شيء مفزع وصادم تلك التصريحات المهينة التي يدلى بها الرئيس الأمريكي ضد السعودية، فأمام مساعي ولي العهد الحثيثة واللحوحة من أجل الإفلات من تورطه في جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي؛ سعى إلى الحصول على رضا ودعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ الذي منحه دعمه اللا محدود.
وأسهمت جريمة اغتيال خاشقجي في كشف ملفات وأدوار خفية كثيرة تقوم بها السعودية لمصلحة الولايات المتحدة، حتى ولو كانت متعارضةً مع مصالح المملكة وشعبها. كانت هذه الأمور معروفة في الباطن سابقًا، لكنها اليوم أصبحت مكشوفة أكثر، مع سعي ولي العهد، بشتى الوسائل إلى كسب رضا الرئيس الأمريكي، وهو نجح، إلى حد ما، في نيل “العفو” من الأخير على الجريمة التي ارتكبها، حتى إن هذا رفع سقف التبرئة، ليشير إلى أن ولي العهد السعودي يكره جريمة قتل خاشقجي أكثر مما يكرهها ترامب نفسه، أي أنه من الممكن أن احتمال أن يكون ترامب قد أمر بالاغتيال أكبر من أن بن سلمان قام بذلك، بحسب المحلل السياسي حسام كنفاني.

ترامب كشف عن الأسباب التي تدفعه إلى مساندة بن سلمان بقوة، وهي:
أولاً: يأتي ملف النفط في مقدمة الأسباب، وهو الذي يعطيه الرئيس الأمريكي أولوية قصوى، وقد شكر السعودية على الدور العلني والخفي الذي تقوم به لدعم خفض الأسعار.
وعلى الرغم من أن خفض الأسعار ليس في مصلحة السعودية، ويصب حصرًا في خدمة الدول الصناعية المستهلكة، إلا أن الرياض لم تتوان عن تلبية رغبات ترامب لتعلن زيادة إنتاجها، غير أنها لم تقف عند هذا الحد، فلمزيد من نيل الرضا، تعمد السعودية بشكل خفي إلى تخفيضٍ أكثر للإنتاج، بحسب ما كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” قبل أيام، حتى إن ولي العهد السعودي قد يكون مستعدًّا لتسليم إدارة “أرامكو” إلى ترامب وشركاته، في مقابل إغلاق صفحة قتل خاشقجي وإخراج بن سلمان من صورتها بشكل كامل.
وتراجع سعر برميل النفط من 86 دولارًا في أواخر أكتوبر الماضي إلى 59 دولارًا بسعر اليوم 25 نوفمبر 2018 بتراجع يصل إلى حوالي 32% من سعره السابق!
كان يمكن للنظام السعودي أن يستغل الأزمة الراهنة وفرض واشنطن عقوبات على النفط الإيراني وتعثر دول نفطية أخرى في رفع سعر النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل؛ ما يحقق لها مئات المليارات من الدولارات تسهم في تحسين مستوى معيشة الشعب السعودي، لكنه فضل ضخ هذه الأموال إلى جيوب الأمريكان بدلاً من السعوديين! وكل ذلك من أجل أن ينعم نجله بالبقاء وليًا للعهد ومستقبلاً ليكون وريثًا وحيدًا للعرش!.
ثانيًا: ملف صفقات السلاح، والتي بلغت قيمتها نحو 110 مليارات دولار تعجل وزير الخارجية مايك بومبيو الجانب السعودي تسليم ما عليهم من تعهدات بعد إعلان ترامب شكوكه حول تورط بن سلمان في الجريمة، وهي الصفقات التي توفر للأمريكان آلاف من فرص العمل. كما أن الرياض تستثمر حوالي 176 مليار دولار في أدوات الدين الأمريكية! بخلاف مئات المليارات في مشروعات أخرى!
ثالثًا: وهو الأكثر خطورة؛ يتعلق بما يقدمه النظام السعودي من خدمات سرية لضمان حماية “إسرائيل”، وهو ما كرره ترامب مرارا من أجل تبرير موقفه المشين في الانحياز لابن سلمان، وقد خاطب الرئيس الأمريكي هؤلاء، في حديث بمناسبة عيد الشكر من منتجعه في فلوريدا، قائلا: “الحقيقة هي أن السعودية مفيدة جدًّا لنا في الشرق الأوسط، لو لم يكن لدينا السعودية لما كانت لدينا قاعدة ضخمة، وإذا نظرت إلى إسرائيل من دون السعودية فستكون في ورطة كبيرة. ماذا يعني هذا؟ هل على إسرائيل أن ترحل؟ هل تريدون رحيل إسرائيل؟”.

ويراهن ترامب وأركان إدارته على ولي العهد السعودي في تمرير صفقة القرن التي بدأتها واشنطن فعليًا بإجراءين:
الأول: نقل سفارتها إلى القدس بدلا من تل أبيب
والثاني: تجميد المساعدات الأمريكية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”
وتستهدف إدارة ترامب من الصفقة حسم الصراع لصالح الكيان الصهيوني؛ ما دمج الصهاينة في النظام الإقليمي تحت ما يسمى بمحور الاعتدال العربي الذي يضم “السعودية والإمرات ومصر والبحرين وربما الأردن ودول أخرى”، وربما يكشف ترامب في قادم الآيام كثيرًا من تفاصل الخيانة السعودية للمسلمين والعرب والقدس.
رابعًا: دور الرياض في قيادة تحالف الثورات المضادة ضد تطلعات الشعوب العربية نحو الحرية والاستقلال وقيادة هذا التحالف لشن حرب مسعورة على الحركات الإسلامية السنية، وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين بزعم محاربة الإرهاب استرضاء للإدارة الأمريكية وضمانًا لصعود بن سلمان إلى سدة العرش السعودي.
كما تثمن الإدارة الأمريكية دور الرياض في استنزاف المنطقة كلها لحساب الصهاينة من خلال افتعال أزمات وحروب مستمرة في اليمن وحصار قطر ومع إيران وكلها تصب في صالح الكيان الصهيوني.