بقلم: د. فتحى أبو الورد

 

رحم الله أياما كان أبناء الإسلام والدعوة يتربون  فيها على الصلوات فى جماعة، وصلاة الفجر، وبر الوالدين، واحترام الكبير، والغيرة على الإسلام ودعوته، وقيام الليل، وصلاة الضحى والوتر، وقراءة كتب الرقائق، والعيش مع إحياء علوم الدين فى العبادات والعادات، والمنجيات والمهلكات، ومختصر منهاج القاصدين، وتزكية الأنفس.

 

فارق كبير بين أجيال وأجيال، أجيال تستقبل الحياة المجتمعية والدعوية بالحرص على حلقات القرآن الكريم، ومجالس الذكر، ومعايشة رياض الصالحين، ومعرفة فضائل الأعمال لتطبيقها، وصيام الاثنين والخميس، وزيارة المقابر، ومجالس العلم حيث يوزع ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعيادة المرضى، وزيارة العلماء، وتعهد الفقراء، وإكرام الأيتام، والانغماس فى حب الخير، كما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم: ((لن يشبع مؤمن من خير حتى يكون منتهاه الجنة)).

 

فارق كبير بين هذه الأجيال، وأجيال كان أول احتكاحها بالمجتمع والدعوة الاطلاع على وسائل الغزو الفكرى، والاتجاهات الفكرية المعاصرة، والماسونية والصهونية والعلمانية والعمل السياسى، ولا أنكر أن تقف أجيال الدعاة على ذلك ؛ فهذه لوازم لا بد منها،  فقط ما أعيبه هو أن يكون هذا هو المعلم الأساسى للشخصية المسلمة فى التشكيل والتوجيه والاهتمام.

 

محروم من لم يحفظ أذكار الصباح والمساء، وأوراد اليوم والليلة، وأكثر حرمانا منه من حفظها، ولم يحيا بها، ولم يرددها صباحا ومساء.

 

محروم من لا يعرف قراءة القرآن، وأكثر حرمانا منه الذى يعرف كيف يقرؤه ثم هو يهجره ولا يقرؤه.

 

فى دار الأرقم بن أبى الأرقم وبدايات اللحاق بالدين الجديد وركب الدعوة كان الصحابة يتلقون التعاليم، ويعايشون هدى الوحى، ويتابعون جديد أحداث الدعوة الوليدة، فى حب وشغف، وسرية وخوف من أعين المشركين، وكلهم إقبال على الله، وسعادة بالتمسك بهذا النور الذى أضاء قلوبهم وأنار حياتهم.

 

عكفوا على القليل الذى نزل من القرآن الكريم فى بداية المرحلة المكية يقرءون ويحفظون ويتدبرون ويعملون بما علموا، حتى قال قائلهم: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل.

 

وكان القرآن الكريم هو وحده مصدر التلقى، وعلى هديه ومأدبته كان التكوين والتشكيل والصياغة الإسلامية لجيل الصحابة، الجيل القرآنى الفريد، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، ومعي كتاب أصبته من بعض أهل الكتاب، فقال: ((والذي نفس محمد بيده، لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني)).

 

كما كان سلوك النبى الأمين صلى الله عليه وسلم هو الموجه والمؤثر العملى فى التربية والأخلاق، ولم تكن هناك أية مؤثرات أخرى شوشت صناعة الرجال الذين شهد لهم العالم بأنهم نماذج فذة، لم تر البشرية مثلها.

 

اختلطت مصادر التلقى اليوم، واضطربت موازين الاهتمام، لدى أبناء الدعوة المعاصرين، وشكل القرآن الكريم والسنة النبوية قدرا ضئيلا فى صدارة التوجيه، وتشكلت أجيال صنعتها ثقافة الهواتف الذكية، وصاغتها حوارات الفيس بوك والتويتر، وسائر وسائل التواصل الاجتماعى، التى أهدرت فى كثير من تجاربها الأوقات، وهدمت فى كثير من مادتها القيم، وخرجت متدربين فى الجدل، وخبراء فى السفسطائية، ووفرت مادة خصبة لمستخدميها من مفردات "البجاحة" والابتذال، وحدة الألسن، وغلظة المشاعر، وفى الوقت ذاته أثمرت خواء فى النفوس، وجدبا فى العواطف، وفقرا فى الأحاسيس، إلا من تعامل معها بقدرها، ونجا من مثالبها.

 

هذه الظواهر السلبية التى ظهرت فى حياة الدعاة وأبناء الدعوة جراء ضعف الأخذ عن مصدر التلقى الأول القرآن الكريم، وجراء تراجع السنة عن منصة التوجيه فى حياتنا ومجتمعاتنا، تقتضى التوازن فى مصادر التلقى بحيث لا تطغى النوافل على الفرائض، ولا تزاحم الفضائل الفرائض، ولا يقدم التابع على المتبوع، ولا نبرز الفروع ونخفى الأصول.

 

كما تقتضى التوازن بين العلم والعمل،  والتوازن بين الاطلاع والإفادة. كما تستلزم التخفف من كل ما يضيع الأوقات، ويعمل على اضطراب المفاهيم، ويشوش وضوح الأفكار، ويضعف المشاعر، ويجمد العواطف، ويخلق ثقافة الجدل لا العمل.

 

كما تقتضى العودة إلى الينابيع الصافية لنغرف منها بالقدر الذى يشبع نهمنا، ويروى ظمأنا، وينقى الشوائب من قلوبنا، ويصفى الدخيل فى ثقافتنا.

 

فلنقبل، ولنعلم أن من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة، ومن لمح فجر الأجر الأجر هان عليه ظلام التكليف، كما قال بعضهم.

المقالات لا تعبر عن رأي بوابة الحرية والعدالة وإنما تعبر فقط عن آراء كاتبيها

Facebook Comments