منذ فترة ليست بالقليلة والأهالي في بعض الأحياء الشعبية – على رأسها حي الخليفة وحي سور مجرى العيون – يتلقون تهديدات بإخلاء الحي من السكان، من أجل القيام ببعض المشروعات الاستثمارية، كما حدث في حي مثلث ماسبيرو وجزيرة الوراق، في الوقت الذي بدأت فيه بالفعل سلطات الانقلاب بإخلاء عدد من السكان في حي الخليفة الذي تسيطر عليه حالة من السخط العام نتيجة الإخلاء؛ بحجة أنّها مبانٍ آيلة للسقوط، من دون توفير بديل للأهالي.
وكشفت صحيفة “العربي الجديد” اليوم الإثنين، أن رغم عدم توفير مساكن بديلة للسكان الذين تم إخلاء مساكنهم ما يعرض حياتهم للخطر، تصر سلطات الانقلاب على استكمال مشروع الإخلاء؛ حيث أجلت خلال اليومين الماضيين 11 أسرة، تضمّ كلّ واحدة منها ما بين 4 و6 أفراد، وذلك بعد ظهور عدد من التصدعات في ثلاثة عقارات متجاورة، من دون توفير أماكن بديلة للإيواء، ما جعلهم مشردين ومعرضين للضياع في الشارع، بالإضافة إلى ترك جميع متعلقاتهم الشخصية وأغراضهم الخاصة في الشوارع.
وأشارت الأهالي إلى تشريد بعض الأسر من حي الخليفة في مركز شباب مدينة الأسمرات، بعد أن خدعتهم الحكومة بتوفير شقق ووحدات سكنية لهم في المدينة، ثم فوجئوا بعدم توفير مساكن لهم، حتى الآن، رغم بقائهم في خيم بمركز شباب الأسمرات، لمدة شهرين ونصف؛ الأمر الذي سيطر بحالة من الهلع على سكان الحي القديم خوفًا من طردهم في أيّ وقت، إذ إنّ بيوتهم متهالكة وآيلة للسقوط وسطوح المنازل ضعيفة، كما تدخل الأمطار إلى البيوت وتغرقها، وهم أيضًا مهددون بالموت تحت الأنقاض لخطورة مساكنهم؛ إذ إنّ البيوت مبنية بالطوب الرقيق وليس بالخرسانة، فضلاً عن معاناة المنطقة من انهيار بشبكات المياه والصرف الصحي، بالإضافة إلى انتشار البلطجة فيها.
ونقلت الصحيفة عن بعض أهالي الحي أن مصدر خوف وقلق السكان مرتبط بسببين؛ هما: تعلقهم بالحيّ الذي يقيمون فيه منذ عشرات السنوات وارتباط أعمالهم بتلك المنطقة، والسبب الثاني خوفهم من المصير نفسه لمن سبق إخلاؤهم من المكان، وهو إلقاؤهم في الشوارع؛ ما يدمر الحياة العائلية والشخصية لكلّ واحد منهم.
وقال محمد عبد المطلب، أحد الذين أخلوا منازلهم أخيرًا: إنّه طرد منه بحجة أنّ المكان آيل للسقوط، مضيفًا: “كنت أعيش في المبنى، وأعلم أنّه آيل للسقوط، لكن لا مهرب من ذلك، فهو يؤوينا في كلّ الأحوال. أما الآن فانقلب الوضع تمامًا، إذ بتنا نأكل ونشرب وننام في الشارع. أطفالنا، صغارا وكبارا، نالوا نصيبا كبيرا من الشقاء. فأين البديل من جانب الحكومة ونحن نعيش في ظروف صحية واجتماعية صعبة؟”.
وأكد عبد المطلب أنّ هناك 25 منزلا سكانها مهددون بالطرد، كونها مساكن قديمة آيلة للسقوط.
ولفت شكري سعيد، الذي طرد من العقار نفسه، إلى أنّ الحكومة تركتهم في العراء، والأهالي الآخرون هم الذين “جلبوا إلينا حُصرا وقطع قماش نفرشها على الأرض كي نجلس وننام فوقها”، مطالبًا بتوفير وحدات سكنية بديلة، خصوصًا أنّ هناك فتيات ونساء لا يجوز تركهن في الشارع، كما يحصل الآن.
وأسماء حماد، من حي الخليفة، إنّ هناك بعض الأهالي تلقوا طلبات بترك العقار الذي يقيمون فيه، والحلّ إما شقة في مدينة بدر أو في محلة السادس من أكتوبر، مؤكدة أنّ وعود الحكومة مجرد أوهام: “عيشتنا تصعب على الكافر”.. فمعظم العقارات في المنطقة قديمة ومتهالكة، والأهالي مهددون بالموت تحت الأنقاض في أيّ وقت، ولا يمكن لمحافظة القاهرة أن توفر سكناً بديلاً لأهالي منطقة الخليفة؛ بسبب عددهم الكبير، وإذا حدث ونُقل الأهالي إلى الأحياء الجديدة فلا يمكن أن يكون ذلك بلا مقابل، بل بمبالغ مالية كبيرة وإيجارات شهرية تفوق قدرة الأهالي، وهو ما يؤكد تخوفهم وإصرارهم على الوجود داخل أماكنهم السكنية القديمة والمتهالكة، كما تقول.
وتقول صفية شقير التي تعيش مع أولادها الثلاثة في شقة مساحتها 60 مترًا: “هذا البيت عشت فيه مع أبي وأمي وتزوجت فيه. حالته خطيرة، وقد تقدمت منذ عدة سنوات بطلب الحصول على شقة من المحافظة، لكن لم يردوا عليّ حتى اليوم. طردنا من المنزل أنا وأولادي من دون وجود مأوى لنا بمثابة كارثة”.
وعلى الرغم من حظر الدستور الذي صاغه الانقلاب العسكري في 2014 للتهجير أو النقل التعسفي للسكان المحليين، إلا أن نظام السيسي نشط بقوة وسرعة كبيرة في تهجير المصريين من العديد من المناطق، تحت دعاوى عديدة.. ما بين تطوير العشوائيات وبين الاستثمار والأمن القومي!.
وذلك رغم ما يثيره التهجير القسري من تهديدات خطيرة للأمن القومي، حيث يتحول السكان المهجّرون لقنابل موقوتة ضد المجتمع في ظل التعويضات الهزلية التي يقدمها الانقلاب العسكري، بنظام الفرض والتقدير الجزافي الذي لا يرقى لقيمة الأراضي المنتزعة من أصحابها، ناهيك عما تمثله لهم تلك الأراضي والمساكن من تاريخ وقيمة ووطن مصغّر ينزَعون منه بقوة الجرافات والمصفحات الشرطية والعسكرية.. كما يفعل الصهاينة مع الفلسطينيين.
ولعل الهدف الأبعد من تسارع مخططات التهجير ما أشار إليه خبراء من محاولات حثيثة لتقسيم مصر لدويلات، سواء في وادي النطرون ومرسى مطروح والإسكندرية مع الصعيد، وتبقى الحجج التي يسوقها الانقلاب لتسكين الأهالي بالتطوير والاستثمار، الذي تخطط له من سنوات أطراف أجنبية، كما في حالة الوراق وماسبيرو؛ حيث تروق تلك المناطق الاستراتيجية للمستثمرين الإماراتيين والسعوديين ومن أسفل الطاولة جنرالات العسكر.