لأول مرة منذ اغتيال الصحفي جمال خاشقجي بوحشية في مقر قنصلية بلاده بإسطنبول، مطلع أكتوبر الماضي، استقبل العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، ولي عهد أبو ظبي المثير للجدل محمد بن زايد، أمس السبت 10 نوفمبر 2018، حيث بحث الجانبان عددًا من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، دون تفاصيل.
بالطبع هذه الزيارة تمثل دعمًا مباشرًا وصريحًا للنظام السعودي، خصوصا ولي العهد محمد بن سلمان، في أعقاب الاتهامات التي تلاحقه بالتورط في جريمة قتل خاشقجي الوحشية، وجاءت تصريحات “بن زايد” لتؤكد ذلك، حيث نقلت وكالة الأنباء الإماراتية “وام” تصريحاته بأن «الإمارات ستظل دائمًا في خندق واحد مع السعوديين».
وتزامن اللقاء مع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي أكد فيها أن التسجيلات التي بحوزة بلاده تم إطلاع السعوديين والأمريكان والفرنسيين والإنجليز والألمان عليها، لافتا إلى أن السعودية تعرف على وجه اليقين المتورطين في الجريمة متسائلا: “لماذا تماطلون إذا؟”.

لماذا غاب “بن سلمان”؟
وبحسب موقع “الجزيرة. نت”، كان لافتًا حضور عدد كبير من الأمراء والمسئولين من الطرفين، حيث شارك في المباحثات 15 أميرا سعوديا، لكن الأكثر أهمية هو غياب ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” عن الاجتماع الذي حضره لفيف من الأمراء والمسئولين من الدولتين.
وحضر من أمراء عائلة آل سعود الأمير خالد بن فهد بن خالد، والأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، والأمير منصور بن سعود بن عبد العزيز، والأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز، والأمير سعود بن فهد بن عبد العزيز وغيرهم.
كما حضره من الجانب الإماراتي عدد من المسئولين، ذكرت “وام” ثمانية منهم، من بينهم الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار المجلس الأعلى للأمن الوطني، والشيخ زايد بن حمدان بن زايد آل نهيان، ووزير الدولة للشئون الخارجية أنور قرقاش.
تأتي هذه الزيارة متزامنة مع لقاء من نوع آخر جرى، مساء أمس السبت، في العاصمة الفرنسية “باريس” بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث تعهد الأخير بالإعلان عن عقوبات على المسئولين السعوديين المتورطين في جريمة قتل خاشقجي الوحشية.

أهداف الزيارة
الزيارة بالطبع تأتي في سياق محاولات تحالف الثورات المضادة لملمة أركانه لدراسة الوضع للخروج بأقل الخسائر الممكنة، في ظل الضغوط الدولية على النظام السعودي، بعد رفض المجتمع الدولي سلسلة روايته الكاذبة حول مقتل خاشقجي، بدءًا من النفي المطلق وصولا إلى الاعتراف بقتله مع سبق الإصرار والترصد.
ويمكن تفسير غياب “بن سلمان” عن الاجتماع لإعطاء مساحة أكبر من الحرية للحاضرين من أجل طرح سيناريوهات الحل، وربما يكون أحدها الإطاحة بولي العهد وتعيين شخصية جديدة تحظى باحترام المجتمع الدولي، بعد أن سقطت قيمة ومكانة “بن سلمان” وبات منبوذًا على مستوى العالم؛ فالعاهل السعودي يريد أن يستمع من الجانب الإماراتي أطروحاته للخروج من الأزمة دون خجل أو خوف يمكن أن يسهم حضور ابن سلمان في وجوده إذا حضر الاجتماع.

تحالف الثورات المضادة
ويفسر الفيلسوف التونسي، أبو يعرب المرزوقي، المشهد الراهن بأن اللحظة الراهنة هي لحظة التأرجح بين الثورة المضادة التي تريد استعادة “حالة السكون” والموت تحت إرهاب المافيا والخوف، و”حالة الغليان” والثورة والفوضى التي تنتج عنه حتمًا.
ويبدي تفاؤله بانهيار الثورة المضادة وأنه الأرجح؛ “لأن الثورة المضادة نراها من فشل إلى فشل أكبر”، ولأن “خاشقجي أنهى ركن الثورة المضادة الركين”.
ومن مظاهر هزيمة الثورة المضادة: عودة قناة الجزيرة لتتصدر مرة أخرى المشهد الإعلامي وتقوده، وتراجع إعلام تحالف الثورة المضادة، ويتربع أحمد موسي ومن مثله على قمة القاع وصدارته، وتغير التحالفات في المنطقة واختلال موازين القوى، وتحقيق من نصروا الربيع العربي (قطر وتركيا) مكاسب إقليمية، بعكس خسائر تيار الثورة المضادة بسبب الضغوط اليومية عليه بفعل جريمة قتل خاشقجي.
لكن رغم هذه المكاسب، إلا أن تحالف الثورات المضادة مدعوم بالفعل من الإدارة الأمريكية حتى لو أظهرت عكس ذلك، وكذلك من الكيان الصهيوني الذي يحرص أشد الحرص على بقاء “بن سلمان” وليا للعهد وملكا لبلاد الحرمين مستقبلا؛ لأن الصهاينة لن يجدوا مسئولا أو أميرا سعوديا بهذه الخسة والحقارة، على استعداد للتنازل عن أي شيء مقابل صعوده إلى قمة العرش السعودي.
وإذا تمكن هذا التحالف (الثورة المضادة) من الخروج من الأزمة الحالية دون خسائر كبيرة (كما يجري الترتيب لذلك حاليا في الخليج والغرب بسيناريوهات خروج مختلقة متعددة من الأزمة)، فسيخرج هذا التحالف أكثر توحشا، وقمعا، ودموية مما سبق، أما إذا تمت إزاحة ابن سلمان من ولاية العهد، أو إضعافه بما لا يسمح له سوى بالقيام بدور ثانوي، ومن ثم تدمير أحد أبرز أضلع هذا المثلث، فقد تكون هذه بداية النهاية لذلك التحالف، مع ما سوف يتبع هذا من ترتيبات إقليمية مختلفة تؤثر على مستقبل نظام الحكم العسكري في مصر.
فالسيسي من جانبه، مرعوب مما يحدث مع ابن سلمان بعد مقتل خاشقجي، لذا قال إن استقرار السعودية أهم، وما يدعو السيسي له هو أن يصمت العالم عن الجرائم البشعة التي يرتكبها هو وبشار وبن سلمان وآخرون؛ بدعوى أنهم “يحافظون على دولهم” من الإرهاب المزعوم الذي بثوا فيه الروح بظلمهم واستبدادهم وجرائمهم.
وثمة عامل آخر له تأثير على مآلات المشهد الإقليمي، يتعلق بفوز الديمقراطيين في انتخابات الكونجرس، وما ترتب على ذلك من تحجيم صلاحيات ترامب الذي سوف يبدي قدرًا من المرونة والتعاطي مع مواقف الديمقراطيين، وإن كانت المصالح الأمريكية دائمًا هي الراجح في القرارات.
لكن تحالف الثورات المضادة يعلن حربه على الديمقراطيين صراحة، ويبدي ترحيبه المستمر بسيطرة الجمهوريين، ما يلقي بظلال من الشك النسبي في معسكر الديمقراطيين تجاه التحالف السعودي الإماراتي المصري. ويخشى تحالف الثورات المضادة من مساعي الديمقراطيين والكونجرس نحو الضغط على النظم العربية المستبدة من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان.
عموما ثمة حالة من الترقب في معسكر تحالف الثورات المضادة بشأن حجم ومنسوب الضغوط الدولية، خصوصا في ظل إصرار الرئيس التركي على ضرورة تقديم من أمر بالجريمة للمحاكمة، في إشارة إلى محمد بن سلمان، كما يترقبون ما ستعلنه الإدارة الأمريكية من عقوبات الأسبوع المقبل.