خطير في التطبيق الديمقراطي ومن هنا لا أحبذ تعديل الدستور على مقاس كل حاكم”.
واستنكر موقف النخب السياسية قبل وبعد 25 يناير، واصفا بأنها “غير قادرة على تطوير هذه البيانات، العنترية، إلى عمل سياسي سلمي، وأتوقع أن تمر هذه التعديلات لتسمح باستمرار النظام حتى سنة 2034 وما بعدها.
وعاب السفير إبراهيم يسري على النخب والمعارضة عملها كـ”ضجيج بلا طحين”، وقال: “المعارضة في الداخل والخارج تحتاج إلى تغييرات كبيرة، وأهمها بزوغ قيادات جديدة، بل إنني لا أري أن هناك معركة بالنسبة لتعديل الدستور، فالمعارضون يكتفون بكتابة بيانات الرفض والتنديد”.
وعن موقفه من دعوات التصويت بـ”لا”، قال: “كتبت ودعوت كل من لا يؤيد التعديلات ألا يدلي بصوته، وأن يتجنب الاقتراب من اللجان حتى لا يتيح تحويل صوته من الرفض إلى الموافقة. أما مقارنة البعض بحالة بينوشيه في تشيلي فهي غير واردة للاختلاف الجذري بين الحالتين”.
مشددا على أنه يجب “ألا نضع ثقتنا وأملنا في المجتمع الدولي والرأي العام العالمي، ومجلس حقوق الإنسان، ومجلس الأمن، فكلها اصطلاحات رائعة ومنظمات نشطة، ولكن دورها هو كشف انتهاكات حقوق الإنسان وتعتبر منبرا يكشف هذه الانتهاكات دون وقفها”.

الاصطفاف
وعن دعوات اصطفاف المعارضة، استغرب أن تُمارس بعض النخب السياسة بآلية المشاعر الشخصية من حب أو كراهية وهي أمور لا مكان لها في قاموس السياسة، فهي تتجنب التوافق في وقت تحتاجه البلاد لإرساء ديمقراطية قوية بالأساليب السلمية ووفقا للقانون والدستور، ورفض النخب لاستعادة روح ميدان التحرير التي شكلت أقوى اصطفاف، وكان ذلك أهم أسباب نجاح الثورة، مما يفصح عن أن نخبنا تعاني من طفولة سياسية، فضلا عن أنها تعاني من ضعف شديد يشل حركتها ويعطل قوتها. معتبرا أنه “ومن المؤسف إصرار النخب على سياسة الإقصاء ورفض الاصطفاف”.
بالمقابل قال إن “المؤسسة العسكرية اندمجت مع كل سلطات ومؤسسات الدولة واخترقتها وصارت لها السيطرة والرأي في كل أنشطتها، وهو وضع غير مألوف إلا في بعض الدول الشمولية ولا أستطيع تقييم ذلك، ولكني لا أتوقع لها أداء ضعيفا لنقص الكفاءات والخضوع لأسلوب العسكر”.
ولكنه لم يفقد الأمل فرأى أن “المخرج السياسي الفاعل هو اصطفاف كل القوي السياسية دون إقصاء بحيث تتمكن من اتخاذ مواقف سلمية قانونية كالإضراب والعصيان المدني قبل أن تقع في بحر من الدماء أو تموت عطشا”.
ولكنه أيضا أعتبر أن “الشعب الواعي المنظم هو الوحيد الذي يملك مفتاح التغيير”، مشددا على أن الأوضاع الراهنة لن تتغير إذا استمر ضعف النخب والقيادات واكتفاء الطبقات الفقيرة والمتوسطة بالعويل والشكوى!
الإرهاب والإجرام
وقال السفير إبراهيم يسري إن هناك خلطا بين الإرهاب والإجرام، كما نلاحظ أن النظام الجديد تحدث فقط في بداية حكمه عن إرهاب محتمل، مضيفا أنه من المهم أيضا التمييز بين الفعل ورد الفعل؛ فقد تمت أعمال تُنسب للإرهاب نتيجة لتبني سياسة الحلول الأمنية.
وعن حل مشاكل سيناء أكد أنه “يأتي بالتنمية وليس بالمدفع والطائرة، واقترحت في هذا العمل ألا نستخدم الاسم الجغرافي سيناء، بل قد ندعوها الوجه الشرقي تعبيرا عن اندماجها بالوطن المصرية. ولكن أهم نتائجها في رأيي هو انتهاء التزامات اتفاقية السلام.
رجل المبادرات
وقدم السفير إبراهيم يسري مبادرات عديدة حقنا للدماء..
الأولى: يوم 20 فبراير 2011 بعد ثورة يناير، حيث أرسل إلى المشير طنطاوي طالبا منه تسليم السلطة خلال ستة أِشهر من خلال خطوات واضحة ، وقال “بالطبع كانوا لا يريدون تسليم السلطة إلا بعد ست سنين”.
الثانية: كانت بعد انقلاب 3 يوليو، يقول عنها “قدّمت مشروع تسوية (وليست مصالحة، لأنه ليس في السياسة مصالحة) للسيسي، كان من نقاطه جعل الرئيس مجرد رمز، ونقل كل سلطاته لرئيس الوزراء، إضافة لمشروع قانون يحصّن العسكريين من المحاسبة، ولم تقبل تلك المبادرة لا من الإخوان، ولا من العسكر.
الثالثة: كانت في 2014، قال فيها إن “السيسي هو رئيس فعلي قراراته صالحة، وليس رئيسا شرعيا”، وكانت دعوة للسيسي “لشرعنة نظامه” من خلال اتخاذ خطوات تطمئن الناس، والإفراج عن المعتقلين، والتخفيف عن الناس اقتصاديا، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن للأسف لم يحدث رد.