ارتفعت سخونة التهديدات بالحرب بين أمريكا وإيران لتنتقل من فضاء الإعلام والتحريض وتهيئة الرأي العام الأمريكي والشرق أوسطي، إلى مستوى الإجراءات الوقائية والاستعدادات اللوجستية، فقد سعت أمريكا لتشكيل حلف دولي من تسع دول وبقيادتها ويضم مجلس التعاون الخليجي لمواجهة الخطر الإيراني، ناهيك عن التهديدات الصريحة من قبل دونالد ترامب ووزير خارجيته وأركان حربه بتوجيه ضربات ساحقة لإيران، تقابلها تهديدات أكثر نارية لقادة إيران ضد أمريكا وإسرائيل.
صوت الحرب هو الأعلى في أفق الأيام المقبلة، واللافت بملف الصراع الأمريكي الإيراني دخول كيان العدو الصهيوني على خط الحرب المباشرة في ضرب قواعد ووجود القوات الإيرانية في سوريا والتهديد بملاحقتها في العراق ولبنان وداخل إيران، وادعاؤهم وجود مخازن للسلاح الذري في إيران كما أعلنها رئيس وزراء العدو الصهيوني في خطابه بالأمم المتحدة وعرضه لصور ووثائق؛ الأمر الذي يجعل جدية الحرب تتقدم في ظل انعدام أي مبادرات دولية للحوار والسلام، ما يجعل الشرق الأوسط يقترب من شفا بركان اذا انفجر فسوف تحدث كارثة كبرى.
من الصعب على واشنطن أن تخوض مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران لعدة أسباب الكلفة الباهظة التي يمكن أن تدفعها أمريكا في هذه المواجهة بصورة آنية ومستقبلية؛ لأن قواتها المتمركزة في المنطقة لن تكون بمنأى عن اليد الإيرانية التي طالت تلك القوات في مدينة الخبر السعودية عام 1996.
النووي ممنوع!
الكلفة السياسية الغالية في الأعوام الأخيرة لولاية جورج بوش وفي ظل كونجرس معارض لتوجهات عصبة المحافظين الجدد، ورأي عام تتزايد فيه مشاعر الغضب والكراهية للمغامرات العسكرية الخارجية التي لا تجلب له الأمن بل على العكس من ذلك.
صعوبة تكوين رأي عام وحلف دولي كالذي تشكل إبان حرب العراق الأولى والثانية خاصة مع الرفض الفرنسي والألماني والصيني والروسي لأية مغامرات تضر وتتجاوز مصالحهم في المنطقة، تملك إيران أن تصعد من عناء الولايات المتحدة في العراق من خلال تأليب الشيعة ودفعهم إلى القيام بعمليات مواجهة مجهضة للوجود الأمريكي هناك، ومن ثم تقع القوات فريسة بين فكي السنة والشيعة.
الأسباب التي ترجح إمكانية توجيه ضربة أمريكية لإيران، لا تريد الولايات المتحدة لهذه المنطقة الحساسة من العالم أن تشهد نوعا من توازن القوى بينها و”إسرائيل” من جهة وأي دولة في المنطقة من جهة أخرى، ومن ثم لن تسمح بوجود سلاح نووي في أيدي الموالين لها فضلا عن غيرهم في الخليج.
ويسيطر على إدارة ترامب خوف حقيقي معزز بخوف غربي عام من أن تمتلك إيران السلاح النووي، وما يمكن أن يمثله ذلك من تحول في الوضع الاستراتيجي للمنطقة، ولن تسمح الولايات المتحدة بنوع من اقتسام النفوذ والكعكة الخليجية بينها وأي قوة أخرى، أكانت عظمى أم إقليمية.
وبالتالي ستشدد من أجل عدم حصول إيران على السلاح النووي وقد تصل لضرب هذا المشروع من أجل تحقيق هذا الهدف، إدارة ترامب لديها طموحات أيديولوجية للعصف بالثورة الإيرانية، عكستها كثير من كتابات الخبراء الأمريكيين، برغم أنها الأقل حدة في انتقاد الإيرانيين قياسا بالديمقراطيين.
إيران من ناحية احتفظت بجسور مالية وتسليحية مع كافة القوى العراقية الشيعية، وظلت سندا تسليحيا وماليا وسياسيا للقوى الشيعية المختلفة، ومن ثم أدت إلى تصلبها في المفاوضات مع القوى السياسية والطائفية الأخرى في العراق، ومشاركتها في أعمال العنف والانتقام المتبادل.
الولايات المتحدة وحلفاؤها باتوا يعتقدون أن إيران أصبحت واحدا من الأسباب الرئيسية لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال تعزيز القوى المناهضة لها مثل “حزب الله” في لبنان الذي شن حربا بالإنابة عن إيران مع “إسرائيل”، كما أنه يريد السيطرة على مفاصل القرار السياسي اللبناني.
فضلا عن التعاون المتنامي مع حركة حماس المناهضة للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة لا سيما في فلسطين المحتلة، التي يتسم الفريق الآخر في السلطة الفلسطينية بالقدرة على التماهي مع مفردات هذا المشروع لا سيما في توقيع معاهدات “سلام” مع “إسرائيل” الولايات المتحدة الأمريكية نمر جريح، ولذلك فهي بحاجة ماسة لتلقين أحد ما درسًا ما، على الأقل لأنها تظن أن أي سلوكٍ غير هذا سوف يشجع بقية الأمم عليها وعلى جبروتها.
استبعاد الحرب
ومما يؤكد ما سبق أن الإدارة الأمريكية رفضت بازدراء توصيات لجنة بيكر ـ هاملتون التي قالت بضرورة الحوار مع إيران، واعتبرت ذلك نوعا من اللغو الدبلوماسي الذي لا يصلح في التعامل مع دولة ثورية مصممة على تحقيق أهدافها الطموحة في السيطرة على منطقة الخليج من ناحية، وقيادة العالم الإسلامي على أسس ثورية من ناحية أخرى.
الأسباب التي من خلالها يمكن استبعاد توجيه ضربة أمريكية لإيران، قدرة إيران على إغلاق مضيق هرمز، مما سيمنع تدفق النفط لدول العالم، وإمكانية أن يصل سعر البرميل إلى 150 دولارا، مع ما يمثله ذلك من خسائر اقتصادية كبيرة للاقتصاد الأمريكي.
قدرة إيران على حرق آبار نفط الخليج أو بعضها،وقدرتها على استهداف القوات الأميركية في العراق، من خلال توجيه الشيعة العراقيين لاستهداف 180 ألف جندي أمريكي موجودين في العراق، وقدرتها على تحريك الشيعة دول الخليج ضد الأهداف والقوات الأميركية، وقدرتها على ضرب القواعد والقوات العسكرية الأميركية في دول الخليج بعمليات تخريب.
وقدرتها على استهداف القوة الدولية في لبنان وضرب شمال فلسطين المحتلة “إسرائيل”، بمساعدة “حزب الله”، والضغط على حماس والجهاد لتكثيف الهجمات على “الإسرائيليين”، واستهداف السفارات الأميركية والصهيونية في أي دولة من دول العالم.
ولا يمكن للإدارة الأمريكية القيام بعملية كبيرة للتدخل العسكري دون تأييد شعبي كبير وهو غير متوافر لا في الكونجرس بمجلسيه ولا عند الرأي العام، كما أن القوات الجوية الأمريكية لن تحسم المعركة ما لم تعززها في النهاية قوات برية كافية، وتحسبا لما يمكن أن تقدم عليه إيران قامت الولايات المتحدة بوضع خطة أساسها، مواجهة وردع الرد الإيراني.
كما أن العراق الإيراني هو الخط الأقوى من العراق الأمريكي ووجود عشرات الأحزاب والمليشيات التابعة لإيران يضع العراق في حسابات الربح والخسارة للطرفين وفي ظل حكومة عراقية تعاني تشتت بالموقف الوطني وهيمنة الإستقطابات الطائفية والعرقية فإن العراق سيكون مسرحا ًمفتوحا لصراع الآخرين.