رغم حالة الزواج الكاثوليكي الحاصل الآن بين النظام الملكي السعودي بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان ونظام الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي، أعلنت الحكومة السعودية ترحيل عشرات الآلاف من المصريين ضمن برنامج “السعودة”، الذي بدأته قبل سنوات؛ لإحلال مواطنيها محل العمالة الأجنبية.
وتعود هذه الخطوة بالسلب بشكل كبير على مستقبل العمالة المصرية في السعودية؛ بسبب تأثيراتها المتوقعة على الاقتصاد المصري بعد عودة هذا العدد الكبير من العمالة إلى البلاد.
ونقلت صحف أجنبية عن مراقبين أنها ستهدد بفقدان عدد كبير من العمالة الأجنبية لوظائفهم، وفي مقدمتهم المصريون، الذين يحتلون المرتبة الرابعة بين الجنسيات الأجنبية العاملة في المملكة بعد مواطني الهند وباكستان وبنجلاديش.
في الوقت الذي تعاني سلطات الانقلاب من الديون الخارجية التي زادت على 100 مليار دولار، وتعوّل على تحويلات العاملين في الخارج، التي توفر أحد الروافد الأربعة للعملة الصعبة بجانب عائدات قناة السويس والسياحة والصادرات.
وبلغت التحويلات من السعودية وحدها 40% من إجمالي تحويلات المصريين في الخارج، والتي سجلت 25.5 مليار دولار في 2018، بحسب البيانات التي أعلنها البنك المركزي المصري الأسبوع الماضي.
المرحلة الثالثة
وأعلنت السعودية الشهر الماضي تطبيق المرحلة الثالثة والأخيرة من توطين العمالة السعودية في 12 مهنة، وقصرها على السعوديين فقط؛ بهدف تقليل معدلات البطالة المتفاقمة بين السعوديين، التي بلغت 12.8% في الربع الثاني من 2018؛ حيث تهدف المملكة إلى توفير 1.2 مليون فرصة عمل، وخفض معدل البطالة إلى 9% بحلول عام 2022.
ونقلت صحف عن رئيس شعبة إلحاق العمالة بالخارج بالغرف التجارية، حمدي إمام، أن نحو 250 ألف عامل مصري بالسعودية عادوا نهائيا إلى بلادهم خلال عام 2018، موضحا أن غالبية العمالة المصرية العائدة تتمركز في قطاع التشييد والبناء والقطاع الطبي والصيدلة.
وقال إمام – في تصريحات صحفية – إنه تم انحسار الطلب على العمالة المصرية من الدول الخليجية خلال الفترة الأخيرة، موضحًا أن الشعبة تبحث حاليا عن أسواق بديلة للسوق السعودية تستوعب العمالة المصرية في كل من إفريقيا وآسيا، خاصة أن الأوضاع في العراق وليبيا ما زالت مضطربة حتى الآن.
سعودة الوظائف
فيما أكد نائب رئيس شعبة إلحاق العمالة بالخارج بالغرفة التجارية، عبد الرحيم المرسي، أن العام الماضي شهد نزوح عدد كبير من العمالة المصرية بالسعودية؛ بسبب سعودة الوظائف، مضيفا أن نحو 85% من العائلات المصرية بالسعودية عادت إلى البلاد؛ بسبب الرسوم الباهظة التي فرضتها السلطات على المقيمين.
الأمر الذي ينذر بكارثة كبيرة على زيادة معدل البطالة وتحويلات المصريين بالخارج، فضلا عن تأثر الأسر المصرية التي يعمل ذووها في السعودية بهذا الإجراء.
فيما كشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن السعودية تستضيف أكبر عدد من المصريين بالخارج، إذ يبلغ عددهم بالسعودية نحو 2.9 مليون شخص، يشكلون نسبة 46.9% من المصريين المقيمين في كافة الدول العربية الأخرى.
رسوم مالية كبيرة
وقال الخبير الاقتصادي إيهاب الألفي: إن العمالة الأجنبية في السعودية تعاني منذ عام 2016 من القرارات التي اتخذتها الحكومة، والتي تضمنت السعودة بجانب فرض رسوم مالية كبيرة ومتضاعفة على المرافقين للعمالة الوافدة، بدأت بدفع 100 ريال شهريا عن كل فرد مرافق، بدءا من يوليو 2017، تضاعفت إلى 200 ريال عام 2018، وزاد المبلغ إلى 300 ريال هذا العام، إلى أن يصل إلى 400 ريال شهريا عن كل فرد بحلول يوليو 2020.
وأوضح الألفي أن هذه القرارات سببت ضغطا كبيرا على المصريين في السعودية خلال العامين الماضيين؛ ما اضطر عددا كبيرًا منهم إلى العودة للبلاد أو على الأقل إعادة أسرته إلى مصر لتقليل نفقاته هناك خاصة، في موجة نزوح عكسي، بعد أن تدهورت الأوضاع الاقتصادية في السعودية؛ بسبب ارتفاع الأسعار والركود الذي أصاب العديد من القطاعات.
وقال مصطفى بهجت، مهندس مصري يعمل في السعودية منذ 13 عاما: إنه يعاني من الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في المملكة منذ عدة سنوات، موضحا أنه يتلقى أجزاء فقط من راتبه كل شهر؛ بسبب التعثر المالي الذي تعاني منه شركة المقاولات التي يعمل بها في الرياض.
وأكد بهجت – في تصريحات صحفية – أن الرواتب أصبحت متدنية في مواجهة موجة الغلاء التي ضربت معظم السلع والخدمات في البلاد، قائلا إن الراتب بالكاد أصبح يكفي نفقات أسرته الشهرية، وإنه لم يدخر أي ريال منذ ثلاث سنوات، بل إنه اضطر إلى سحب جزء كبير من مدخراته السابقة لتلبية متطلبات زوجته وأولاده الأربعة.
فيما أكد أحمد السيد، طبيب تخدير، أنه اضطر إلى الانتقال هو وأسرته إلى تركيا للعمل في أحد مستشفيات إسطنبول، بعدما وجد نفسه غير قادر على الاستمرار في العمل بالسعودية مع أسرته.
وقال إن الرسوم والضرائب الباهظة التي أقرتها الحكومة مؤخرا أثقلت كاهله، ودفعته للخروج من البلاد.